خبراء تنبأوا بالأزمة قبل حدوثها بـ 5 سنوات يطرحون حلولا لها

قالوا إن الحكومات خصصت 4 تريليونات دولار «بين ليلة وضحاها» للبنوك أكثر مما خصصته للبيئة للـ 43 سنة المقبلة

TT

في عام 2003 كانت مجموعة من المفكرين المقيمين في لندن بين من حذروا من أزمة ائتمان ضخمة وارتفاع كبير في حالات الافلاس على مستوى الافراد والشركات. وبعد خمس سنوات وقعت الواقعة وأصبحت الازمة حقيقة وأضحى السؤال ما اذا كان بوسع هذه العقول ذات القدرة الخاصة على استشفاف المستقبل مثل أؤلئك العاملين في المؤسسة الاقتصادية الجديدة «ان.اي.اف» البريطانية اقناع القيادات السياسية التي صمت اذانها حتى الان بتبني الحلول التي اقترحوها. انشئت المؤسسة عام 1986 ويرأسها الان أندرو سيمز خبير الاقتصاد السياسي الذي درس في كلية لندن للاقتصاد. وتصف المؤسسة نفسها بأنها مؤسسة للفكر والعمل وتتضمن أهدافها بناء اقتصاد قادر على الاستمرار من الناحية البيئية وشامل جامع من الناحية الاجتماعية. ولم تلق أفكار المؤسسة سوى تغطية بسيطة نسبيا في وسائل الاعلام المالية وكان الصحافيون المتخصصون في العلوم الذين يصفهم سيمز بأنهم غير مذهبيين أفضل استقبالا لها من المراسلين الاقتصاديين. لكن «التغيير» هو كلمة السر في الوقت الحالي. كذلك فربما تستفيد المؤسسة من عودة الموضة السياسية لاراء جون مينارد كينز أو على الاقل من الفكرة المبسطة التي تتمثل في ضرورة تدخل الحكومات والاستثمار في تنشيط الاقتصاد خلال الكساد. وانتهز سيمز وزملاؤه الفرصة فنشروا كتيبا هذا الشهر يطرح 20 خطوة لاعادة بناء اقتصاد أفضل. وعلى غلاف الكتيب صورة عنقاء ويحمل عنوان «البعث من رماد الانهيار». ويحرص سيمز على التفرقة بين اراء المؤسسة واراء الاقتصادي البريطاني جون مينارد كينز الذي مثل بريطانيا في مؤتمر «بريتون وودز» عام 1944 الذي وضع الأسس الجديدة للنظام الرأسمالي بعد الحرب العالمية الثانية. ووضع كينز نظرياته قبل أن يصبح من الضروري أخذ التغيرات المناخية في الاعتبار. وقال سيمز ان بعض اراء المؤسسة لها نكهة «كينزية» قوية رغم أنها معدلة بما يتلاءم مع العصر الحالي الذي يتعين فيه معالجة «الازمة البيئية» و«الازمة الائتمانية» معا في ان واحد. ويستمد الكتيب الاخير جانبا كبيرا من مادته من كتيب سابق للمؤسسة بعنوان «الصفقة الخضراء الجديدة» نشر في يوليو (تموز) الماضي بعد أكثر من 12 شهرا من المشاورات مع مفكرين يتفقون في الرأي مع المؤسسة. وهذا العنوان الذي استخدمه أيضا برنامج البيئة التابع للامم المتحدة في أكتوبر (تشرين الاول) الماضي مستمد من عبارة «الصفقة الجديدة» التي استخدمها الرئيس الاميركي فرانكلين روزفلت بهدف انقاذ العالم من الكساد الكبير في ثلاثينات القرن الماضي كما أنه يتفق مع اراء كينز. ومثلما أيدت «الصفقة الجديدة» الانفاق العام وحث برنامج الامم المتحدة للبيئة على «النمو الاخضر» الذي يراعي الاحتياجات البيئية فان الكتيب الجديد الذي أصدرته المؤسسة يقول ان بعض الانفاق اللازم لانعاش الاقتصاد يجب أن يتضمن استثمارات بيئية وخلق وظائف لا حصر لها تقوم على مراعاة البيئة. وقال سيمز، انه اذا عقدت مقارنة لاستجابة الحكومات للتغيرات المناخية فقد كان رد فعلها أسرع كثيرا وأكثر جذرية للازمة المالية. وبالنسبة له تعد معالجة القضايا البيئية أمرا ملحا بالقدر نفسه. وقال لرويترز في مقابلة «ان تأميم مؤسساتنا المالية في حملة شاملة قفزة لا يمكن تصورها عقائديا» وذلك في اشارة الى تدخل الحكومة البريطانية بالتأميم الجزئي لبعض البنوك وذلك رغم أن خطوات مماثلة اتخذت على مستوى العالم. وحسب تقدير البنك الدولي فان الناتج المحلي الاجمالي العالمي بلغ 54.3 تريليون دولار عام 2007 وبافتراض عدم حدوث أي نمو اقتصادي خلال تلك الفترة فان هذا يعني تخصيص 65 مليار دولار سنويا على مدار 43 عاما أي 2.4 تريليون دولار اجمالا للتغلب على التغييرات المناخية. وللمقارنة فان اجمالي ما خصص حتى الان لانقاذ النظام المالي يبلغ نحو أربعة تريليونات دولار.

ولم يقدر تقرير الامم المتحدة كلفة تجاهل التغيرات المناخية لكن تقريرا أعده نيكولاس ستيرن كبير الاقتصاديين السابق بالبنك الدولي عام 2006 ذكر أن التغير المناخي قد يعني اضطرابات «على مستوى يشبه التغيرات المصاحبة للحروب الكبرى والكساد الاقتصادي الذي شهده النصف الاول من القرن العشرين». وتتراوح الحلول الاخرى التي اقترحها كتيب المؤسسة من وضع حد أدنى للاجور كعلاج للمكافآت الضخمة للعاملين في القطاع المصرفي الى اقامة نظام مصرفي محلي امن بدلا من الشبكة العالمية المحفوفة بالمخاطر التي ستكبد دافعي الضرائب على مستوى العالم خطط انقاذ بتريليونات الدولارات. واستكمالا لخطط انقاذ نظم الائتمان المنهارة يقول الكتيب ان الخطوة المنطقية التالية هي مساعدة الناس العاديين على سداد رهونهم العقارية ويقترح وقف عمليات الطرد من البيوت التي نجمت عن أزمة الائتمان لفترة زمنية معينة. ويقول الكتيب «بينما تم انقاذ البنوك وهي التي أخطأت على حساب دافعي الضرائب على مستوى يفوق الخيال فان الالوف من أصحاب البيوت الكادحين يواجهون احتمال الطرد كل يوم».

ولو أصغت الحكومات للنصائح من قبل لما كان من الضروري اللجوء الى العلاج الجذري. ففي عام 2003 كانت المؤسسة من بين المساهمين في تقرير التوقعات الاقتصادية العالمية الحقيقية مع مجموعة من المفكرين البارزين من أشهرهم الاقتصادي جوزيف ستيغليتز الحائز جائزة نوبل. فقد حذر هذا التقرير من أزمة مالية كبرى. ويقول سيمز «نحن نحاول بكل جهد لمقاومة اغراء القول بأننا قلنا لهم ذلك». فالسطور التي كانت مجرد تنبؤات أصبحت تنطبق الان على الوقائع. فقد قال تقرير التوقعات الاقتصادية العالمية الحقيقية «سيحدث انهيار في نظام الائتمان في العالم الغني وعلى رأسه الولايات المتحدة مما يؤدي الى ارتفاع كبير في حالات الافلاس للافراد والشركات». ومن العبارات البليغة الاخرى الواردة في التقرير أن المؤسسات المالية لم تعد خادما للاقتصاد الحقيقي بل سيد له، «ورغم أن الايام أثبتت صحة اراء المؤسسة فيما يتعلق بأزمة الائتمان، بل وأن الرئيس الاميركي المنتخب باراك أوباما حدد الاطار العام لخطط تسعى للجمع بين تحفيز الاقتصاد والاستثمار الذي يأخذ المناخ في الاعتبار، فان سيمز يدرك جسامة العوائق.