«ميريل لينش» تتوقع أن يتهاوى النمو العالمي إلى أدنى مستوى له منذ 1982

أكدت أن الادخار في الأسواق الناشئة لن يموّل فائض الاستهلاك في أميركا

المؤشرات الاقتصادية العالمية مرشحة للهبوط في المدى المنظور
TT

نشرت دائرة البحوث العالمية بميريل لينش تقريراً جديداً يتكهّن بان الادخار في الأسواق الناشئة لن يموّل فائض الاستهلاك في الولايات المتحدة، ويتوقع ان يتهاوى النمو العالمي الى أدنى مستوى بلغه منذ 1982 قبل ان يستأنف ارتفاعه في 2010. وتتكهن ميريل لينش ان يكون النمو العالمي في حدود 3.1 في المائة في 2009 نزولاً من 2.3 في المائة في 2008 ثم يصعد الى 1.3 في المائة في 2010. ومع هذا، فإن هذا المستوى من النمو سيكون نصف واحد في المائة أدنى من متوسط السنوات الأربع الماضية. وحددت ميريل لينش، في تقريرها: «2009: الاقتصاد الكلي العالمي في العام الطالع»، والذي تلقت «الشرق الأوسط» نسخة منه، أربعة مواضيع محورية: ستكون الاقتصادات النامية العالمية أقل تعرضاً للهبوط من الاقتصادات المتقدمة في العالم، وان تزيد الحكومات من تدخلها عبر التيسير النقدي والمالي، الى جانب نشوء آثار جانبية وحدود للتدابير المحفزة، بالاضافة الى استئناف ارتفاع النمو في النصف الأول من 2009 قبل ان يتلاشى. ويقول ألكس باتيليس، رئيس الاقتصاد الدولي بميريل لينش: «نشهد زيادة الاختلالات العالمية، إذ أنّ المستهلكين الأميركيين يعدّلون عاداتهم والاقتصادات الناشئة تتحول الى الداخل. اما اليابان وآسيا الناشئة وأميركا اللاتينية فستكون الأقل تعرضاً للركود، بينما اوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا والولايات المتحدة ستكون الأكثر تعرّضاً.

وبحسب ميريل لينش فان الأزمة المالية تحفز المستهلكين في الولايات المتحدة على إصلاح ماليتهم الشخصية بادّخارهم اكثر وإنفاقهم أقل. فالسوق لن تسمح لصانعي السياسة في الولايات المتحدة ان يضخّوا كمية النقد التي يحتاجون اليها من أجل المحافظة على مستويات الانفاق الراهنة. وفي السياق الطويل ستعتمد الأسواق الناشئة بدرجة أقل على الإنفاق الانكلوسكسوني. ففي الصين، على الأخص، تتوقع ميريل لينش معدلات فائدة أدنى، وارتفاعاً في الإنفاق الحكومي من أجل تحفيز الطلب الداخلي. وترى ميريل لينش ان البلدان التي تستخدم الدين مثل اوستراليا وكوريا وهنغاريا ومنطقة اليورو هي بين الاقتصادات الأكثر تعرضاً للخطر. اما البلدان التي تستخدم الدين أقل مثل نيجيريا والمكسيك والفلبين فهي الأقل تعرضاً. واذ تنكمش الاقتصادات المتقدمة، فإنّ الأسواق الناشئة تسير صوب نمو عالمي تصل نسبته الى 100 في المائة.

وبحسب التقرير فمن المتوقع ان تواصل معدلات الفائدة في العالم انخفاضها. فقد تدنّت أسعار الفائدة حتى الآن بأكثر من 8.0 في المائة. ويمكن ان تواصل الانخفاض بنسبة مماثلة. ان تدابير التنشيط المالية ستستمر الآن، إذ انه قد حصل تخلّ عن أصول الانتظام المالي. يرجّح ان تركز سياسات التدخل الحكومية على تدابير من شأنها تقوية موازنات الأسر. وتواجه الحكومات اقتراضاً أعلى كلفة نتيجة التعرّض لأخطار أكبر بسبب مشترياتها من القطاع الخاص وزيادة العجوز في الموازنة. لن تجمع البنوك المركزية احتياطاً وحتى اذا جمعت يمكن استنزافها. ان المبالغة في سياسة التيسير قد تضعف العملات. وفي هذا السياق تتوقع ميريل لينش ان يواجه الدولار هذا الاحتمال. ستضخم بعض الحكومات اقتصاداتها كثيراً وغيرها القليل، إذ انه يقرب من المستحيل ان ينال صانعو السياسة التحفيز الأمثل حجماً وتوقيتاً.

و ترى ميريل لينش ان اختبارات انواع الركود الماضية توحي بأن النمو سيرتفع في النصف الأول من 2009 عندما تتغلغل سياسات التنشيط. فسياسة التضييق يمكن ان تلطف من ذلك الانتعاش قبل ان تظهر علامة «زوال الخطر»، وهذا على الأرجح سيحصل في منتصف 2010. وفي الوقت ذاته، يعترف التقرير بالفرق في الطبيعة بين التباطؤ الدوري التقليدي والصدمة الانتقالية التي خلقتها الأزمة المالية. ومن المتوقع ان يستمر الركود حتى أواخر 2009 قبل الانتعاش في 2010. ويقول دافيد روزنبرغ، اقتصادي اميركا الشمالية بميريل لينش: «ان فورة في الادخار الشخصي، تحتاج ان تعادله سياسات تنشيطية ضخمة لتجنب الركود».

يحاجج بعضهم ان الأزمة العالمية تبيّن ان التقدم في أميركا اللاتينية هو سراب. يقول فيلبي يانس، اقتصادي أميركا اللاتينية بميريل لينش: «لا نوافق، ان أكثر بلدان المنطقة، هي في الأساس أكثر مرونة الآن، مع ان عدداً صغيراً معرض للخطر».

وتتكهن ميريل لينش ان تتمكن اليابان بصعوبة من تجنب الركود، لأسباب ثلاثة: أولاً، تعتمد اليابان على التصدير الى آسيا أكثر من الولايات المتحدة. ثانياً، من المتوقع ان تزيد أسعار النفط المتدنية من الاستهلاك الشخصي. واخيراً، يضاف التنشيط المالي الحكومي.

يقول كاسايوكي كيتشيكايا، اقتصادي اليابان بميريل لينش: «ان أسعار السلع المتدنية مقرونة بين قوي، من شأنها ان يكون تأثيرها كتخفيض ضريبي غير مباشر للاقتصاد الياباني. ان حزمة اندفاعية من السياسات التوسعية من شأنها ان تضع حداً للتباطؤ في النمو الصيني. ويقول ت.ج. بوند، اقتصادي آسيا (باستثناء اليابان) بميريل لينش: «نعتقد ان التجاوب المالي الحكومي في الصين سيكون فعالاً. وبالعكس من ذلك، ان الاقتصادات الأصغر حجماً، المفتوحة في آسيا هي عرضة أكثر للخطر». وعبر آسيا، ان نجاح او فشل سياسة ونهوض وهبوط الخطر في بلد، ونشوء تطرف في التقييم سيقرر مستقبل المنطقة الاقتصادي.وبحسب ميريل لينش سيبرز ركود كامل في منطقة اليورو وفي أجزاء من أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا الناشئة. يقول كلاوس بادر، اقتصادي أوروبا بميريل لينش: «نعتقد ان نمو التصدير في منطقة اليورو يشرف على الانهيار وان الأزمة الائتمانية ستحد من الاستثمار. لكن الاستهلاك سيستفيد من هبوط أسعار النفط».

تواجه هنغاريا وتركيا ركوداً بينما الحكومات في روسيا وبلدان الخليج راغبة وقادرة على الحد من الانحدار.وتتوقع ميريل لينش ان يتضاءل الطلب على النفط في مناطق الاستهلاك الرئيسية، خفضت ميريل لينش توقعاتها لسعر برميل النفط الخام الى 50 دولاراً أميركياً للبرميل في العام 2009. يقول فرانسيسكو بلانش، استراتيجي السلع بميريل لينش: «ان السؤال الرئيسي هو الى أيّ مدى سينزل سعر النفط؟ ان خطر الهبوط الرئيسي سيكون أضعف من المتوقع للاقتصاد الصيني. ولكن في رأينا، ان أسعار النفط ستبلغ القعر في مطلع الربع الثاني».

وتتوقع ميريل لينش ان يقوى الدولار الأميركي ثم يضعف عندما يتلاشى النفور من المخاطر. يقول دانيال تننغوزر، استراتيجي العملات العالمية بميريل لينش: «ان قيم العملات ستعكس إعادة التوازن العالمي وانخفاض الاستهلاك واستنفاد شهية المخاطرة».

يذكر أن ميريل لينش هي واحدة من الشركات الرائدة عالمياً في مجالات ادارة الثروات وأسواق المال والاستشارات الاقتصادية، ولها مكاتب في 40 دولة ومنطقة، وتبلغ أصول عملائها الاجمالية نحو 5.1 تريليون دولار أميركي لغاية 26 أيلول (سبتمبر) 2008. وكمصرف استثماري، تعتبر ميريل لينش مؤسسة تجارية عالمية رائدة وجهة اكتتاب رئيسية للأوراق المالية والاشتقاقات في العديد من فئات الأصول، وتعمل كجهة معتمدة للاستشارات الاستراتيجية بالنسبة للشركات والحكومات والمؤسسات والأفراد على مستوى العالم. وتملك ميريل لينش حوالي نصف شركة بلاك روك وهي من بين أكبر شركات الخدمات الاستثمارية العالمية التي تدرج أسهمها في الأسواق الدولية وتبلغ أصولها المدارة 3.1 تريليون دولار أميركي في 30 أيلول (سبتمبر) 2008.