هل ستنجح الدول الناشئة بفرض نفسها على نظام عالمي جديد؟

وزير المالية البرازيلي: يتعين تغيير إطارات السيارة في الوقت الذي ما زالت تتحرك فيه على الطريق

TT

تشكل المؤسسات المالية الدولية، مثل البنك الدولي وصندوق النقد، هدفا جديدا تطمح من خلالهما الاقتصادات الناشئة مثل الصين والهند والبرازيل وروسيا ان تلعب دورا مؤثرا وقياديا في النظام العالمي الجديد الذي قد تتضح معالمه بسبب الأزمة المالية الحالية. اذ تسعى هذه الدول الناشئة دخول نادي الدول الغنية لتشارك مشاركة كاملة في ادارة الشؤون الاقتصادية للعالم. فقد اصبح جليا ان المؤسستين الدوليتين تشكلان الآلية المالية التي يتم من خلالها توجيه اقتصاد الدول التي تمد يد العون لهما للمساعدة. وبدأ الحديث منذ اندلاع الأزمة عن تقديم صندوق النقد الدولي المليارات للأسواق الناشئة لتفادي الاضطرابات السياسية والاجتماعية، لكن العديد من الدول قالت انها غير قادرة على تحمل الشروط المجحفة الملازمة للقروض. ولهذه تسعى بعض الدول، خارج نادي السبعة العظام، تغيير الوضع لصالحها وشروط الاقتراض. وقال رئيس الوزراء الهندي، مانموهان سينغ، في الاسبوع الماضي «نريد اصلاحا للمؤسسات المالية الدولية وقدرا اكبر من التنظيم والمراقبة لمنع تكرار هذه الازمات». اجتماع قمة العشرين في واشنطن، التي ستنعقد رسميا غدا، سيكون الآلية التنفيذية التي ستبين من خلالها مدى قدرة هذه الدول في التغيير في فرض توجهها في تعاملها مع الأزمة. وتطالب الهند والبرازيل اللتان تتحدثان باسم هذه الدول بإرساء نظام مالي جديد لتجنب تكرار الازمات التي تلحق افدح الضرر بالدول الاكثر فقرا والتي تعتمد اكبر الاعتماد على صادراتها من المواد الاولية.

ويبدو واضحا ان المجموعة الناشئة اصبحت اكثر طموحا ولم تعد تريد الاكتفاء في هذه العاصفة المالية التي تزعزع اقتصادات الدول الاكثر تقدما بمقعد ثانوي في المناقشات حول النظام المالي الجديد. وقد حققت هذه الدول الناشئة بالفعل مكسبا ولو بشكل جزئي في الاجتماع الذي عقده وزراء المالية ومحافظو البنوك المركزية في الدول الصناعية الكبرى والدول الناشئة الرئيسية في ساو باولو في نهاية الاسبوع الماضي. فقد اعترف المشاركون في ذلك الاجتماع بضرورة انجاز «اصلاح عميق» للمؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد والبنك الدوليين اللذين انشأتهما اتفاقيات «بريتون وودز» عقب الحرب العالمية الثانية وتبدو سيطرة الولايات المتحدة واوروبا عليهما واضحة بدون ان يظهر تأثير تصاعد قوة الدول الغنية الجديدة في هاتين المؤسستين. وتجلى التأثير الجديد لهذه الدول، لا سيما الصين، في اعلان بكين خطة انعاش اقتصادي ضخمة بلغ حجمها 586 مليار دولار، ما ساهم في تنشيط جميع الاسواق المالية الاثنين الماضي. الخطوة الصينية بينت قدراتها المالية الجديدة التي تمكنها من ممارسة دور جديد على الساحة الدولية. وقال رئيس الوزراء في اجتماع سان باولو ان «الدول ذات الاقتصادات الناشئة والدول النامية يجب ان يكون لها صوت اقوى وتمثيل افضل في هذه المؤسسات»، حتى ان المندوب الاميركي في الاجتماع ديفيد ماكورميك اكد ان واشنطن تؤيد منذ فترة طويلة منح دور اكبر للدول الناشئة في صندوق النقد والبنك الدوليين. واضاف مساعد وزير الخزانة الاميركية للشؤون الدولية «نشعر بالاغتباط للإصلاح ونشارك في الطليعة في هذا الاصلاح».

لكن شيئا لم يتم في ارض الواقع بما يتجاوز هذا الاتفاق المبدئي. فهل يمكن على سبيل المثال ان تحل مجموعة العشرين محل مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى، مثلما تريد البرازيل؟ والحقيقة ان هذا غير وارد الان. وقال ماكورميك في هذا الصدد للوكالة الفرنسية للأنباء، «لم اسمع احدا يرفض مجموعة السبع، ولكنني سمعت حديثا عن اهمية اكبر لمجموعة العشرين». وفيما يتعلق بالمقترحات العملية فان من المتوقع ان يركز سينغ على ضرورة ان يمنح صندوق النقد والبنك الدولي مساعدات اكبر الى الدول المتضررة. ومن المتوقع ان يحظى سينغ في هذا الشأن بتأييد الرئيس البرازيلي لويس ايناسيو لولا دا سيلفا الذي يتهم الولايات المتحدة واوروبا بين الفينة والاخرى باللجوء الى «المقامرة المالية» التي منيتا فيها بالخسارة لكنهما تريدان مع ذلك ان يتحمل العالم كله بما في ذلك الدول الاكثر فقرا نتيجة هذه الخسائر. ويوصي سينغ، لمنع تكرار هذه الازمة بصورة دورية، بزيادة حجم الاستثمارات في البنية الاساسية للدول النامية على ان يتم دعم ذلك بموارد متزايدة تمنحها المؤسسات المالية الدولية. وافاد مصدر رسمي بان رئيسة الارجنتين كريستينا كيرشنر ستطلب ايضا في اجتماع واشنطن ان يقوم صندوق النقد الدولي بتعويض النقص في السيولة وذلك بتقديم ائتمان الى الدول الناشئة، ولكن بدون فرض شروط اقتصادية كلية مثلما كان يفعل في الماضي. وعلى اي حال يرى وزير المالية البرازيلي جيدو مانتيغا ان امام زعماء مجموعة العشرين مهمة دقيقة لانه «يتعين تغيير اطارات السيارة في الوقت الذي ما زالت تتحرك فيه على الطريق».