3 دول نفطية تواجه أزمة

بعد انخفاض أسعار النفط

وزير النفط الايراني غلام حسين نوذري (الى اليسار) ورئيس شركة غازبروم الروسية اليكسي ميلر في مؤتمر صحافي . هل يدفع انخفاض اسعار النفط ايران وروسيا وفنزويلا للتخلي عن أهدافها السياسية؟ (رويترز)
TT

شق زعماء فنزيلا وإيران وروسيا طريقهم عنوة إلى الساحة العالمية عبر دبلوماسية دفتر الشيكات، وفي بعض الأحيان عبر دبلوماسية التخويف، بعد ارتفاع سعر البترول إلى أرقام قياسية في الأعوام الأخيرة. وفي الوقت الراهن، تثير أسعار البترول المنخفضة تساؤلات حول ما إذا كانت هذه الدول تستطيع تحمل نفقاتها، والاستمرار في محاولاتها لتحدي الهيمنة الأميركية.

وبالنسبة لهذه الدول الثلاث، كانت أموال البترول وسيلة لتحقيق غايات آيديولوجية.

فقد استخدم الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز هذه الأموال ليطلق ثورة من وحي الاشتراكية في بلاده، وليساند مجموعة من الزعماء ذوي الأفكار المشابهة في أميركا اللاتينية ممن يريدون التخلص من النفوذ الأميركي السائد.

وبسطت إيران نفوذها في الشرق الأوسط، لتعزز موقعها من أجل زعامة العالم الإسلامي، واستخدمت أموال البترول للمساعدة في تحدي جهود الغرب من أجل وقف برنامجها النووي.

أما روسيا، التي كانت تعاني من انهيار اقتصادي مهين في التسعينات بعد انهيار الشيوعية، فقد استعادت بعضا من مكانتها السابقة في العالم. وبدأت في إعادة بناء جيشها، وأحكمت السيطرة على أنابيب البترول والغاز وصدت التقدم الغربي في إمبراطورية الاتحاد السوفياتي السابق.

ولكن يصعب تمويل مثل هذه المطامع عندما يصل سعر برميل النفط إلى 74.25 دولار، وهو سعر الإقفال بداية تداولات الأسبوع في نيويورك، أكثر من صعوبته عندما كان سعره 147 دولارا، وهو سعر برميل البترول منذ ثلاثة أشهر.

إننا لا نقول إن أيا من هذه الدول تواجه كارثة اقتصادية فورية، أو إنها سوف تتخلى عن أهدافها السياسية التي تتبناها منذ مدة طويلة. ويمكن لسعر البترول دائما أن يرتفع مرات أخرى، وهو الآن ما زال يبلغ ضعف ما كنا نعتبره منذ عدة أعوام سعرا مرتفعا.

وما زال كل من روسيا وإيران وفنزويلا تعتمد في إنفاقها على أسعار البترول التي ظنوا أنها تحفظية، ولكنها الآن تقترب من مستوى السوق. ومن الممكن أن يتسبب في المزيد من الانخفاضات الكبيرة في وضع الدول الثلاث في موقف عجز عن الإنفاق أو على الأقل يدفعها إلى الاختيار من بين الأولويات. وقد يزيد الركود العالمي، الذي يتوقعه العديد من الاقتصاديين، الأمور سوءا، فيقلل من الطلب على الطاقة ويخفض الأسعار.

وليس من الواضح ما إذا كانت الضغوط الجديدة سوف تمنح فرصا أمام الولايات المتحدة للتخفيف من حدة التوتر، أو ما إذا كانت الدول الثلاث سوف تزيد من اعتمادها على الكلمات الغاضبة حتى لو كانت لا تستطيع تحمل تكاليف التصرفات الاستفزازية، فيما يستمر شافيز في تقربه من روسيا. فربما يرى هو ورئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد الولايات المتحدة المتورطة في الأزمة المالية أكثر عرضة للهزيمة.

وقد قال دانيال يرغين، رئيس مجلس إدارة شركة كمبردج إنرجي ريسيرش أسوشيتس الاستشارية في كمبردج في ماساتشوستس، إن الدول البترولية تواجه نوعا من تصفية الحسابات. وأوضح، أولا، رأت هذه الدول الأزمة المالية مشكلة تخص الولايات المتحدة إلى حد بعيد، ولكن بعد ذلك بدأت أسعار البترول في الهبوط.

يقول يرغين: «الآن، يشهد المنتجون صدمة عكسية في البترول. وعندما ارتفعت الأرباح، ارتفع الإنفاق الحكومي، وأدت التوقعات باستمرار الثمار إلى استمرار المزيد من الطموحات الكبيرة. والآن، وجدوا أنهم مندمجون في نظام العولمة».

* فنزويلا

* كان شافيز يؤكد بشدة الشهر الماضي عند إعلانه بأن فنزويلا ستشترك في تدريبات بحرية مع البحرية الروسية في البحر الكاريبي. وقال: «امضوا قدما وانتحبوا أيها الأميركيين. مرحبا بأسطول البحرية الروسية هنا». لا بد أن هذه اللحظة، التي أصبحت ممكنة إلى حد ما بسبب تدفق أموال البترول لشراء الأسلحة الروسية، كانت ممتعة للرجل الذي أمضى فترته الرئاسية وهو ينتقد بشدة نموذج الولايات المتحدة الرأسمالي. وقد استدعى تودده إلى روسيا، التي تتزايد خلافات زعمائها مع الولايات المتحدة، منافسات الحرب الباردة إلى نصف الكرة الأرضية.

واستعان شافيز أيضا بأموال البترول، في مدفوعات مباشرة ومن خلال شحنات بترول مدعمة، من أجل اكتساب أصدقاء في نصف الكرة الأرضية والأنحاء الأخرى، ومن بينهم رئيس بوليفيا إيفو موراليس، الذي طرد سفير الولايات المتحدة في لاباز الشهر الماضي، قائلا إن السفير كان متطورا في التخطيط من أجل إحداث انقلاب.

كما ارتفع الإنفاق الداخلي في فنزويلا أيضا، عبر إقامة مجموعة كبيرة من برامج الرخاء الاجتماعي، وهو الأمر الذي عزز من هدف شافيز في إقامة دولة اشتراكية، وفي قمع المعارضة. وقد شملت ميزانية عام 2009، التي اعتمدت على أن سعر برميل البترول 60 دولارا، زيادة في الإنفاق الحكومي بنسبة 23 في المائة، ليصل إلى 78.9 مليار دولار.

وعندما كان سعر برميل البترول 140 دولارا، كان هذا سعرا تحفظيا. ولكن مع اقتراب الأسعار الآن على نحو غير مريح من 60 دولارا للبرميل، يعرب الاقتصاديون في فنزويلا عن انزعاجهم من عدم قدرة الحكومة على دفع فواتيرها، ومن بينها فواتير مشترياتها من الأسلحة.

ويتصارع الفنزويليون مع معدل تضخم وصل إلى 36 في المائة، وهو من أعلى المعدلات في العالم.

وقد صرّح شافيز السبت الماضي إن البلاد من الممكن أن تتحمل أي انخفاض في أسعار البترول، منوها إلى وجود 40 مليار دولار في احتياطيها من العملات الأجنبية، على الرغم من أنه قيد ملاحظاته بقوله إن سعر برميل البترول الذي يتراوح ما بين 80 إلى 90 دولارا سيكون كافيا جدا من أجل تنفيذ خططه.

ولكن، تتزايد المخاوف من وقوع أزمة اقتصادية وشيكة في فنزويلا بسبب عدم الشفافية فيما يتعلق بالأموال العامة وبسبب اعتماد الاقتصاد على البترول في العقد الذي تولى فيه شافيز الرئاسة، مع تسبب مصادرات الأراضي في الريف في إضعاف الإنتاج الزراعي وتسبب عمليات التأميم في تخويف المستثمرين الأجانب.

ويقول أوسكار غارسيا مندوزا، رئيس بنك بانكو فنزولانو دي كريديتو الخاص: «هذه الدولة ستصاب بالشلل لأنها تعتمد كثيرا على البترول». وقد أدى القلق بشأن الاقتصاد بالفعل إلى بيع سندات الحكومة الفنزويلية، وهو الأمر الذي من شأنه أن يضع قيودا حادة على خيارات الدولة فيما يتعلق بعمليات الاقتراض.

وفي الأسبوع الماضي، ذكرت سفارة فنزويلا في نيكاراغوا أن حكومة كاراكاس سترجئ إنشاء مصنعا لتكرير البترول هناك تبلغ تكلفته 4 مليارات دولار. وأعلنت شركة البترول القومية أنها ستشدد من شروط دعم صادرات البترول على دول البحر الكاريبي.

يقول ريكاردو هوسمان، الاقتصادي الفنزويلي الذي يدرس في جامعة هارفارد: «إننا في الوضع نفسه الذي يكون فيه شخص قد فقد أحد أطرافه، ولكنه ما زال يشعر به. ولا أدري كم من الوقت يستغرق شافيز ليدرك أنه قد فقد أحد أطرافه».

* إيران

* عندما عرض الرئيس محمود أحمدي نجاد ميزانيته أمام البرلمان العام الماضي، كان مجلس الأمن في الأمم المتحدة قد فرض عقوبات اقتصادية بالفعل على إيران بسبب برنامجها النووي. وقال الرئيس إن هذا القرار غير مهم.

فقال: «حتى لو أصدروا عشرة قرارات أخرى، فلن يؤثر ذلك على اقتصاد إيران وسياستها».

وقد كان على حق إلى حد ما. فلم يؤثر القرار في سياسة إيران. وقد صدر قرار آخر بعد شهرين، ثم آخر بعد عام، وما زالت إيران مستمرة في العمل في برنامجها النووي، بل ومع وقوع اقتصادها تحت ضغوط. ومن بين أحد أهم الأسباب التي جعلتها تتحمل العقوبات الاقتصادية، ارتفاع سعر البترول. وتملك إيران ثاني أكبر احتياطي عالمي من البترول، وقد استخدمته في الأعوام الأربعة الماضية كسلاح سياسي واقتصادي لتحدي الغرب وإضعافه بينما كانت تعزز من أجندتها. لقد ساعدت عوائد النفط إيران على بسط نفوذها في العراق، وساعدتها أيضا على تحدى السيادة السياسية العربية في الشرق الأوسط، فيما ساعدت على بسط نفوذها في لبنان، من خلال حزب الله، وفي الصراع العربي الإسرائيلي من خلال حماس. وفي الداخل، سمحت أموال البترول للمتشددين فكريا في إيران الاحتفاظ باحتكارهم للسلطة، وشراء الولاء السياسي، وتعويض الأضرار المالية الناجمة عن سياساتهم الاقتصادية. وربما يكون من الواجب أن يعاد تصويب كل ذلك الآن.

يقول مصطفى اللباد، مدير مركز الشرق للدراسات الإقليمية والإستراتيجية وهو مركز أبحاث مستقل في القاهرة: «إن انخفاض أسعار البترول سيجعل النظام الإيراني يعيد النظر في حساباته لأن حصانته السياسية ضعيفة. كما سينكمش وجوده ودوره الإقليميان».

وحتى قبل أن تخفض الأزمة المالية العالمية من سعر البترول، كانت إيران واقعة في قبضة أزمة اقتصادية. والآن، فقد وصل معدل التضخم إلى 30 في المائة، وفقا للبنك المركزي. وخلال الشهر الجاري، نظم تجار الأسواق، الذين يمثلون قوة سياسية كبيرة، إضرابا بعد أن فرضت الحكومة ضريبة على القيمة المضافة. يتبع أحمدي نجاد طريقا للتعامل مع الأزمة الاقتصادية العامة وهو زيادة الإنفاق الحكومي، من خلال الواردات في المقام الأول. ولكن ذكر صندوق النقد الدولي في أغسطس (آب) أن إيران ستواجه عجزا لا يمكن تحمله إذا انخفض سعر برميل البترول لديها إلى 75 دولارا.

ومن غير المتوقع أن يجبر الاقتصاد إيران على تغيير فكرها الكامن أو أهدافها طويلة المدى. ولكن يقول المحللون إنه إذا ظلت الأسعار منخفضة لمدة طويلة، فمن الممكن أن يعني هذا رغبة أكبر لدى طهران من أجل الوصول إلى تسوية في القضية النووية، وربما يعني تحولا سياسيا يجعل الرئيس أحمدي نجاد مُعرضا للهزيمة في انتخابات الرئاسة التي تعقد في يونيو (حزيران). ويقول المحلل الاقتصادي والسياسي في طهران سعيد ليلاز: «لقد وزعت الحكومة الأموال وشجعت على الإنفاق. ومنحت رواتب عالية لمؤيديها، وزادت من توقعاتهم، وبأي حال من الأحوال، فلا يمكن في الوقت الحالي منحهم رواتب أقل دون أن تثير غضبهم. وإذا فشلت الحكومة في تلبية توقعاتهم، فربما يؤدي الأمر إلى وقوع أزمة».

* روسيا

* في أحد أيام فصل الشتاء من عام 2006، قطعت روسيا إمدادها من الغاز الطبيعي عن أوكرانيا، حيث تولت السلطة حكومة موالية للغرب. وأشار الكرملين إلى أن السبب خلاف على الأسعار. ولكن قال بعض المسؤولين الغربيين إن فلاديمير بوتين، رئيس روسيا في ذلك الوقت والذي ما زال زعيمها ذي السلطة العليا حتى الآن، يريد أن يوصل رسالة ما إن روسيا تريد استخدام احتياطيها الكبير من الطاقة لتحاول إعادة التأكيد على السيادة التي فقدتها عندما انهار الاتحاد السوفياتي.

ومنذ شهرين، بدا رد الفعل الصامت لبعض الدول الأوروبية على غزو روسيا لجورجيا وكأنه يشير إلى نجاح سياسة بوتين، كما يقول بعض محللي السياسة الخارجية الذين أضافوا أن أوروبا أصبحت تعتمد على الغاز الروسي ولا يمكنها الدخول في تحد قوي. ولكن في الوقت الراهن ـ مع هبوط أسعار الغاز ـ أصبحت هذه الإستراتيجية موضع تساؤل. فقد لا يستمر الأوروبيون في خوفهم، بعد أن عرفوا أن روسيا أصبحت أقل قدرة على الضغط على زبائنها.

يقول بيتر هالوران، المدير التنفيذي لمجموعة فاروز المالية، وهو صندوق استثماري مقره موسكو: «كلما زاد توتر الدول الأخرى بسبب أمن الطاقة لديها، كانت روسيا في وضع أفضل جغرافيا وسياسيا».

ولكن على الأقل فيما يتعلق بالاقتصاد المحلي، يرى هالوران وخبراء آخرون أن روسيا في وضع أفضل لتحمل انخفاض الأسعار من العديد من الدول المنتجة للبترول والغاز، لأنها اتبعت إجراءات مالية تحفظية في الأعوام الأخيرة.

وقد أودعت الحكومة جزءا كبيرا من أرباحها البترولية في صندوقين للاستقرار، بلغ مجموع أموالهما 190 مليار دولار في مطلع هذا الشهر. وتفترض الميزانية الروسية أن سعر برميل البترول تقريبا 70 دولارا، وتذهب الأرباح التي تفوق هذا المبلغ إلى هذين الصندوقين المسميين بصندوقي الادخار. كما نجح الكرملين أيضا في الأعوام الأخيرة في إحكام السيطرة على العديد من الأنابيب التي تنقل البترول والغاز في المنطقة، وهو إنجاز سيستمر على الرغم من انخفاض الأسعار. وقد بدأ الكرملين في الاستفادة من صندوقي الاستقرار من أجل دعم الصناعة المصرفية والبورصة، التي تكبدت خسائر هائلة بسبب الأزمة المالية العالمية، وهبطت بمقدار يفوق الثلثين منذ مايو (أيار) الماضي. وربما تنقذ الحكومة أيضا العديد من أقطاب الصناعة الروس الذين مروا بمرحلة ازدهار مع ارتفاع أسعار الموارد الطبيعية، ولكنهم يعانون من خسائر فادحة الآن.

من الممكن أن تجعل هذه الخطط، مجتمعة مع هبوط أرباح البترول والغاز، من الصعب على الكرملين أن ينفذ خطط تحديث البنية التحتية القديمة للبلاد، من الطرق السريعة إلى المدارس، مع الاستمرار في تعزيز مطامع روسية في الخارج. ولكن، يقول سياسيو المعارضة في روسيا إنهم لا يرون أن تراجع الأسعار سيقوض من سلطة بوتين. ويقول زعيم المعارضة غريغوري يافلينسكي: «أعتقد أن الوقت مبكر جدا. والأزمة الآن لا تمثل اهتماما كافيا للشعب، فما زالت البنوك مفتوحة والبطالة لم تصل إلى مستويات كبيرة. إنها تهديد، ولكنه مجرد تهديد محتمل».

*خدمة «نيويورك تايمز»