انتخابات الغرف التجارية .. وما خفي أعظم

سعود الاحمد

TT

القريبون من أوضاع بعض (وليس الجميع) إدارات الغرف التجارية السعودية، يدركون حقيقة أن هناك شخصيات هامة في الميدانين التجاري والصناعي خارج الأضواء. في وقت هم أقرب لتحقيق المصلحة العامة ممن يتوسطون واجهات الغرف التجارية!. والذي يبدو أن هناك إمعانا في استغلال الإمكانيات والمعطيات المالية والشخصية للنيل من فرص الفوز في انتخابات عضوية الغرف التجارية. ولن أتحدث عن أسماء أو أماكن (بالتحديد)، لكن اللبيب بالإشارة يفهم. فأمور الغرف التجارية أضيق من أن يتوه الفهيم فيها. وسيناريوهات الانتخابات (بالذات) أوضح من أن تحجب عن أحد ليتوه في البحث عن أبطال الأحداث.

تصوروا... عندما تكون المعلومة التي يحتاجها المرشح تحت سلطة منافسه.. المستقر على الكرسي، هل يتوقع منه أن يسعى (بكل تجرد ومثالية) ليسهل مهمة منافسه، ليفوز عليه؟!. ثم أن من المستقر في الأذهان أن من أراد الدخول لعضوية المجلس، فإن عليه أن تكون له ولاءات، وإلا فإن مآله أن يستبعد من دائرة كل حدث وحوار!. والأعضاء كما هو معلوم تجار وبينهم في السوق تنافس (فما بالك في مجالس الغرف)... ولكل منهم مصالحه وأجنداته. وبالتالي لا يُعقل أن تجتمع تيارات وثقافات مختلفة من ذوي مصالح متعارضة تحت لواء إداري لمصلحة شخص أو تيار واحد.

وانظروا إلى بعض من إجراءات التصويت (المفروضة)، لتدركوا كيف هي الصعوبة في الفوز عن طريق الانتخابات. فمن بين إجراءات التصويت أنه يجب على المرشح أن يحظى بتصويت قائمة ناخبين تُعدها الغرفة لتُعطى للمرشح، تتضمن أسماء وعناوين الناخبين. وهذه القائمة عادة تكون قديمة (غير محدثة). وعلى المرشح أن يسعى لكل ناخب ويتصل بهم واحداً بواحد، بعد أن يستخدم إمكانياته ليعرف العنوان الصحيح لكل ناخب (وهي مهمة تحتاج إلى بوليس سري) حتى يجدهم (وهذا التحدي الأول). وإذا وجدهم.. فإن عليه أن يتواصل معهم ويجتمع بهم ليبلغهم برنامجه الاستراتيجي للتطوير ويناقشه فيه ويقنعهم به. وأنظر إلى الوقت المتاح له (وهذا هو التحدي الثاني): حيث القائمة النهائية تعطى للمرشح يوم الثلاثاء وموعد التصويت يوم الأثنين القادم، بمعنى أن المدة المتاحة له أقل من أسبوع من الزمن، إضافة إلى أن المرشح ممنوع عليه الظهور بأية وسيلة إعلامية!. وأنظر إلى هذا الشرط (الغريب)، وهو: أن على الناخب الذي يرغب في التصويت ألا يحضر بموعد التصويت إلا وبصحبته الدعوة، وهم يعلمون (سلفاً) أن قائمة العناوين غير محدثة وبعض الأسماء مكتوبة بالخطأ (ونحن في عصر التقنية الإلكترونية!)، مع أن الأصل هو أن يُبلغ الناخب بموعد التصويت بصرف النظر عن طريقة التبليغ. ويكفي أن يُعلن الخبر في الصحف أو في مجلة الغرفة الشهرية أو يعرف عنه الناخب من أحد زملائه، فلماذا هذا الشرط؟!. فليس الأصل في هذا التبليغ أن يحضر الناخب ممسكاً ببطاقة الدعوة (كأنها دعوة بصالة أفراح)... فمع مثل هذه الشروط، لن يصوت إلا من أريد له أن يصوت!. وبالتالي فإن الفوز في انتخابات الغرف التجارية أمر محسوم مسبقاً، والتوقعات بأنه يمكن أن يكون من خارج دائرة التيار الحالي هو ضرب من الخيال، ومن يرغب (جاداً) في الدخول في عضوية المجلس فعليه بفزعات التكتلات.

وختاماً ... إن أي مساعي لإصلاح أوضاع الغرف التجارية، لن تُفلح إذا أغفلنا حقيقة أن العضو يجب ألا يُعمَّر في المجلس، لتبقى العضوية حكراً على فئة أو تيار واحد، ولذلك فإنني أدعو وزارة التجارة والصناعة للنظر في تعديل النظام، بحيث لا يسمح للعضو بالترشح لأكثر من مرة أو مرتين. وهذا الأمر مصلحته مفروغ منها، وبالمناسبة هذا المشروع سبق أن رفع للجهة المعنية، لكنه أجهض. ووزارة التجارة والصناعة سبق أن اتخذت مثله (مشكورة) في نظام المحاسبين القانونيين. ثم أن دخول دماء جديدة لمجالس الغرف سيغذي ينابيع العطاء وسيثري برامج التنمية الاقتصادية .. وسيكشف نقاط ضعف السابقين وسيعمل على تطوير كل ما من شأنه تجارة وصناعة المملكة.

* كاتب ومحلل مالي [email protected]