خادم الحرمين: العولمة غير المنضبطة والخلل في الرقابة أسهما في الانتشار العالمي للأزمة المالية

برنامج الاستثمار للقطاعين الحكومي والنفطي يتجاوز 400 مليار دولار خلال الـ 5 سنوات القادمة > السعودية مع إبقاء طاقة إنتاجية إضافية مكلفة تصل إلى مليوني برميل يوميا

خادم الحرمين الشريفين وإلى يمينه الرئيسان الصيني والأميركي (رويترز)
TT

شدد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز على أن الأزمة المالية العالمية الفريدة في الحجم والنوع وسرعة الانتشار والمخاطر المماثلة تؤكد أهمية التنسيق والتعاون الدولي لإيجاد حلول مناسبة لها ولآثارها.

وأكد الملك عبد الله أن هذه الأزمة كشفت أن العولمة غير المنضبطة والخلل في الرقابة على القطاعات المالية أسهما في الانتشار العالمي السريع لها. «وأن من أهم الدروس التي أتت بها هو أنه لا يمكن للأسواق تنظيم نفسها»، لافتا إلى أن «الحاجة ماسة وملحة لتطوير الجهات والأنظمة الرقابية على القطاعات المالية، وتعزيز دور صندوق النقد الدولي في الرقابة على هذه القطاعات في الدول المتقدمة». وقال خادم الحرمين الشريفين، في كلمته التي بدأها بالشكر للرئيس بوش لعقده الاجتماع الذي شمل الدول الأكثر تمثيلاً للاقتصاد العالمي، انهم يتطلعون «إلى نتائج إيجابية لاجتماعنا هذا تسهم في معالجة الأزمة، وفي وضع أسس أقوى للنظام المالي العالمي بما يمنع حدوث مثلها مستقبلاً ـ إن شاء الله».

وأضاف «لقد بدأت تداعيات الأزمة تظهر في بوادر ركود عالمي، وعلى جميع الدول كل حسب ظروفه اتخاذ السياسة الضرورية والمناسبة. ونؤكد هنا على أهمية مراعاة الآثار السلبية لأي سياسات تتخذها أي دولة على الدول الأخرى».

وأفاد خادم الحرمين الشريفين إن «منطقتنا ليست بعيدة عن التأثر بهذه الأزمة، والمملكة مع أشقائها العرب ستعمل جاهدة على تحصين اقتصادها خاصة من خلال برنامج الاستثمار الحكومي. كما سنستمر بالقيام بدورنا في العمل على استقرار السوق البترولية، ونتطلع إلى تعاون الدول المستهلكة من خلال عدم استهداف البترول بسياسات تؤثر سلباً عليه. وسنواصل سياستنا بمساعدة الدول النامية».

وأكد العاهل السعودي على ضرورة مبدأ التقاسم العادل للأعباء في أية جهود دولية تبذل لمعالجة الأزمة الراهنة وتداعياتها، مضيفاً «نؤكد على أهمية دور مجموعة العشرين، وعلى عدم تشتيت الجهود بتشكيل مجموعات نجزم أنها لن تكون أكثر تمثيلاً وفاعلية من هذه المجموعة والتي أثبتت نجاحها في بناء التوافق بين الدول المتقدمة والناشئة».

وفيما يلي نص كلمة خادم الحرمين الشريفين التي وزعت على رؤساء الوفود المشاركة: «اشكر لكم يا فخامة الرئيس دعوتكم لعقد هذا الاجتماع المهم لهذه المجموعة المهمة، التي تعد الأوسع والأكثر تمثيلا للاقتصاد العالمي.

إن العولمة وزيادة الاعتماد المتبادل بين الدول حتم وجود الدول الناشئة المهمة في عضوية المجموعة، ما يجعل دورها حيويا وضروريا في التصدي للقضايا الاقتصادية العالمية، حيث أثبتت خلال السنوات الماضية قدرتها على بناء التوافق بين الدول المتقدمة والناشئة، ومن ذلك المساهمة في دفع الإصلاحات في صندوق النقد الدولي، وفي تطبيق المعايير الدولية، وفي توفير نقاشات بناءة حيال التغيرات السكانية، وأمن الطاقة، والتجارة وغيرها من القضايا المهمة. ونعبر عن سعادتنا بالحضور والمشاركة في هذه القمة، لتبادل الرأي حيال أفضل السياسات المطلوبة لمعالجة الأزمة المالية العالمية، التي يعاني منها العالم اليوم، متطلعين إلى نتائج إيجابية لاجتماعنا هذا تسهم في معالجة هذه الأزمة والتخفيف من آثارها، كما تسهم في استعادة الاقتصاد العالمي لنموه الطبيعي، وكذلك في وضع أسس متينة للنظام المالي العالمي بما يمنع حدوث مثلها مستقبلا.

أصحاب الفخامة والسعادة إن هذه الأزمة المالية العالمية الفريدة في الحجم والنوع وسرعة الانتشار والمخاطر الماثلة تؤكد أهمية التنسيق والتعاون الدولي لإيجاد حلول مناسبة لها ولآثارها. لقد كشفت هذه الأزمة عن أن العولمة غير المنضبطة والخلل في الرقابة على القطاعات المالية أسهما في الانتشار العالمي السريع لها. إن من أهم الدروس التي أتت بها هو انه لا يمكن للأسواق تنظيم نفسها، ولذلك فان الحاجة ماسة وملحة لتطوير الجهات والأنظمة الرقابية على القطاعات المالية, وتعزيز دور صندوق النقد الدولي في الرقابة على هذه القطاعات في الدول المتقدمة.

ولا يخفى أن هذه الأزمة طالت العالم بأسره، وبدأت تداعياتها تظهر في الاقتصاد الحقيقي ما يعني عمق آثارها وخطورتها على الاقتصاد العالمي، واستمرار هذه الآثار، ما لم تعمل جميع الدول، كل حسب ظروفها وحاجاتها لاتخاذ السياسات الضرورية والمناسبة. ومما يجعلنا متفائلين بمعالجة هذه الأزمة أن العديد من الدول ـ ومنها الدول المشاركة اليوم ـ قد اتخذت إجراءات غير مسبوقة بهدف عودة الثقة للأسواق المالية. ونؤكد هنا على أهمية مراعاة الآثار السلبية لأي سياسات تتخذها دولة ما على الدول الأخرى إلا انه وللأسف، فان معاناة الدول الفقيرة ستزداد، مما يجعلها غير قادرة على تحمل آثار هذه الأزمة، كما أنها ستكون في أوضاع مالية أصعب تجعل من تحقيقها لأهداف التنمية الألفية ابعد من أي وقت مضى. من هنا فإننا نتوقع من الدول المانحة وكل من صندوق النقد والبنك الدوليين والمؤسسات المالية الأخرى القيام بدورها في هذه الأزمة من دعم للدول النامية خاصة الفقيرة منها، لتتمكن من مواجهة أثار الأزمة على اقتصاداتها. ومن الضروري أن نعمل جميعا لمواصلة جهود تحرير التجارة والاستثمار، التي أدت خلال العقود الماضية إلى تحسين مستويات المعيشة العالمية وانتشال الملايين من الفقر. أصحاب الفخامة والسعادة إن منطقتنا ليست بعيدة عن التأثر بهذه الأزمة. وبدورنا سنستمر باتخاذ السياسات الاقتصادية الضرورية ليواصل اقتصادنا النمو. وللعمل على ضمان ذلك، سنواصل تنفيذ برنامج الاستثمار الحكومي بالإنفاق على المشاريع والخدمات الأساسية، وتعزيز الطاقة الاستيعابية. حيث نتوقع أن يتجاوز برنامج الاستثمار للقطاعين الحكومي والنفطي الـ400 مليار دولار خلال الخمس السنوات القادمة. كما أننا مستمرون بالتنسيق مع الدول العربية فيما ينبغي عمله لضمان تخفيف الآثار السلبية لهذه الأزمة على منطقتنا. كما سنستمر بالقيام بدورنا في ضمان استقرار السوق البترولية، وفي مساعدة الدول النامية بالتعاون مع المجتمع الدولي، لضمان عودة الانتعاش والنمو للاقتصاد العالمي.

إن المملكة العربية السعودية تدرك الدور المحوري والمهم الذي تؤديه في الاقتصاد العالمي، ومن ذلك العمل على استقرار سوق البترول الدولية، ومن هذا المنطلق قامت سياسة المملكة البترولية على أسس متوازنة، تأخذ في الاعتبار مصالح الدول المنتجة والمستهلكة، ومن اجل ذلك تحملت المملكة كثيرا من التضحيات، ومنها الاحتفاظ بطاقة إنتاجية إضافية مكلفة تصل إلى حوالي مليوني برميل يومياً، حرصا منها على نمو الاقتصاد العالمي بصورة تحفظ مصالح جميع الأطراف. كما بادرنا ـ بالتعاون مع الدول الصديقة ـ لإنشاء الأمانة العامة لمنتدى الطاقة الدولي في الرياض لتفعيل الحوار بين الدول المنتجة والمستهلكة. ونتطلع إلى تعاون الدول المستهلكة من خلال عدم استهداف البترول بسياسات تؤثر سلبا عليه. من جانب آخر، تسهم المملكة بسخاء في مساعدة الدول النامية، حيث تجاوزت المساعدات التي تقدمها النسبة التي قررتها الأمم المتحدة للمساعدات من الدول المتقدمة. وسنستمر في سياستنا الهادفة لمساعدة الدول النامية ثنائيا ومن خلال المؤسسات المتعددة الأطراف الإقليمية والدولية.

وتأتي مبادرتنا التي أعلناها في جدة هذا العام «الطاقة من اجل الفقراء» تجسيدا لهذه السياسة. ونشكر البنك الدولي على جهوده في تفعيلها، وندعو الدول المانحة لدعمها. ختاما، نعبر مرة أخرى عن شكرنا الجزيل لفخامة الرئيس بوش لدعوته لمجموعة العشرين، التي كان لها دور مهم في بناء الإجماع حيال عديد من القضايا الاقتصادية. ونؤكد على أهمية تعزيز دور هذه المجموعة بعضويتها الأكثر تمثيلا للاقتصاد العالمي في النظام الاقتصادي الدولي وان تستمر بالعمل بالمرونة اللازمة لتقوية التعاون والتنسيق بين دول المجموعة من خلال تبادل الآراء حول كل من المصالح المحلية والدولية».