بولسون أصر على الحصول على ضمان مكتوب من البيت الأبيض بعدم التدخل في عمله

يمتلك سلطات أكبر من أي وزير خزانة أميركي آخر

هنري بولسون أطلق عليه بوش «جنرال حرب» الاقتصاد (أ.ف.ب)
TT

كانت الضغوط على هنري بولسون في اوائل شهر سبتمبر قوية اكثر من أي وقت مضى منذ توليه منصب وزير الخزانة. فقد اكتشف وهو يطلع على تقارير شركتي القروض الاسكانية العملاقة فاني ماي وفريد ماك انهما على وشك الانهيار وان الاسواق المالية ستتعرض لما وصفه بـ«انصهار ليس له مثيل». وكان الحل هو استيلاء الحكومة الفيدرالية على الشركتين. الا ان القانون ينص على ضرورة موافقة ادارة الشركتين. كما ان فريق العاملين معه كانت لديهم بعض التحفظات حول ما اذا كان بولسون لديه السلطة القانونية لإجبارهم على الاستسلام. ورد بولسون على تلك التحفظات بقوله «صدقوني سأنفذ الامر».

خلال فترة شغله للمنصب، التي استمر 28 شهرا، حصل بولسون على سلطات اكبر من أي وزير خزانة من قبله، واستخدمها بشجاعة، في محاولة للسيطرة على الازمة المالية. فقد تخطى الحدود التقليدية التي تفصل بين الوكالات الفيدرالية، وتحكم في اللوائح لصالحه. فمع انهيار الشركات المالية وإصابة الهيئات الاشرافية بالعقم، ملئ بولسون، الذي يصل طوله الى 6 اقدام، الفراغ، واجبر واشنطن وول ستريت على الالتزام.

وذكر بولسون في مقابلة صحافية «حتى اذا لم تكن لديك سلطات – وبصراحة ليست لدي السلطة – فإن الناس ستتبعك اذا ما توليت المسؤولية.» لقد رفض بولسون دعوة البيت الابيض لشغل منصب وزير الخزانة مرتين قبل قبوله في 2006. واصر على بعض الشروط. هو مسؤول فقط امام الرئيس ولن يخضع لتدخل مستشاري الرئيس للشؤون الاقتصادية. ويتذكر بولسون ايضا انه طلب تسجيل تلك الشروط كتابة.

ووضع الاتفاق القواعد. فبعدما اندلعت الازمة المالية في العام الماضي، اوضح بولسون في سلسلة من المقابلات ان الرئيس بوش وصفه بـ«جنرال الحرب» في الاقتصاد، وقال له انه يستمتع بدعم البيت الابيض في أي اجراء يرغب فيه. واستمر العمل بالاتفاقية حتى عندما ابعد بولسون الادارة عن الفكر الجمهوري المتشدد في مجال حرية الاسواق.

لقد استخدم بولسون نفوذه داخل الادارة لكي يحصل على سلطات واسعة من الكونغرس، تسمح له بتأميم مؤسسات مالية كبرى، سواء جزئيا ام كليا. ومنحته تلك السلطات انفاق مئات المليارات من الدولارات كما يرغب.

وعندما واجه احتمال انهيار فاني ماي وفريدي ماك، لم يتردد في تحديد اهدافه بالنسبة للشركتين. فقد منح ادارة الشركتين يوما واحدا للاطلاع على تقييم وزارة الخزانة لموقفهما، وانهما على وشك الانهيار. ثم استدعى لمكتبه الرئيس التنفيذي لكل من الشركتين ريتشارد سيرون من فريد ماك ودانيل مود من فاني ماي. وحضر اللقاء بن برنانك رئيس مصرف الاحتياط الفيدرالي.

وقال لهم بولسون بصراحة «سنستولي عليكم ونريد موافقتكم، وستعقدون اجتماعا لمجلس ادارتكما غدا وستوافقون على الامر في اجتماع المجلس». ولم يعترف بولسون انه، طبقا للقانون، من حق الشركتين الاختيار. وخلال ايام اجبرهما على الموافقة.

عندما استقر الرئيس بوش على اختيار رئيس غولدمان ساكس اسمه هانك بولسون لمنصب وزير الخزانة، لم تتمكن الادارة من التصديق على القرار.

فقد نصحه كل من التقاه، تقريبا، بعدم قبول المنصب. وقد تحدث مع اسرته. وتحدث مع زملائه، الذين اثاروا مخاوف من احتمال تأثر سمعته، كما حدث مع وزيري الخزانة السابقين بول اونيل وجون سنو. بل ان احد الوزراء في ادارة بوش نصحه بعدم الحضور لواشنطن، كما اوضح بولسون، الذي رفض الكشف عن شخصية الوزير.

كان بولسون يخشى الفشل. واوضح «سأحضر الى هنا ولن اتمكن من العمل مع هؤلاء الاشخاص، وسأترك المنصب بسمعة سيئ، انظروا ما ذكره الناس عن سنو واونيل».

وبعدما رفض بولسون المنصب للمرة الثانية، دعاه جوشوا بولتين رئيس هيئة موظفي البيت الابيض بولسون وزوجته للغداء مع بوش والرئيس الصيني هو جينتاو. ويتذكر بولسون انه شعر بالاكتئاب وهو يغادر البيت الابيض، مفكرا فيما سيرفضه. واعاد التفكير في الامر.

واتصل بولسون بالان هابارد، مدير مجلس الاقتصاد الوطني انذاك، الذي ضمن له ان فريق البيت الابيض لن يؤثر على وزارة الخزانة. وقال بولتين ان اصعب مهمة كانت اقناع بولسون انه لا يزال في امكانه تحقيق انجازات هامة كوزير في السنوات الاخيرة من ادارة بوش. الا ان تقديم تأكيدات مكتوبة بسلطات واسعة النطاق في الوزارة لم يكن امرا صعبا على البيت الابيض.

وفي المرة الثالثة قبل بولسون المنصب.

وتصاعدت الازمات في الاسواق المالية، وزاد نفوذ بولسون لدرجة انه تعدى سلطات البيت الابيض في القضايا الاقتصادية. وعندما سعى بولسون للحصول على سلطات جديدة من المشرعين لإنقاذ سوق القروض العقارية والشركات المالية، ابلغه بوش انه «سيبعد نفسه» عن الامر بدلا من المخاطرة من ان تشل شعبيته المتدهورة جهود وزارة الخزانة، طبقا لمصدرين على علاقة بمناقشات بوش مع بولسون.

وفي الصيف الماضي حذر بوش من انه سيعرقل مشروع قرار بخصوص الاسكان مطروحا امام الكونغرس يهدف الى اعادة تنظيم الوكالة التي تنظم اعمال فاني ماي وفريدي ماك. وكان هذا التغيير اساسيا بالنسبة لبولسون، الذي اقنع الرئيس بالتخلي عن تهديده، طبقا لمسؤول حكومي كبير. وعندما توجه بولسون الى كابتول هيل في شهر سبتمبر، ساعيا لسلطة لإنفاق 700 مليار دولار لإنقاذ الشركات المالية، قال انه لم يشعر بالقلق من احتمال معارضة بوش للخطة، بالرغم من ان الخطة تعتبر تدخلا لم يسبق له مثيل في الاسواق.

اعترف بولسون بأن السلطات الواسعة التي حصل عليها لديها سلبياتها. فسيوجه له اللوم – وليس للبيت الابيض ـ اذا ما فشل رد الفعل العاجل على الازمة.

وذكر بولسون «يجب علينا تنفيذ اشياء غير شعبية. ونجبر على فعل اشياء. وهناك اشياء علينا القيام بها رد على حدث، منظم، ولا توجد سلطات للتعامل معها غير برنامج اغاثة الارصدة المأزومة (الاسم الرسمي لخطة الانقاذ).» وبدأت الضجة. فخلال جلسة استماع في الكونغرس قبل ايام تعرض بولسون لانتقادات كثيرة، من الديموقراطيين بصفة خاصة، لتغيير موقفه بخصوص طريقة انفاق مخصصات خطة الانقاذ ولرفضه انفاق أي مبلغ على اصحاب المساكن الذين يعانون من مشاكل في تسديد اقساط الديون. ويشير مسؤول كبير سابق في وزارة الخزانة كان مستشارا لبولسون ان وزير الخزانة «وظيفة منعزلة. ومن الصعب على أي شخص معرفة نتائج مثل تلك الاحكام، وانا على ثقة من تغييره. فعليه الحياة مع كل تلك التكهنات طوال الوقت».

وذكر مسؤولون حكوميون ان بولسون ساهم في اعداد خطط انقاذ للمؤسسات المالية، بالرغم من عدم تأكده من تمتعه بسلطات قانونية للمبادرات، بما فيها انقاذ مصرف بير ستيرنز الاستثماري في شهر مارس وعملاق التأمين «المجموعة الاميركية الدولية» في شهر سبتمبر.» واوضح مسؤول اخر ان الشكوك القانونية اثيرت ايضا بخصوص قرار وزارة الخزانة في شهر سبتمبر على منح المصارف فترة راحة ضريبية من اجل المساعدة على استقرار النظام المصرفي بتشجيعها على الاندماج.

ودعم بولسون ايضا مصرف الاحتياط الفيدرالي في ولاية نيويورك على تنظيم الاسواق بالنسبة لعقود المشتقات. وذكر بعض الاشخاص الذين لهم علاقات بما حدث ان مصرف الاحتياط الفيدرالي ووزارة الخزانة لم يعرفا ما اذا كان لديهما سلطات قانونية للتدخل في سوق المشتقات الا انهم اتخذوا القرار لأنها كانت تهدد بعواقب واسعة النطاق. وفي نفس الوقت ضغط بولسون على الوكالات الاشرافية المستقلة لتبني افكاره.

وذكرت مصادر في تلك الوكالات انه مارس ضغطا هائلا لإجباره على تبنى وجهات نظره. فعلى سبيل المثال ضغط على هيئة الاوراق المالية على فرض حظر مؤقت على البيع على المكشوف وعلى مؤسسة ضمان الودائع الفيدرالية على طرح برنامج جديد لضمان ديون البنوك. واعترف بولسون انه كان القوة الدافعة وراء وثيقة توجيهية اصدرتها اربع وكالات تنظيمية تحث المصارف على استخدام اموال خطة الانقاذ لزيادة قروضهم. وذكر مصدر في واحدة من الهيئات الاشرافية «لقد نظر هانك لقيادته بجدية». واوضح بولسون ان الازمة اجبرته على اتخاذ هذا الدور. فكل قرار في مواجهة الازمة المالية كان قراره. فلم تكن هناك هيئة اشرافية لديها السلطات او الرغبة للقيام بذلك، كما اوضح. عندما اصدر مصرف ليمان بروذرز الاستثماري نتائج الربع الثاني قبل ان يفلس، سأل بولسون الرئيس التنفيذي ريتشارد فولد عن النتائج المتوقعة للربع الثالث. وقال فولد انها ربما تكون اسوأ. وطالبه بولسون بالعثور على مشتر للشركة. وتراجع فولد، وبدأ يبحث عن وسيلة اخرى لإنقاذ المصرف. فما كان من بولسون الا ان تعداه واجرى اتصالات للعثور على مشتر للمصرف. وهي المحاولة التي لم تحقق نجاحا.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»