الأموال الفيدرالية آمال صناعة السيارات الأميركية

جنرال موتورز تعلن أن مبالغ التحوط ضد الأزمات انخفضت أكثر من ملياري دولار في الشهر الماضي

TT

ستجبر الأحوال المالية المتدهورة سريعا التي تواجهها شركة جنرال موتورز الحكومة الفيدرالية على اتخاذ قرار يتعلق بما إذا كانت سوف تمنحها أموالا لإنقاذ أكبر شركة صناعة سيارات أميركية والتي قد تواجه احتمال إفلاسها.

وقد أعلنت الشركة أول من أمس أن مبالغ التحوط ضد الأزمات قد انخفضت بأكثر من ملياري دولار في الشهر الأخير، وأنها قد تعاني من نقص في الأموال بحلول منتصف عام 2009 إلا إذا حصلت على مساعدة فيدرالية طارئة.

وذكرت أيضا أنها قد أوقفت مباحثات صفقة الاندماج مع كرايسلر للتركيز على مشاكلها الملحة المتزايدة، والتي جلبها ارتفاع أسعار الوقود وضعف الاقتصاد وتقييد القروض، وهو المزيج الذي أصاب صناعة السيارات كلها، ولكنه كان أكثر ضررا على جي إم.

وتواجه الحكومة خيارا صعبا، فإذا منحت جي إم أموالا من خطة الإنقاذ، فلا يوجد ضمان على أن الشركة لن تحتاج إلى المزيد من الأموال بعد ذلك لتبتعد عن الإفلاس، وخاصة مع ضعف الأحوال الاقتصادية.

ولكن إفلاس شركة جي إم أو أية شركة سيارات أخرى ستكون له تبعات بعيدة المدى، نظرا لعمل ملايين الأشخاص في شركات التوريد والتجارة وشركات أخرى صغيرة تعتمد على الصناعة.

ومن المرجح أيضا أن يتسبب إشهار جي إم إفلاسها في تخويف العديد من المستهلكين، مما يعوق أية فرصة في الخروج من الأزمة. وقد قال ريك واغونر، الرئيس التنفيذي لجي إم في مقابلة على قناة (سي إن بي سي): «لا يمكنك أن تبيع سيارات لأشخاص في ظل هذه الظروف».

وقد أشار الرئيس المنتخب باراك أوباما يوم الجمعة الماضي إلى نياته في مساعدة صناعة السيارات، واصفا إياها بـ«العمود الفقري للصناعة الأميركية»، في مؤتمره الصحافي.

وقال: «لقد وضعت في مقدمة أولويات فريقي في الفترة الانتقالية، العمل على إيجاد سياسات إضافية لمساعدة صناعة السيارات على التغلب على الخسائر، والنجاة من الأزمة المالية، والنجاح في إنتاج سيارات موفرة للوقود هنا في الولايات المتحدة الأميركية».

وقد منح الكونغرس بالفعل 25 مليار دولار في صورة قروض بسعر فائدة منخفض لمساعدة شركات السيارات على تصنيع المزيد من السيارات الموفرة للوقود، ولكن إدارة بوش، حتى الآن، تعوق منح أية أموال إضافية للشركات.

وكان رؤساء شركات جي إم وفورد وكرايسلر يحاولون التأثير على واشنطن من أجل منحهم المزيد من المساعدات، واجتمعوا يوم الخميس الماضي مع قيادة مجلس النواب الديمقراطية لرفع التماسهم للحصول على 25 مليار دولار على الأقل في صورة قروض إضافية للخروج بالصناعة من أسوأ تراجع تشهده في المبيعات خلال 15 عاما.

وأبدى قادة الكونغرس بعض المساندة لشركات السيارات المتعثرة في ديترويت، بدون تقديم وعود محددة.

ولكن ربما يؤدي إعلان جي إم وفورد عن تقارير الأرباح التي اتضح أنها أسوأ من المتوقع إلى زيادة الضغوط من أجل اتخاذ قرار عاجل.

وأعلنت جي إم أنها خسرت 4.2 مليار دولار خلال الربع السنوي، مع استثناء النفقات الخاصة، وانكمش ادخارها النقدي بمقدار 6.9 مليار دولار في ثلاثة أشهر، مما يعرضها للخطر حيث تقترب من أدنى المستويات التي تحتاج إليها لتمويل عملياتها.

وصرح واغونر: «من 30 إلى 60 يوما مضت، ازدادت الأمور سوءا على نحو ملحوظ».

وبينما لا تخسر فورد أموالها بالسرعة التي تخسر بها جي إم، إلا أن الشركة أعلنت أن عمليات صناعة السيارات خسرت 2.9 مليار دولار في الربع السنوي الثالث. وصرح رئيس فورد التنفيذي آلان مولالي أن الصناعة تحتاج إلى مساعدة عاجلة من الحكومة. وقال في مقابلة معه: «أعتقد أنه من المهم حل المشكلة بأسرع ما يكون».

وعلى الرغم من فقدان أكثر من 100.000 وظيفة منذ عام 2006، وإغلاق مصانع في جميع أنحاء البلاد، لا تستطيع شركات ديترويت أن تخفض من نفقاتها بالسرعة الكافية من أجل مواكبة الانخفاض المستمر في سوق السيارات والشاحنات.

وقد انخفضت مبيعات الصناعة في الولايات المتحدة بنسبة 14.6 في المائة في العام الحالي، ومنها انخفاض مخيف بنسبة 31.9 في أكتوبر (تشرين الأول).

وقد بدأت المبيعات في الانخفاض في الربيع بسبب ارتفاع أسعار الوقود، ولكن منذ ذلك الحين ازدادت سوءا. ووصل معدل المبيعات في أكتوبر إلى أقل مستوى له منذ 25 عاما، ويتوقع المحللون أن تظل حالة الضعف في السوق طوال عام 2009.

وبينما صرح واغونر أن جي إم، وإن لم تكن تضع اللجوء إلى قانون الحماية من الإفلاس من بين خياراتها، إلا أن ازدياد حاجتها إلى رأس المال وانخفاض المبيعات من الممكن أن يجبروها على ذلك. وقد مرت جي إم بأسوأ وضع لها في شهر أكتوبر من أية شركة سيارات أخرى، حيث شهدت انخفاضا بنسبة 45.1 في المائة.

من جانبه، أكد إيريك ميركل، المحلل بشركة كراو هوراث للاستشارات المحاسبية، أن: «من الواضح أنه لا يمكننا استبعاد إمكانية إشهار الإفلاس، وفي الواقع، فإن احتمالات حدوث ذلك كبيرة حال عدم اتخاذ تحرك حكومي». وفي يوم الجمعة، أعلنت جنرال موتورز أن عوائدها تراجعت بنسبة 13 في المائة خلال الربع الثالث من العام، لتصل إلى 37.9 مليار دولار، وأنها أنهت هذه الفترة وبحوزتها احتياطي نقدي يبلغ 16.2 مليار دولار. وأشارت الشركة إلى حاجتها إلى 14 مليار دولار لسداد الفواتير المستحقة عليها وإدارة نشاطاتها العالمية. وفي يوليو (تموز)، أعلنت جنرال موتورز عن خطط لخفض تكاليفها بمقدار 10 مليارات دولار وجمع 5 مليارات دولار من خلال بيع أصول، مثل العلامة التجارية لهامر، وتنفيذ عمليات اقتراض جديدة. وفي يوم الجمعة كذلك، أعلنت الشركة أنها تنوي إقرار خفض بقيمة 5 مليارات دولار أخرى، بما في ذلك إبطاء عجلة الإنتاج داخل 10 مصانع وخفض إنفاقات رأس المال العام القادم بمقدار 2.5 مليار دولار، وهي خطوة من شأنها إرجاء طرح الكثير من السيارات الجديدة. من جهته، علق فريدريك إيه. هندرسون، رئيس شركة جنرال موتورز، على الأمر بقوله: «إننا نحد نشاطاتنا بأقصى صورة ممكنة، ونظراً للوضع الراهن، نعتقد أن ذلك ملائم». وحذرت الشركة من أنه حال عدم تلقيها مساعدة حكومية فورية، فإن موقفها النقدي «سوف يتراجع بصورة بالغة» عما تحتاجه خلال الشهور الستة الأولى من العام المقبل. يذكر أن المشكلات المتفاقمة داخل جنرال موتورز دفعتها لوقف المناقشات التي تعقدها منذ سبتمبر (أيلول) حول الاندماج مع شركة كرايسلر، منافستها الأصغر التي تنتمي لمدينة ديترويت. وفي الوقت الذي لم يشر فيه إلى كرايسلر تحديداً بسبب الطبيعة السرية للمفاوضات، قال واغونر إنه لم يتمكن من السعي لإبرام اتفاق من شأنه جذب الانتباه بعيداً عن الظروف الدقيقة الراهنة، وقال: «لقد نحينا جانباً مسألة التفكير في مثل هذه الصفقة كأولوية على المدى القريب». من ناحيتها، رفضت شركة سيربرس كابيتال مانجمنت، التي تملك النصيب الأكبر من كرايسلر، التعليق على تجميد محادثات الاندماج مع جنرال موتورز. وأعلنت الشركة في بيان لها: «لا يزال اهتمامنا منصباً على إعادة كرايسلر لمسار تحقيق الأرباح في ظل هذه البيئة المليئة بالتحديات». من ناحية أخرى، فإن الوضع داخل فورد، ثاني أكبر شركة على مستوى البلاد في مجال إنتاج السيارات، ليس بنفس السوء كما هو في جنرال موتورز. كما تستهلك فورد النقد بمعدل مثير للدهشة وصل إلى 7.7 مليار دولار في الربع الثالث من العام، إلا أن المديرين التنفيذيين داخل فورد أشاروا إلى أن جزءا كبيرا من تلك الأموال تم إنفاقها على إجراءات تتم مرة واحدة ترتبط بالترويج للشاحنة الجديدة التي أنتجتها الشركة وتحمل اسم F-150. وأعلنت شركة فورد، التي تتخذ من ديترويت مقراً لها، أنها أنهت الربع الحالي بأموال نقدية تبلغ 18.9 مليار دولار، وأن لديها 10.7 مليار دولار أخرى متوافرة في خطوط الائتمان. ورفض مولالي الكشف عن الحد النقدي الأدنى لفورد، ومن الواضح أن الشركة تتحرك باتجاه زيادة الأموال النقدية المتوافرة لديها بمقدار 17 مليار دولار من خلال تسريح المزيد من العمالة، وتقليص المكافآت بالنسبة للموظفين خلال عام 2009 وتقليص تكاليف رأس المال.

وقال ميركيل: «لدى فورد القدرة على الصمود في وجه العاصفة لفترة أطول قليلاً من جنرال موتورز. لكن حال تقدم جنرال موتورز بطلب لإشهار إفلاسها، فإن ذلك سيهدد قاعدة العرض، وهي مشكلة تمس الصناعة بأكملها عند هذه النقطة». من جهته، أشار دافيد كول، رئيس مركز أبحاث السيارات في أن بور بولاية ميتشجان، إلى أن ما يقرب من ثلاثة ملايين وظيفة داخل الولايات المتحدة ترتبط بصورة مباشرة بشركات تصنيع السيارات في ديترويت. وأضاف كول أنه من الضروري توفير إعانة مالية فيدرالية من أجل الحيلولة دون انهيار واحدة أو أكثر من الشركات التي تتخذ من ديترويت مقراً لها. جدير بالذكر أن التأثير الواسع لصناعة السيارات على الاقتصاد الأميركي كان إحدى النقاط الجوهرية التي تمت إثارتها من قبل المسؤولين التنفيذيين بشركات صناعة السيارات التي تنتمي لديترويت، علاوة على رون جيتفلنجر، رئيس نقابة عمال شركات صناعة السيارات المتحدة، خلال اجتماعهم يوم الخميس مع رئيسة مجلس النواب، نانسي بيلوسي، وزعيم الأغلبية داخل مجلس الشيوخ، هاري ريد. وتأمل شركات صناعة السيارات في أن يناقش الكونغرس آخر الطلبات التي تقدموا بها خلال جلسته المقرر أن تبدأ في 17 نوفمبر. وفي بيان صادر عنها يوم الجمعة، قالت بيلوسي إن أعضاء مجلس النواب عن الحزب الديمقراطي سوف: «يستمرون في حوارهم مع صانعي السيارات داخل أميركا ونقابة عمال صناعة السيارات المتحدة».

* خدمة «نيويورك تايمز»