الولايات المتحدة تطارد هدفا متحركا في الطاقة المتجددة

لا يوجد نقص في المستثمرين الراغبين في بناء توربينات الرياح وألواح الطاقة الشمسية

توربين هوائي لتوليد الكهرباء أمام سوبر ماركت وول مارت في بلدة ماكيني بولاية تكساس الأميركية (رويترز)
TT

ربما يفرض الكونغرس والإدارة الجديدة قريبا أمرا يقضي بأن تحصل الولايات المتحدة على 10 أو 15 في المائة من احتياجاتها من الطاقة الكهربائية من مصادر متجددة في خلال أعوام قليلا، أملا في تقليل ظاهرة ارتفاع درجات الحرارة على مستوى العالم وتوفير «وظائف خضراء»، أي وظائف بمجالات تسهم في الحفاظ على البيئة.

ولكن تشير خبرة مختلف الولايات التي تبنت أهدافا مماثلة إلى أن تمرير مثل ذلك القرار قد يكون أسهل من تنفيذه. ويبدو السجل حتى الآن متفاوتا بلا شك: فبعض الولايات في طريقها لتحقيق أهداف الطاقة، ولكن تخلفت ولايات أخرى عن تحقيق الأهداف القوية التي وضعتها منذ عدة سنوات.

وقد أسهمت الأهداف التي وضعتها الولايات نصب أعينها في النمو السريع لتوربينات الرياح ومحطات الطاقة الشمسية في بعض المناطق، وخاصة في الغرب. ولكن جاء النمو على قاعدة صغيرة جدا. وفي جميع أنحاء البلاد، تشير الإحصائيات بقوة إلى اتجاه معاكس للحماس حيال الطاقة الخضراء الذي يجتاح واشنطن.

من ناحيتهم، يبث آل غور إعلانات تدعي أن البلاد يمكنها أن تتحول تماما إلى الطاقة المتجددة خلال عقد. ولكن لا يعرف معظم الخبراء كيف يتم ذلك. وحتى مع النمو السريع الذي حدث في الأعوام الأخيرة، يأتي أقل من 3 في المائة من الطاقة الكهربائية في البلاد من مصادر متجددة، فيما عدا السدود.

وفي هذا الصدد، يقول جورج ستريزنغر، المدير التنفيذي لمشروع سياسة الطاقة المتجددة، وهي جماعة نشطة في واشنطن «أعتقد أننا بالفعل نبالغ في الحديث عن السرعة والسهولة والتمام الذي ستكون عليه المرحلة الانتقالية».

وقد تبنى أكثر من نصف الولايات أهدافا رسمية للطاقة الخضراء. في كثير من الولايات، من المبكر جدا تقييم السياسات، التي تعرف بمعايير حافظة مصادر الطاقة المتجددة. ولكن رايان وايزر، العالم في معمل لورنس بيركلي الوطني وأحد مؤلفي تقرير صدر أخيرا حول هذه الأهداف، يشير الى انه حتى الآن تتساوى حالات النجاح والفشل.

وجعلت ولايتي كونيتيكت وماساتشوستس هيئاتها المعنية بالنفع العام تتكبد غرامات مالية مقابل أهدافها التي لم تتحقق، ولكن تتأخر الهيئات المشابهة في أريزونا ونيفادا عن تحقيق الأهداف المحددة لها هي الأخرى. وتبدو ولايتا كاليفورنيا ونيويورك على ثقة تامة تقريباً من عدم قدرتهما على اللحاق بالمواعيد النهائية التي تقترب في الأعوام القليلة المقبلة.

في المقابل، حققت بعض الولايات أهدافها، بل وتجاوزتها. وتعد إحدى الولايات الناجحة هي تكساس، التي حققت ازدهارا في طاقة الرياح، وتجاوزت الهدف الذي وضعته لعام 2015. وتحصل الولاية على 4.5 في المائة من الطاقة الكهربائية من توربينات الرياح. وتحصل نيومكسيكو على 6 في المائة من الطاقة المتجددة، ما يمثل فارقا مذهلا للوصول إلى هدف الولاية لتحقيق 10 في المائة بحلول عام 2011.

وتختلف طبيعة الأهداف وصرامتها من ولاية إلى أخرى بدرجة كبيرة، وقد استطاع البعض تحقيق أهدافهم لأنهم وضعوا أهدافا معتدلة نسبيا في المقام الأول.

على سبيل المثال، كانت ولاية مين قد وضعت هدفا بتحقيق نسبة 30 في المائة من الطاقة المتجددة بحلول عام 2000، وهو هدف مثير للإعجاب ولكنه بلا معنى حقيقي لأن الولاية كانت تحصل بالفعل على حوالي نصف الطاقة الكهربائية من مصادر تتعارض مع الهدف، ومن بينها السدود. (وقد تطلب قانون صدر مؤخرا تنمية مصادر الطاقة المتجددة في مين).

قال وايزر إن في تلك الولايات التي تضع أهدافا صارمة، وتواجه صعوبة في تحقيقها، أكبر عقبة هي بناء خطوط طاقة يمكنها نقل الطاقة الكهربائية. وتكمن عقبة أخرى في عدم قدرة هيئات النفع العام على ضمان وجود عقود طويلة المدى كافية لشراء مصادر طاقة متجددة. وبينما لا يوجد نقص في البلاد في المستثمرين الراغبين في بناء توربينات الرياح وألواح الطاقة الشمسية، إلا أن مشاكل مثل العثور على مواقع مناسبة والتغلب على المعارضة السياسية المحلية وتوفير التمويل أعاقت تقدمهم. وفي بعض الحالات، منها في ولاية نيويورك الشمالية، وردت مزاعم بأن المقاولين رشوا المسؤولين للفوز بقبول مشروعاتهم.

ويضع الكثير من خبراء الطاقة معايير مصادر الطاقة المتجددة كآلية سياسية من أجل تشجيع الطاقة الخضراء. ولكن مع احتمالية وضع معيار عام في جميع الإنحاء بمجرد تولي باراك أوباما والكونغرس الجديد السلطة، يقلل هؤلاء الخبراء من توقعاتهم لما يمكن تحقيقه على المدى القريب.

في الحقيقة، مع سعي هيئات النفع العام لتلبية الطلب المتزايد على الطاقة الكهربائية، ما زالت تلجأ في الغالب إلى الوقود الاحفوري، أكثر من الطاقة الشمسية أو الرياح.

يقول جوردون فان ويلي، الرئيس التنفيذي في الهيئة التي تدير شبكة الطاقة في نيو إنغلاند، إن الاتجاه في الولاية يسير إلى بناء المزيد من المصانع التي تعمل بالغاز الطبيعي والبترول، وليس الرياح.

وكذلك في كاليفورنيا، أشار جون وايت، المدير التنفيذي لمركز ترشيد استهلاك الطاقة والتكنولوجيا المتجددة في ساكرامنتو، أنه منذ عام 2002، عندما مرر المشرعون شرط المصادر المتجددة، زادت من قدرات مصانع الغاز الطبيعي بمقدار 16 ضعفا أكبر من مصادر الطاقة المتجددة.

وبالفعل، تعتبر كاليفورنيا أكبر مثال على ولاية وضعت أعلى الأهداف في مصادر الطاقة المتجددة وفشلت في تحقيقها. ومن المفترض أن تحصل الهيئات الكبرى هناك على 20 في المائة من طاقتها الكهربائية من مصادر متجددة بحلول عام 2010، ومن المتوقع ألا تلحق معظم الهيئات بذلك التاريخ.

وتحصل هيئة سان دييغو للغاز والكهرباء على 6 في المائة فقط من الكهرباء من المصادر المتجددة، وتبلغ نسبة هيئات أخرى كبرى في الولاية، مثل باسفيك للغاز والكهرباء وساذرن كاليفورنيا إديسون، 14 في المائة و15.7 في المائة، منها طاقة قادمة من السدود. (وتعود نسبة أديسون لعام 2007، أما الرقمين الأخريين فهما أحدث).

ويمكن أن تصل غرامات تأخير تنفيذ الأهداف في موعدها إلى 25 مليون دولار في العام. ولكن بسبب وجود غموض في اللوائح، صرحت هيئتي سان دييغو وباسفيك أنهما لم يكونا يتوقعا تكبدهما غرامات، وصرح ممثل إديسون أنه لم يكن متأكد.

وذكرت الهيئات بيانا بأسباب عدم قدرتها على تحقيق الأهداف. ومن بينها وقف وبداية الحوافز المتعلقة بالضرائب الفيدرالية لمصادر الطاقة المتجددة، ومشكلة العثور على ممولين موثوق بهم من بين الكثير من الشباب والمبتدئين في الصناعة، وصعوبة إنشاء خطوط نقل والحصول على أذون لبناء محطات طاقة شمسية وحقول لتوربينات الرياح.

وتقول ديبرا رييد، رئيسة هيئة سان دييغو للغاز والكهرباء، التي تواجه صعوبة في الحصول على خطوط نقل جديدة في منطقة بها طقس مشمس: «لا تتساوى جميع أنحاء البلاد فيما يتعلق بالمواقع المناسبة للحصول على موارد الطاقة المتجددة».

علاوة على ذلك، بالنسبة للهيئات، تظل الأهداف متغيرة. ومع ارتفاع استهلاك العملاء للكهرباء، تزداد كمية الكهرباء المولدة من طاقة متجددة التي يجب على الهيئات إنتاجها من أجل تحقيق أهدافها. وصرح ستيوارت هيمفيل، نائب رئيس ساذرن كاليفورنيا إديسون، التي تقدم خدماتها لأعداد متنامية سريعا من السكان: «عندما يتم الحكم عليك وفقا لطلب العملاء، فأنت تطارد دائما هدفا متحركا».

وتعد نيويورك حالة أخرى جديرة بالدراسة، حيث تحصل الولاية على 19% من طاقتها الكهربائية من مصانع تعمل منذ عقود على إنتاج الطاقة الكهربائية من القوة المائية، وهي نسبة تتجاوز المعدل الوطني بفارق كبير. وترغب الولاية في زيادة هذه النسبة بمقدار خمس نقاط مئوية أخرى بحلول عام 2013 من خلال الاعتماد على مصادر طاقة متجددة، لكن تبقى مشكلة النقل عائقاً أمام هذا الهدف. كما أن الولاية لم تتمكن من إنتاج حجم كافي من الطاقة الكهربائية من مصادر متجددة يمكنها من الوصول إلى هدفها. وحتى داخل الولايات التي تحرز تقدماً جيداً نحو الوصول إلى أهدافها ـ مثل تكساس ونيو مكسيكو وويسكونسن ـ من الممكن أن تتعرض الجهود على هذا الصعيد للتقويض جراء أزمة الاعتمادات التي ما تزال تتكشف فصولها.

وتخلف هذه الأزمة آثاراً سلبية بصورة خاصة على المشروعات المعنية بمصادر الطاقة المتجددة، نظراً لأن كافة تكاليف مثل هذه المشروعات تقريباً تشكل تكاليف رأسمال مدفوعة مقدماً يجري تمويلها اعتماداً على الديون. وتواجه مصانع الطاقة المعتمدة على استخدام الطاقة الشمسية مشكلات بالغة، لكن الشركات الكبرى تواجه تحديات هائلة هي الأخرى. على سبيل المثال، يرغب الملياردير تي بون بيكنز، الذي يعمل في تكساس بمجال النفط، في بناء مشروع ضخم لاستغلال طاقة الرياح داخل الولاية، لكنه جابه عوائق تمثلت في صعوبة اقتراض المال اللازم. وتتمثل الآلية الوحيدة التي يُمكن للولايات استغلالها لإجبار منشآت النفع العام على الالتزام بالأهداف المحددة سلفاً في فرض غرامات عليها. بيد أن هذه التكاليف سيتم تمريرها في نهاية الأمر إلى مستهلكي الكهرباء أو حاملي الأسهم في الشركات، ولا شك أن أياً من الفريقين لن يشعر بالرضا حيال السياسيين الذين فرضوا عليهم هذا العبء في مثل هذا الوقت العصيب. وربما يفسر ذلك السر وراء أن معظم العقوبات التي تم فرضها حتى الآن جاءت متواضعة في حجمها. يذكر أنه عام 2006، بلغ إجمالي المدفوعات قرابة 18 مليون دولار في ماساتشوسيتس و6.5 مليون دولار في كونيكتيكت، ولا شيء على الإطلاق في جميع الولايات الأخرى، حسبما أشار تقرير وايزر. رغم هذه المصاعب، حظيت فكرة حصص الطاقة بشعبية كبيرة على الصعيد السياسي ـ ما دفع بعض الولايات إلى محاولة رفع مستوى أهدافها. من ناحيته، لم يسمح حاكم ولاية كاليفورنيا، أرنولد شوارزينيجر، للصعوبات التي يجابهها حالياً في الوصول إلى هدف الولاية الراهن بإثنائه عن توقيع أمر تنفيذي مؤخراً يرفع هدف الولاية إلى الحصول على 33% من احتياجاتها من الطاقة من مصادر متجددة بحلول عام 2030. وبالمثل، أقدمت مينيسوتا وماساتشوستس مؤخراً على رفع الحصص الخاصة بهم. من جهتهم، يقول الخبراء إنه حال عدم توفير المزيد من الاهتمام إلى العقبات العملية، بما في ذلك عدم توافر خطوط لنقل الطاقة، سيكون من الصعب الالتزام بهذه الأهداف الجديدة مثلما كان الحال مع سابقتها القديمة.

ومن شأن إقرار مستوى وطني معياري، حال اتخاذ الحكومة قراراً بذلك، زيادة الدافع لإنشاء خطوط جديدة لنقل الطاقة، حيث ستتنامى الحاجة إلى نقل الكهرباء من مناطق البلاد التي تتمتع بوفرة في أشعة الشمس والرياح إلى المدن الكبرى حيث مراكز الاستهلاك الكبرى. من ناحيته، قال وايزر: «ينتهي الأمر إلى خطوط النقل».

*خدمة «نيويورك تايمز»