الهنود أقل عرضة لفقدان وظائفهم مقارنة بنظرائهم في الغرب

الأمر يقلق صانعي السياسات بعد تحوله لظاهرة شبه يومية

الشركات الكبرى وضعت خططا نهائية لتقليص حجم القوة العاملة لديها بنسبة 30 في المائة (رويترز)
TT

خلفت الأزمة المالية العالمية تداعياتها على سوق العمل الهندية، حيث باتت إجراءات تسريح العمالة والفصل وخفض الأجور أكثر شيوعاً بمختلف أرجاء البلاد، الأمر الذي يسلط الضوء على تباطؤ عجلة النشاط الاقتصادي التي تعاني منها الهند والتي أجبرت الكثير من الشركات على تقليص تكاليفها. وبدءا من الصرافة والتمويل، ووصولاً إلى التصنيع وتكنولوجيا المعلومات، يبدو أنه ليس هناك أي قطاع بمأمن من التداعيات السلبية للأزمة، حيث شرعت الشركات في دراسة التحول من إجراءات تجميد عمليات التعيين لديها إلى خفض الوظائف، ما يعكس توجهاً متنامياً داخل الكثير من دول العالم المتقدم والذي شهد فقدان عشرات الآلاف من الأشخاص لوظائفهم. وعلى الرغم من أن الهند ـ التي تعد واحدة من الاقتصاديات العالمية الكبرى المعدودة التي ستحقق نمواً جيداً في إجمالي الناتج المحلي لها هذا العام ـ ربما لا يتعرض أبناؤها لفقدان وظائفهم بنفس المعدلات الكبيرة التي يتعرض لها نظراءهم في الغرب، حيث ينتاب صانعي السياسات بها شعور بالغ بالقلق. من ناحيته، حث رئيس الوزراء، مانموهان سنغ، في وقت سابق من هذا الأسبوع الصناعة على التوقف عن تسريح العمالة وتعهد بخفض معدلات الفائدة والضرائب بهدف تعزيز الاقتصاد. من ناحية أخرى، حول المصرف المركزي الهندي اهتمامه بالفعل إلى تعزيز النمو الاقتصادي، بدلاً من احتواء التضخم، وخفض معدلات الاحتياط الرئيسية لدى المصارف ومعدلات الفائدة على المدى القصير. ورغم هذه الجهود، باتت أنباء خفض أعداد العاملين داخل قطاع ما ظاهرة شبه يومية. يذكر أن الهند شهدت أكبر عملية تسريح للعمالة في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي عندما أقدمت شركة خطوط جوية، جيت إيروايز، بتسريح 1900 من موظفيها. إلا أنه بعد أيام من المظاهرات من جانب الموظفين المفصولين وتعرضها لضغوط سياسية من الحكومة الفيدرالية، تراجعت الشركة عن قرارها. كما أعلنت شركة إير إنديا المملوكة للدولة أنها على استعداد للسماح لما يصل إلى 15 ألفا من عامليها بالحصول على إجازة بدون مرتب لفترة تتراوح بين 3 و5 سنوات، لكنها أوضحت أن هذا الإجراء سيكون اختيارياً من جانب الموظفين. من جهته، صرح راغو منون، مدير شركة إير إنديا، بأن: «نخطط لعرض إجازة بدون أجر لفترة تتراوح بين ثلاث وخمس سنوات. ويمكن أن ندرس تطبيق هذا الأمر بالنسبة لقرابة 1500 من موظفينا». جدير بالذكر أن الهند، التي تعد ثاني أسرع سوق للملاحة الجوية من حيث النمو، شهدت تراجعاً في هذا القطاع منذ مطلع العام الجاري، حيث سجلت معظم شركات الخطوط الجوية بها خسائر. ويعتقد الخبراء المعنيون بقطاع الملاحة الجوية أن التباطؤ الذي منيت به الصناعة، التي تتحمل على كاهلها أعباء ارتفاع أسعار الوقود وضعف النمو الاقتصادي، سيجعل من إجراءات تقليص الوظائف أمراً محتوماً خلال الأشهر المقبلة. من ناحية أخرى، تتصاعد تحذيرات من تردي الأوضاع داخل قطاع المنسوجات، خاصة مع إعلان اتحاد صناعة المنسوجات الهندية، الكيان الممثل للصناعة، أن حوالي 700 ألف شخص خسروا وظائفهم حتى الآن خلال العام الحالي، ومن المحتمل أن يتعرض 500 ألف آخرون لخسارة وظائفهم خلال الفترة بين الشهرين والثلاثة المقبلة. وبالمثل، تشير التقديرات إلى أن قرابة 70 ألفا من العمالة غير الماهرة وشبه الماهرة والماهرة تم تسريحها حتى الآن خلال هذا العام في إطار صناعة معالجة الألماس التي تقدر قيمتها بترليون روبية. وتواجه الصناعة في الوقت الراهن أزمة اقتصادية خطيرة مع تراجع الطلب من جانب الولايات المتحدة بصورة بالغة. وطبقاً للتقديرات الصادرة عن الصناعة، فإن الطلب الأميركي تراجع بمعدل يكاد يبلغ 50 في المائة خلال العام السابق، وجاءت الأزمة المالية العالمية لتزيد من تفاقم الوضع. والملاحظ أن غالبية العمال الذين فقدوا وظائفهم خلال إجراءات التسريح تلك ينتمون إلى العمال الذين يتلقون أجورهم على أساس العمل اليومي، وقد صدرت لهم تعليمات بالحصول على إجازات حتى صدور أوامر إليهم بالعودة إلى العمل مجدداً. من ناحيتها، حذر اتحاد غرف التجارة والصناعة الهندية الأسبوع الماضي، من أنه من المحتمل أن تُقدم الكثير من الشركات الهندية في قطاعات متنوعة، بينها التكنولوجيا والخدمات المالية والبناء، على تسريح ما يصل إلى ربع أو أكثر من موظفيهم على مدار الأسابيع المقبلة. وفي هذا الصدد، أشار ساجان جندال، رئيس الاتحاد، إلى أن عدداً من الشركات الكبرى وضعت بالفعل «خطط نهائية» لتقليص حجم القوة العاملة لديها بنسب تتراوح بين 25 في المائة و30 في المائة من قوتها العاملة. وعلى سبيل المثال، قالت مصادر داخل السوق إن شركة «إل آند تي إنفوتك» وهي شركة فرعية تملكها شركة لارسن آند توبرو، أكبر شركة هندسية على مستوى البلاد، تنوي تسريح 5 في المائة من قوتها العاملة، ما يعادل حوالي 10 آلاف موظف. وفي سبتمبر (أيلول) الماضي، تخلت شركة تاتا للخدمات الاستشارية، عن 500 من مهندسي الحاسب الآلي العاملين لديها، ونشرت رسالة على الشبكة الداخلية الرابطة بين أجهزة عامليها تنص على أنها على استعداد لتسريح المزيد من العاملين. بالمثل، قامت إنديا آي بي إم، إحدى أكبر الشركات العاملة بمجال تكنولوجيا المعلومات، بتسريح 500 من مهندسي الحاسب الآلي. ومنذ شهر واحد مضى، فصلت شركة ساتيام كمبيوترز، العاملة بمجال تكنولوجيا المعلومات، 4500 من مهندسي البرمجيات في أعقاب إعادة هيكلة الشركة واتخاذ إجراءات لتقليص التكاليف. يذكر أن أكبر خمس شركات هندية كبرى بمجال تكنولوجيا المعومات ـ وهي تي سي إس، إنفوسيز تكنولوجيز ليمتد، ويبرو ليمتد، ساتيام وإتش سي إل تكنولوجيز ليمتد ـ تحصل على ما بين 51 في المائة و63 في المائة من عائداتها من الولايات المتحدة. خلال الأسابيع الأخيرة، وفي الوقت الذي انهارت العديد من المؤسسات المالية الأميركية والأوروبية أو تلقت إعانات مالية من الحكومات أو اندمجت مع أخرى في محاولة للتغلب على أزمة الائتمان، تعمقت المخاوف بأن قطاع خدمات تكنولوجيا المعلومات الهندي على وشك الدخول في فترة عصيبة، حسبما أشار آر. سانكار، المدير التنفيذي لشركة برايس ووترهاوس كوبرز. يذكر أن ياهو إنديا فصلت 40 من موظفيها في بنغالور في سبتمبر الماضي. ولم يتم إمهال الموظفين سوى ثلاثين دقيقة كي يرحلوا عن أماكن عملهم. علاوة على ذلك، أعلنت شركة إتش بي، أكبر شركة لإنتاج الحواسب الآلية، عن تسريح عدد كبير من العاملين لديها يصل إلى قرابة 26 ألفا. إلى جانب ذلك، بات من المؤكد أن شركة إنتل العملاقة بمجال إنتاج الشرائح الالكترونية سوف تتخلى عن 50 في المائة من قوتها العاملة داخل الهند، والبالغ إجمالي عددها 500 شخص. على الجانب الآخر، استمر النزيف داخل القطاع المالي، حيث تركت الأزمات التي عصفت بنيويورك ولندن أصداءها داخل نيودلهي. على سبيل المثال، شرعت الفروع الهندية لكل من جولدمان ساكس وكريدي سويس في تقليص أعداد الموظفين لديهما، بينما شهدت الكيانات التجارية التابعة لميريل لينش داخل الهند موجة ثانية من إجراءات فصل الموظفين. قامت جولدمان ساكس بتسريح ما يزيد على 10 موظفين من العاملين بمكتبها في مومباي، الذي يبلغ مجموع العاملين به 100 موظف. كما قلصت أميركان إكسبريس إنديا، التي تشكل الوحدة المحلية التابعة لشركة أميركان إكسبريس، عدد موظفيها داخل الهند بما يتراوح بين 120 و150 موظفا. أما شركة تاتا جروب، التي يبلغ رأسمالها 62.5 مليار دولار، التي هيمنت أخبار عمليات الاندماج والشراء التي قامت بها على العناوين الرئيسية لوسائل الإعلام على مدار العامين السابقين، فقد «جمدت أي خطط جديدة للشراء فيما عدا ما تعتبره حيوي بصورة استراتيجية»، حسبما أعلن راتان تاتا، رئيس المجموعة، في رسالة عبر البريد الالكتروني إلى كبار الإداريين داخل الشركات الـ98 التابعة للمجموعة وكبار صناع القرار بها. كما حثهم على تشكيل قوة عمل صغيرة لوضع خطة لتقليص النفقات بحلول يناير (كانون الثاني). يذكر أن شركة تاتا للصلب خفضت عدد موظفيها بمقدار حوالي 400 موظف وذلك في فروعها داخل المملكة المتحدة وأيرلندا، جراء تباطؤ عجلة النشاط داخل صناعة الصلب. إلا أن الشركة استبعدت أي إجراءات لخفض أعداد العاملين بفروعها داخل الهند.