الرئيس الأميركي المنتخب باراك أوباما يختار غيتنر وزيرا للخزانة

استقبله البعض بتعليقات إيجابية وشكك آخرون في قدرته على بث الثقة في الأسواق

اختيار غيتنر تحول في الأجيال التي توكل إليها المناصب العليا في دوائر صنع السياسات الاقتصادية (رويترز)
TT

وقع اختيار الرئيس المنتخب باراك أوباما، على رئيس مصرف الاحتياطي الفيدرالي بنيويورك، تيموثي غيتنر، ليتولى منصب وزير الخزانة. وبذلك يكون قد منح أوباما المنصب إلى المسؤول الأول الذي صاغ طريقة تعامل إدارة بوش للأزمة المالية، حسبما أفادت به مصادر داخل الحزب الديمقراطي ومسؤولون في قطاع الصناعة. ولكونه في السابعة والأربعين من عمره، فإنه في نفس عمر أوباما، ويمثل اختياره تحولا في الأجيال التي توكل إليها المناصب العليا في دوائر صنع السياسات الاقتصادية في واشنطن، ليترأس فريق عمل شاب من المستشارين الاقتصاديين داخل البيت الأبيض، وسيتحمل هؤلاء مسؤولية التعامل مع واحدة من أسوأ الأزمات المالية التي عصف بالبلاد منذ الكساد الكبير. وينتمي غيتنر إلى الحزب الديمقراطي، ولا يتمتع بالشهرة خارج الدوائر المالية الكبرى. وقد عمل بصورة وثيقة مع وزير الخزانة، هنري بولسون، لصياغة طريقة التعامل مع المواقف الصعبة التي خلفتها حالة الفوضى التي ضربت بالأسواق المالية، بما في ذلك الإعانات المالية التي وُجهت لكل من مصرف بير ستيرنز الاستثماري وعملاق التأمين أميركان إنترناشونال غروب. يؤمن غيتنر تماما مثل بولسون بأنه ينبغي تخويل سلطات واسعة لوزارة الخزانة كي تصيغ استراتيجيات عملية للتعامل مع اللأزمة، مع التحلي بالمرونة والتخلي عنها حال عدم نجاحها. أما الأب الروحي لغيتنر فهو لورانس سمرز، 53 عاما، وزير الخزانة في عهد إدارة كلينتون والذي كان أيضاً من المرشحين للمنصب في الإدارة الجديدة. وأشار مصدر ديمقراطي مطلع إلى أن سمرز سوف يعمل داخل البيت الأبيض كمستشار اقتصادي رفيع المستوى لأوباما. وأضاف المسؤول أن أوباما يعكف بجدية على دراسة تعيين خصمه السابق في الانتخابات التمهيدية، بيل ريتشاردسون، حاكم ولاية نيو مكسيكو، لتولي منصب وزير التجارة. وممن سينضمون إلى سمرز داخل البيت الأبيض جيسون فرمان، 38 عاماً، كمستشار اقتصادي أول للرئيس، وبيتر آر. أورسزاج، 39 عاماً، في منصب مدير شؤون ميزانية البيت الأبيض، وأوستن غولسبي، 39 عاماً، كأحد أعضاء مجلس المستشارين الاقتصاديين المعاونين للرئيس، وذلك حسبما أفادت به مصادر مطلعة. ومن المتوقع أن يتم الإعلان عن أعضاء الفريق الاقتصادي المعاون لأوباما في شيكاغو غدا الأثنين، طبقاً لما صرح به مسؤول من الفريق الانتقالي المعاون للرئيس المنتخب والذي اشترط عدم الكشف عن هويته نظراً لعدم الإعلان رسمياً عن التعيينات. واستطرد المصدر ذاته موضحاً أن: «كل التحركات تم التسريع بها على الجبهة الاقتصادية نظراً لأنباء متوترة على مدار الشهور القليلة السابقة»، لكن ليس كرد فعل لأي ظاهرة محددة شهدتها الأسواق المالية هذا الأسبوع. والواضح أن الإدارة الجديدة تجابه مشكلات كبرى، في وقت تتداعى فيه الجهود الحكومية لإنقاذ النظام المصرفي المنهار. يذكر أن مصرف غولدمان ساكس الاستثماري أعلن بالأمس توقعه بأن يشهد الاقتصاد تراجعا بمعدل أسرع خلال الربع الرابع من العام الحالي، بمعدل 5 في المائة سنوياً. ويتوقع المصرف بأن تتفاقم معدلات البطالة لتصل إلى 9 في المائة بحلول نهاية العام القادم. ومن ناحيتها، أبدت أسواق الأسهم ترحيبها باحتمالية تعيين غيتنر، المعروف في أوساط وول ستريت، حيث انخفض مؤشر داو جونز الصناعي في جلسة أول من أمس بمقدار 1.4 في المائة، لكن بورود أنباء تعيين غيتنر في حوالي الثالثة بعد الظهيرة، ارتفع المؤشر بصورة كبيرة، لينهي اليوم بارتفاع 6.5 في المائة عند 494.13 نقطة. وعلق سكوت تالبوت، نائب رئيس مؤسسة «فايننشال سيرفسز راوندتيبل»، التي تمارس جهود الضغط لصالح الشركات المالية، على الاختيار بقوله: «غيتنر مناسب بصورة ممتازة ويتمتع بخبرة تجارية وسياسية وبمجال صناعة السياسات تؤهله للتعامل مع هذه الأزمة. كل من تحدثت إليهم في مصارف نيويورك أدلوا بتعليقات إيجابية أو لم تكن لديهم تعليقات سلبية». وعلاوة على ذلك، يتميز غيتنر بخبرة التعامل مع الأزمات المعقدة، ففي أواخر التسعينات، على سبيل المثال، عمل تحت إمرة وزيري الخزانة، روبرت روبين وسمرز لتوجيه إدارة كلينتون إلى نمط الاستجابة الأمثل لانهيار العملة في روسيا والمكسيك وآسيا. وخلال السنوات الأخيرة من عمر الإدارة، أصبح سمرز وزيراً للخزانة وتمت ترقية غيتنر لمنصب وكيل الوزارة. ومن جهته، أكد السيناتور كنت كونراد، رئيس لجنة الشؤون المصرفية بمجلس الشيوخ، أن اختيار غيتنر سيحظى برد فعل إيجابي للغاية داخل مجلس الشيوخ. وقد عاينتم شعور الارتياح الذي ساد الأسواق اليوم». في المقابل، شكك آخرون في قدرة غيتنر على بث الثقة في الأسواق. مثلاً، أعرب كين دبرستين، رئيس فريق العمل داخل البيت الأبيض في عهد إدارة رونالد ريغان، عن اعتقاده بأنه: «رغم كون غيتنر في الـ47 من العمر، فإنه يبدو في الـ32، ومن الضروري أن يتوافر في مثل هذه الأوقات الصعبة شخص يبدو كبيراً في السن وذي شخصية جذابة. إن الأمر لا يتعلق بكونه غير مؤهل للمنصب، وإنما بمظهره الخارجي». ومن ناحية أخرى، من المتوقع ألا تغير وزارة الخزانة تحت قيادة غيتنر من توجهها إزاء الأزمة المالية ـ أو كيفية إنفاق أموال الإنقاذ الطارئة البالغة 700 مليار دولار التي وافق عليها الكونغرس الشهر السابق، رغم أن الشكوك بدأت في التنامي في أوساط أعضاء الكونغرس حول ما إذا كان بولسون قد اقترح العلاج الناجع للأزمة. فبخلاف بولسون، كان غيتنر أكبر من شاركوا في اتخاذ قرار تقديم إعانة مالية لبير ستيرنز في مارس (آذار) أو في الأحداث التي سبقت مباشرة إشهار مصرف ليمان براذرز إفلاسه. كما كان غيتنر العقل المدبر الرئيس وراء قرار تقديم قرض بقيمة 85 مليار دولار لإنقاذ «أميركان إنترناشونال غروب»، ثم زيادة القرض إلى 152 مليار دولار، مع استمرار المشكلات التي تعانيها المجموعة. وقد لاقت جميع هذه الخطوات انتقادات من جانب أعضاء الكونغرس وخبراء اقتصاديين، والذي يعتقدون أن هذه القرارات أسهمت بالفوضى داخل النظام المالي. باختيار أورسزاج وغولسبي وفرمان، من الواضح أن أوباما يعمد إلى تشكيل فريق عمل داخل البيت الأبيض يقوم على العناصر البرجماتية التي تنتمي إلى تيار الوسط والمؤمنة بضرورة تعزيز التجارة الحرة وتقليص العجز في الميزانية واستغلال القوانين الضريبية في الحد من الفجوة بين الأثرياء والفقراء. وعلى خلاف المسؤولين في إدارة بوش الأولى، يؤمن هذا الفريق أيضاً بضرورة استغلال الحكومة سلطاتها في تدعيم وتوجيه قوى السوق.

وجدير بالذكر أن كلا من أورسزاج وفرمان شغلا منصبين إداريين بمشروع هاميلتون داخل معهد بروكنغز، وهو عبارة عن مؤسسة بحثية أسسها روبين مع آخرين. وترك فرمان هذا المنصب في وقت سابق من هذا العام لينضم إلى فريق العمل الذي أدار الحملة الانتخابية لأوباما باعتباره مستشاراً اقتصادياً بارزاً للمرشح الديمقراطي آنذاك. أما أورسزاج، أحد الأعضاء المؤسسين لمشروع هاميلتون، فقد رحل عن وظيفته تلك عام 2007 ليصبح مديراً لمكتب شؤون الميزانية التابع للكونغرس. ومن المتوقع أن يمثل إضافة كبيرة بخبرته المتعلقة بالميزانية الفيدرالية لمكتب الإدارة والميزانية، حيث سيتولى مسؤولية وضع ميزانية أوباما الأولى في الربيع القادم. أما غولسبي، الخبير الاقتصادي التابع لجامعة شيكاغو، فقد عمل مستشاراً لأوباما منذ حملة الأخير الانتخابية عام 2004 للوصول لمجلس الشيوخ. ومن المقرر أن يعمل غولسبي كواحد من بين ثلاثة أعضاء يتألف منهم مجلس المستشارين الاقتصاديين المعاونين للرئيس، والذي يمد الرئيس بالتحليلات الاقتصادية ويوصي بالسياسات الواجب اتباعها. ولم يتضح بالأمس ما إذا كان دور سمرز سيتمثل في رئاسة المجلس الاقتصادي الوطني، المعني بتنسيق السياسات الاقتصادية للبيت الأبيض. ومن بين الشخصيات الأخرى التي كانت مرشحة للمنصب جاكوب ليو، المدير السابق لمكتب شؤون الميزانية التابع للكونغرس والذي يعمل حالياً بمصرف سيتي غروب، ودانييل كيه. تارولو، الخبير الاقتصادي بجامعة جورج تاون، وهو أحد أعضاء فريق العمل الانتقالي المعاون لأوباما، طبقاً لما ورد عن مصادر بالكونغرس ومسؤول بارز بالحزب الديمقراطي.

ومن ناحية أخرى، فإن ريتشاردسون، المرشح الأول لوزارة التجارة، كان في البداية من بين المرشحين لحقيبة وزارة الخارجية، لكن بات من المتوقع الآن الإعلان عن هيلاري كلينتون كوزيرة للخارجية بعد احتفالات عيد الشكر. وجدير بالذكر أن أوباما سبق أن تعهد خلال مؤتمر صحافي عقده بعد انتخابه بالإسراع من اختيار أعضاء حكومته وفريق العمل المعاون له داخل البيت الأبيض، في اعتراف منه بأنه في ظل الأزمة المالية العالمية وتورط الولايات المتحدة في حربين، لا ينبغي إهدار أي وقت. وفيما يخص منصب وزير التجارة، رشحت له التكهنات في بداية الأمر بيني بريتزكر، رئيسة الشؤون المالية بحملة أوباما الانتخابية والصديقة المقربة من سيناتور إلينوي، لكنها أعلنت يوم الخميس عدم إمكانية توليها المنصب لعجزها عن إنهاء صلات تجارية معقدة تشارك بها. أما ريتشاردسون، الذي اُنتخب حاكماً لنيو مكسيكو عام 2002 وأعيد انتخابه بنسبة 69 في المائة من الأصوات عام 2006، فلم يخف رغبته في العودة إلى واشنطن للمشاركة في إدارة أوباما. ويذكر أن ريتشاردسون أيد أوباما في معركته أمام هيلاري خلال الانتخابات التمهيدية، وإذا ما اختير لوزارة التجارة فسيزكي من «فريق المتنافسين» الذي سيقوده أوباما. وقضى ريتشاردسون 14 عاماً داخل مجلس النواب (1983 -1997) قبل أن يعينه الرئيس بيل كلينتون سفير الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة. وبعد ذلك بعام، أصبح ريتشاردسون وزيراً للطاقة في ظل إدارة كلينتون.

* خدمة واشنطن بوست خاص بـ«الشرق الأوسط»