التراجع الاقتصادي يخيم على سوق العقارات التجارية في أميركا

مع زيادة في تسريح العمالة وهبوط الأرباح بدأت الشركات تتخلص من مساحاتها المكتبية

من المتوقع أن تصل مبيعات العقارات التجارية التي تشتمل على المكاتب والمراكز التجارية والمخازن إلى أقل من نصف الرقم القياسي الذي حققته العام الماضي وبلغ 514 مليار دولار وفقا لتقارير «ريال كابيتال أناليتكس» في نيويورك (واشنطن بوست)
TT

احتسى بنيامين لاسي وزوجته ديبرا شرابا وتناولا اللحم البقري النيئ منذ عدة أسابيع في ميونخ في تجمع للعاملين في مجال العقارات التجارية. في الأعوام الأخيرة، كان الزوجان ينصحان الألمان باستثمار حوالي مليار دولار في المباني المكتبية ما ساعد على تنشيط السوق الإقليمية.. ولكن ليس هذه المرة.

قال لاسي: «لقد حضر الجميع وتناولنا عشاء لطيفا، ولكن تحت السطح كان هناك اكتئاب وخوف من الفشل. كنا نروج للصفقات، ولكن كان الشعور الكامن هو «ما الذي يحدث في الولايات المتحدة؟».

وكانت هذه إشارة أخرى صارخة للزوجين اللذين يديران شركة عقارات استثمارية واستشارية، على أن الأزمة المالية العالمية وصل تأثيرها إلى السوق التجارية.

مع وجود قلة من المقرضين في الوقت الحالي، من المتوقع أن تصل مبيعات العقارات التجارية، التي تشتمل على المكاتب والمراكز التجارية والمخازن، إلى أقل من نصف الرقم القياسي الذي حققته العام الماضي وبلغ 514 مليار دولار، وفقا لتقارير «ريال كابيتال أناليتكس» في نيويورك. وقد ألغيت صفقات تزيد قيمتها على 14.5 مليار دولار أو تم الانسحاب منها في العام الحالي، ومن بينها حوالي مليار دولار في منطقة واشنطن، وفقا لشركة «كاسيدي آند بينكارد كوليرز».

بالإضافة إلى ذلك، تعني زيادة تسريح العمالة وهبوط الأرباح أن الشركات تتخلص من مساحاتها المكتبية بمعدل سريع. وقد أخلى مستخدمو المكاتب في جميع أنحاء البلاد مساحة تبلغ أكثر من 19 مليون قدم مربع في العام الحالي، وهي مساحة كافية لإقامة 300 ملعب لكرة القدم، وهي أكبر مساحة تم إخلاؤها منذ الشهور التي تلت أحداث 11 سبتمبر (أيلول) عام 2001. ويوجد محليا حوالي مليون قدم مربع من المساحات المكتبية المظلمة والخالية، وفقا لشركة ريس، وهي شركة أبحاث عقارية في نيويورك.

وقد توصل برايس ووترهاوس كوبرز ومعهد الأراضي الحضرية في تقرير صدر حديثا إلى أن «العقارات التجارية الأميركية تواجه أسوأ عام لها منذ الكساد الشديد الذي أصاب الصناعة عام 1991 ـ 1992» يقول المحللون إنه في جميع أنحاء البلاد تشهد الإيجارات ركودا ومن المحتمل أن تهبط. ومن المتوقع أن تزداد معدلات المكاتب والمراكز التجارية والفنادق الخالية، وسيحل موعد استحقاق تسديد قروض قيمتها مليارات الدولارات العام المقبل.

يقول جون غيرمانو، المدير الإداري لمنطقة منتصف الأطلسي في شركة «سي بي ريتشارد إيليس»، وهي من أكبر شركات العقارات التجارية في البلاد: «هذا يحقق رقما قياسيا، لأنه تجاوز مجال العقارات. لقد شاهدتم شركات تعتمد عليها العقارات مثل ميريل لينش وليمان إما تخفض من النفقات أو تباع أو تنهار». يتوقع المحللون أن تزداد الأمور سوءا إذا ارتفع معدل البطالة في البلاد، واستمر المستهلكون في تخفيض نفقاتهم. وسوف تستأجر المحلات والشركات مساحات أقل، ما يحتمل أن يتسبب في وجود فائض كبير في المساحات التجارية وانخفاض كبير في قيمة الإيجار.

يقول دان فاسلو، المدير الإداري في ريال كابيتال أناليتكس، شركة الأبحاث العقارية: «إننا لم نشهد كل شيء بعد، فسوف نرى المزيد من المستأجرين يغلقون محلاتهم».

ويضيف: «إذا دخلنا في مرحلة ركود، فسيخسر جميع الأطراف، لأن ذلك يؤثر على الجميع» وهناك بعض المشروعات الكبرى ذات الأسهم الزرقاء في البلاد تواجه أزمة، وهي الإشارة التي أثارت قلق السماسرة والمقاولين والمقرضين في الصناعة من تعرض حتى الصفقات الجيدة القوية التي يقف وراءها مقاولون متماسكون للمخاطر.

على سبيل المثال، في هارلم، أوقفت شركة «فوراندو ريالتي تراست» وهي من أكبر الشركات المالكة عقارات تجارية في المدينة خططها لبناء مقر لشبكة «كابل» لدوري البيسبول المكون من 23 طابقا وتصل تكلفته إلى 435 مليون دولار، بعد أن فشلت في ضمان وجود مستأجرين إضافيين وتمويل، وذلك بناء على رواية أشخاص على علم بهذه الصفقة.

في شيكاغو، تأخر تنفيذ مشروع تكلفته 500 مليون دولار لبناء مكاتب ومحلات وفندق في مدينة يونيون ستايشن المميزة عدة أعوام عن الموعد المحدد له بعد فشل صفقة للحصول على قرض من بنك يوروهايبو للعقارات في فرانكفورت في ألمانيا، ما دفع المقاول إلى محاولة الحصول على قرض آخر. قال المقاول حسين يوسفي عن صفقته مع يوروهايبو: «لقد انسحبوا منها» ولكنه أضاف أيضا أن العاملين في البنك أخبروه أنهم «سيدخلون في مجموعة قابضة» وهو يحاول أن يحصل على قرض آخر، ولكنه لا يستطيع البوح بتفاصيل الصفقة بسبب سرية الاتفاقية. وأضاف: «نأمل في أن يحدث هذا فلا يوجد شيء يتم إنجازه هذه الأيام».

وقد أصيبت بعض الشركات العقارية والمستثمرين الأثرياء بأضرار.

واستبدلت شركة «جنرال غروث بروبرتيس»، ثاني أكبر شركة تمتلك مراكز تسوق في البلاد وهي مالكة «تينسونز غاليريا» و«لاندمارك مول» رئيسها التنفيذي، ويخشى بعض المحليين من أن الشركة تعاني من الإفراط في الرفع المالي وتتخلص من ممتلكاتها بأسعار زهيدة. وذكرت شركة «جنرال إليكتريك»، التي تمتلك أكبر حقيبة أوراق مالية للعقارات في العالم، أنها عانت من انخفاض بنسبة 62 في المائة من أرباحها الربع سنوية على العقارات، لتصل إلى 244 مليون دولار بعد أن كانت 640 مليون دولار، وهي الآن تبيع بعضا من أصولها.

وفي منطقة واشنطن، هناك مخاوف من أن عمليات المقاولات الجديدة لن يتم البدء فيها، حيث من الصعب على المقاولين أن يحصلوا على قروض. وتعاني سوق المبيعات، التي كانت تعتبر مركز جذب للمستثمرين الأجانب ومن خارج المدينة، من تراجع بعد أن وصلت العام الماضي لمعدل سريع غير مسبوق، عندما بيع 170 مبنى، بقيمة 10.1 مليار دولار، في منطقة واشنطن، وذلك مقارنة بـ 51 مبنى بقيمة 3 مليارات دولار في الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي.

يدور أكبر قدر من المخاوف حول زيادة تعرض واشنطن، التي طالما كانت تعتبر محصنة بفضل اقتصادها المتنامي الذي تدعمه الحكومة الفيدرالية وفروع الشركات المتصلة التي تستأجر المساحات المكتبية، للخطر، كما تقول سيغريد زياسيتا مديرة الأبحاث قي كشمان أند ويكفيلد: «حيث وصل نشاط التأجير إلى أقل معدلاته في فترة تزيد على عقد من الزمان».

ويدور معدل المكاتب الخالية في المنطقة حول 10.9 في المائة. ويقول المحللون إنه إذا ارتفعت نسبة البطالة فمن المحتمل أن يرتفع هذا المعدل.

يقول بريان ماكفاي نائب الرئيس التنفيذي في مكتب «كشمان آند ويكفيلد» في واشنطن: «اعتادت واشنطن دي سي (العاصمة) على احتلال مكانة مفضلة في البلاد حيث كانت في الغالب بمعزل عن التقلبات الاقتصادية. ونحن الآن نجد بعضا من آثار الأزمة هنا كما حدث في أي مكان آخر. وإذا لم تكن قد بدأت في شيء ما، ففرص قيامك بذلك في أي وقت أصبحت ضعيفة».

وتحصل بعض الصفقات على تمويل، ولكنها صفقات صغيرة وتحظى بمقرضين متعددين. في بعض الحالات، توجد سهولة في الحصول على قرض من أجل مبنى تستأجره جهة حكومية، لأنه ليس عرضة لتقلبات السوق.

في مشروع بورتالز الذي تبلغ قيمته مليار دولار في الجنوب الغربي، كان من المفترض للشركة المالكة للمبنى «ريبابليك بروبيرتيز» أن تسدد القرض القائم على الرهن العقاري الذي اقترب موعد استحقاقه أو أن تحصل على قرض من بنك واحد.

ولكن مع توقف الصفقات المدعومة من الرهن العقاري، يتردد المقرضون في منح قروض كبيرة، فذهبت «ريبابليك» إلى 40 أو 50 بنكا بحثا عن مقرضين. وهي تؤجر نسبة 40 في المبنى، كما يوجد به مستأجر قوي وهو الهيئة الفيدرالية لإدارة الطوارئ.

في الشهر الماضي، حصلت «ريبابليك» على قرض قيمته 212 مليون دولار من بنك كاليفورنيا الوطني في لوس أنجليس وتمويل من «برودينشيال ريال ستيت». وقد منحها بنك كاليفورنيا الوطني 120 مليون دولار فقط، لذا حصلت الشركة على قرض إضافي قيمته 92 مليون دولار لتقريب الفجوة، وهو مشابه للرهن العقاري الثاني ومعدل الفائدة عليه أعلى بكثير حيث يتراوح ما بين 11 و18 في المائة في الفترة الحالية.

يقول ديفيد ويب، كبير المديرين الإداريين في «كاسيدي وبينكارد كوليرز» الذي ساعد على إنجاح الصفقة: «لقد زادت صعوبة كل شيء. وأصبح الجميع يتوخى الحذر إلى أبعد حد. وأنت لا تعرف بالفعل من سيظل في البنك ومتى يحل موعد انتهاء القرض».

وقال المقاول دوغلاس جيمال، إنه كان يشتري ويبيع 30 عقارا في هذا الوقت من العام، ولكنه عقد عددا ضئيلا من الصفقات. وفي الأشهر الثلاثة الماضية، لم يعقد أية صفقة.

ويقول: «إن هذا أسوأ مما حدث في أواخر الثمانينات والتسعينات» مذكرا بأسعار البيع التي كانت تقل عن أسعار السوق بعد أزمة المدخرات والقروض. ويضيف: «كان سوق العقارات راكدا في ذلك الوقت، ولكن لم تتوقف المؤسسات المصرفية عن الإقراض. والآن لا يمكنك أن تحصل على أموال حتى من أجل صفقة جيدة».

كان يحاول أن يتقدم في تنفيذ خطته من أجل إعادة إنشاء مصنع ووندر بريد القديم بجوار محطة مترو جامعة شو ـ هوارد في المقاطعة، ولكنه لم يتمكن من الحصول على تمويل من الجهات المعتادة التي كان يقترض منها، ومن بينها واتشوفيا، وويلز فارغو وبي إن سي.

في روسلين، خططت شركة «جي بي جيه» في باثزدا البدء في أعمال إنشاء برج مكتبي بدون عقود إيجار موقعة مع المستأجرين. ولكن تأجل المشروع بسبب تعثر التمويل.

يقول لاسي إنه لم يعقد صفقة كبيرة حقا مع مستثمرين ألمان منذ إبريل (نيسان)، عندما باع مبنى مكتبيا في 2099 جادة بنسلفانيا في الشمال الغربي بمبلغ 864 دولارا للقدم، وكان في ذلك الوقت من أعلى الأسعار في المدينة.

ويضيف لاسي: «لقد حاولنا كثيرا، ولكن لا يحصل أحد على أي شيء. لقد توقفت النغمة التي كانت سائدة، وقل معدل الإقراض ليصبح ضئيلا جدا».

يقول مات كلين، رئيس شركة «أكريدج»، وهي شركة مقاولات في العاصمة شاركت في مشروعات كبرى مثل غاليري بلاس: «يتحول الجميع الآن إلى مواقع متفرجين في انتظار ما سيحدث. وهناك عامل القلق وراء عدم الرغبة في الشراء عندما تكون هناك حركة تراجع في السوق. وينطبق على ذلك مقولة: «لا أحد يريد أن يمسك بالسكين وهي تقع».

* شارك في كتابة هذا التقرير الباحثة جولي تات

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»