مجالات التوسع تتركز على الشرق الأوسط وآسيا

في ظل الركود الأول من نوعه منذ 20 عاما في مبيعات السلع الثمينة من المتوقع انخفاض الطلب بنحو 3ـ7% في العام المقبل

أجبر الركود شركات مثل بلغاري وبيربيري وكارتييه على تعديل وجهة نظرهم إزاء الجمال اللافت للنظر والبريق (أ.ب)
TT

بينما تتنهد شعوب العالم بألم وحزن، خلع فرانسيسكو ترابيني ساعته من ماركة بلغاري المصنوعة من الصلب، والذهب الأبيض التي تبلغ قيمتها 10.000 دولار، ليظهر الجانب الداخلي الباهت من سوار الساعة. وكانت شركة بلغاري في السابق تهتم بطلاء الجزء الداخلي من السوار ليتماشى مع بريق الجزء الخارجي من السوار. ويعد هذا التغيير بسيطًا نوعًا ما، إلا أن له أثرًا على التكلفة في ظل الركود الأول من نوعه منذ 20 عامًا في مبيعات السلع الثمينة. وقد أجبر ذلك الركود شركات مثل بلغاري، وبيربيري، وكارتيه، ومونبلان، والكثير من كبار المصممين الآخرين، على تعديل وجهة نظرهم التقليدية إزاء الجمال اللافت للنظر، والبريق. ويعد هذا التحدي البسيط، واضحًا للغاية بالنسبة للمقتنيات المتألقة لدى بلغاري. ففي حالة بلغاري، إذا ما قام تراباني ـ المدير التنفيذي للشركة ـ بتخفيض كبير للغاية، فإنه بذلك سيواجه مغبة الإضرار بصورة الثراء، وخصوصية استخدام مقتنيات هذه العلامة التجارية الشهيرة من قبل النخبة، وهي الصورة التي تم المحافظة عليها طيلة عقود، فضلاً عن دعم بعض نجوم السينما الأجنبية من أمثال نيكول كيدمان، وتشارلز ثيرون، وسكارليت جونسون لهذه الخصوصية، حيث ظهروا وهم يرتدون مقتنيات بلغاري خلال حفلات الأوسكار، ومهرجانات كان. وأوضح تريباني في لقاء أُجري معه من مكتبه المطل على نهر التيبر «بدلاً من التحدث عن النجوم والإنفاق، يجب أن نفكر في ترشيد النفقات، كما أن الرفاهية والترف ليسا استثناء من ذلك».

ولا يعد الترشيد والاقتصاد أمرًا فطريًا لدى تراباني البالغ من العمر 51 عامًا، فهو مالك وقائد بارع لأحد اليخوت، كما أن زوجته أميرة من إمارة ليختنشتاين. وقد أدى سعيه الحثيث إلى الشهرة ـ حتى وقتنا الحاضر ـ إلى تحويل بلغاري من مجرد بضعة متاجر أسسها جده الأكبر، إلى سلسلة متاجر عالمية ذائعة الصيت. ولكن مع الهبوط الطارئ لأرباح الشركة الذي بلغ زهاء 44% خلال الربع الأخير من العام، والانخفاض المفاجئ الذي حدث لأسهمها في السوق المالية، بات واضحًا أنه ليس لديه خيار آخر. فعند اغلاق البورصة يوم الخميس كان سعر سهم بلغاري 4.76 يورو، أي أقل من نصف ما كانت عليه خلال العام السابق. تجدر الإشارة إلى أنه في فترة التسعينات، حدث ما يشبه فورة في مبيعات السلع الثمينة باهظة الثمن، بالإضافة إلى صعود نخبة عالمية جديدة من الأثرياء، أدوا بدورهم إلى تحول الماركات والعلامات التجارية الأوربية من كونها ضئيلة الشهرة إلى ماركات عالمية عملاقة، كما حولت الأماكن التي تعرض الملابس الأنيقة مثل فيفث أفينيو، وبوند ستريت، وشانزليزييه إلى (أسواق تجارية) حقيقية مفتوحة للطبقة فوق المتوسطة. وهناك القليل من الماركات، والعلامات التجارية التي مثلت هذا الاتجاه بشكل أفضل من متاجر بلغاري، التي زاد عددها إلى 259 متجرًا من مجرد 5 متاجر عندما تولى تراباني مهام منصبه كمدير تنفيذي للمجموعة عام 1984. وفي تلك الأثناء بدا أن ثمة نهما لا ينتهي نحو الرغبة في شراء مقتنيات بلغاري الثمينة التي تجمع الأحجار الكريمة مثل الصفير، والألماس، والزمرد، وذلك نظرًا إلى ازدهار مبيعات المتاجر عالميًا، الأمر الذي أدى بدوره إلى ارتفاع عوائد الشركة إلى أكثر من 1.1 مليار يورو، أو 1.41 مليار دولار. ورغم الانهيار الحادث هذا الخريف في وول ستريت، ترأس تراباني افتتاح المتجر الرئيس لسلسلة المعارض التابعة لشركته في باريس، وهو الافتتاح الذي امتلأ بالنجوم، فضلاً عن الظهور الأول لفروع متاجره في الشرق الأوسط، حيث افتتح فرعًا بقسمين منفصلين للرجال والنساء لمتاجره في قطر. أما الآن، فقد تجلت الحقيقة السيئة أمام شركة بلغاري، والصناعة ككل، إذ زاد ضعف مبيعات متاجر صناعة المجوهرات ـ البالغ عمرها 125 عامًا ـ إلى 2% في الربع الثالث من هذا العام. ويسود فكر متشائم لدى المحللين باحتمالية تعافي هذه الخسارة خلال الربع الحالي من العام، وهي الفترة التي يُعزى إليها الحصة الأكبر حجمًا من النتائج السنوية للشركة. كما أنه من المتوقع أيضًا أن ينخفض الطلب على المقتنيات الثمينة بنحو 3ـ7% خلال العام المقبل، حسبما أفادت الدراسة الأخيرة لباين آند كومباني ـ وهي المرة الأولى التي يسجل فيها القطاع انخفاضًا سنويًا في حجم المبيعات منذ أن بدأت باين في تتبع أعمال الشركة أوائل التسعينات. وليس هناك أي بادرة أمل في أن يحدث اندفاع نحو متاجر بلغاري في فيا كوندوتي قبل حلول الكريسماس، حيث اشترى ريتشارد بورتون في إحدى المرات ألماسًا لإليزابيث تايلور، كما أن أسعار المقتنيات الفريدة هناك تبدأ من 70.000 يورو، أو 88.900 دولار. وتقول كلوديا دي أربيتزيو ـ الشريكة في باين، والمتخصصة في السلع والمقتنيات الثمينة: «ليس من الصائب سياسيًا التصرف بتفاخر وتباهي هذا المحيط، وحتى إن لم تتأثر القوة الشرائية للمستهلكين، فسيشعرون أنه من الأخلاقي أن ينفقوا القليل من الأموال، فهم ليسوا في حاجة إلى قطعة المجوهرات الإضافية».

وفي رد فعل على التطورات العالمية، أعلن تراباني عن عملية موسعة لتخفيض النفقات، تتضمن خطط تأجيل افتتاح متاجر جديدة، فيما عدا الأماكن التي تم التوقيع فعليًا فيها لتأجير متاجر جديدة. وأعلنت بيربيري عن مبادرة مشابهة لتلك، فيما ستقصر ريتشمونت ـ مالكة كارتيه، ومونبلان ـ عمليات الافتتاح الجديدة على الأسواق سريعة النمو في الشرق الأوسط، وآسيا. وقالت أنجيلا أهرندث ـ المديرة التنفيذية لشركة بيربيري في مقابلة أُجريت معها: «كانت عمليات التباطؤ السابقة ذات نزعة إقليمية في طبيعتها بصورة كبيرة ومن الممكن أن يدرك الأفراد نهاية اللعبة. إن هذا شيء عالمي. لقد كنا مع مستثمر في الأسبوع الماضي اضطر لإعادة إدارة أسوأ سيناريوهات الحالة 5 مرات في الشهور الخمسة الأخيرة، وما زلنا لم نصل إلى هذه المرحلة بعد».

وأشار تراباني إلى أن شركة بلغاري تعمد أيضًا إلى إعادة عمليات التفاوض في عقود الإيجار الحالية مع ملاك الأراضي، أملاً في ترشيد نفقات الإيجار، فضلاً عن أنها تضغط على الموردين للوصول إلى صفقات أفضل تتعلق بالألماس، والصفير، والأحجار الكريمة الأخرى؛ والتي تعتبر المادة الخام الأساسية في أغلب منتجاتها باهظة الثمن. كما ستطرأ بعض التعديلات البسيطة – على شاكلة سوار الساعة غير البراق - ومن شأن هذه العملية أن تخفض من سعر الساعة قليلاً، وفي ذات الوقت ستعمل على زيادة مبيعات الشركة التي تبيع آلاف الساعات سنويًا، بأسعار تتراوح ما بين 4000ـ32.000 دولار. كما ستطرح الشركة أيضًا عبوات وزجاجات عطور أقل تكلفة من إنتاج الشركة، الذي يقول تراباني أنه من المحتمل ألا يلاحظها المستهلكون. وأضاف تراباني: «نريد أفضل حل بالنسبة لكل من العين والتكلفة، إذ يكمن التحدي في تقليل الخسائر وترشيد النفقات دون التأثير بالسلب على صورة الماركة التجارية أو الجودة»، وتابع حديثه مشيرًا إلى أسورة الساعات قائلاً: «إنها أكثر ارتداءً، وأقل تكلفة».

وعارض تراباني أن يكون هناك توجه لعرض مقتنيات أقل سعرًا، رغم أن هامش الربح قد يميل إلى الارتفاع في المقتنيات الأقل تكلفة، حيث قال: «إن هذا العمل لا يعني أن يتم تخفيض الأسعار لبيع كميات أكبر. إن هذا خاطئ تمامًا».

ومع استبعاد فكرة تخفيض الأسعار، أو إحداث الكثير من التغيرات الجذرية، بات واضحًا أن الكثير من العمليات الداخلية الرئيسة في متاجر بلغاري سيطرأ عليها بعض التغيرات، مثل ورشة العمل التي يتم فيها صناعة أغلى أنواع المجوهرات يدويًا. وهنا حيث يستقر الياقوت الحر، والزمرد، والصفير مثل الأقلام، ومشبك الأوراق على منضدة العمل، يبذل الصائغون جهدًا مضاعفًا ليجعلوا أعمالهم الفنية تتألق في الوقت الذي سيتم التنازل فيه عن من يقومون بمهام الجلي والثقل. هذا فضلاً عن إلغاء نفقات عمل الأوقات الإضافية تقريبًا، في الوقت الذي يندفع فيه 21 صائغًا لصياغة قلادات، أو أقراط أذن لطرحها في الوقت المناسب للإجازات. وبالطبع، لم يتلاش تمامًا الطلب على شراء حلي باهظة الثمن. فخلال الزيارة الأخيرة، كان هناك ثلاثة صائغين منهمكين في العمل لإنهاء بعض قطع الحلي التي طلبها أحد رواد المتجر، ومنها أزرار معدنية تصور عملات يونانية من القرن الخامس قبل الميلاد، وزوج من أقراط الأذن المزدانة بالألماس، والصفير. ويقول نيقولا بلغاري عم تراباني، ونائب رئيس الشركة: «لن نغير لعبة الحياة، والحمد لله على ذلك. فارتداء المجوهرات من متع الحياة بالنسبة للرجال، وزهوهم بأنفسهم. إنه عالم من الهوى، والحماقة. كما أن الرجال دائمًا ما يقعون في غرام النساء، ويريدون جعلهن يشعرن بالسعادة».

وقد يكون على حق، إلا أن السيد بلغاري ـ رغم بلوغه سن الـ67 فإنه ما زال نشيطًا بشأن تصميم المقتنيات باهظة الثمن ـ ويتعين عليه التكيف مع الحقائق الاقتصادية الجديدة: فقد توقف عن إضافة المزيد إلى مجموعته من السيارات الأميركية الكلاسيكية. وأوضح: «إذا احتجت إلى بيع واحدة، فسوف أفعل ذلك» وأضاف أنه ما زال يشتري حصصا في الشركة، التي يتم بيعها علانية. تجدر الإشارة إلى أن أسرته تمتلك حصة مسيطرة. وقال بشأن الأوقات العصيبة: «إنه اختبار للجميع، وأنا أعلم ما يبيعونه في بيرغدورف وساكس، فهم يقومون بتخفيض النفقات بشدة». وأماء إلى أن أعمال العطور لدى شركة بلغاري كانت متألقة للغاية، «فالناس يشترون العطور كما لم يحدث من قبل، وهذا يعد عزاء كبيرًا، فهي ليست غالية الثمن، لذا فأنت لا تشعر بأنك مذنب». وستتفق معه بالتأكيد جيوفانا غامبريللي. وعلى بعد ياردات قليلة من ورشة العمل التي يعمل بها الصائغون على صياغة قطع المجوهرات المطلوبة من قبل إحدى الرواد مرتدين النظارات السميكة، وتحت حراسة أمنية مشددة، كانت غامبريللي متجهة للتسوق في الفترة الأخيرة بمصنع لبلغاري غير معروف بالمنطقة الصناعية بالقرب من روما. وتتذكر غامبريللي – البالغة من العمر 39 عامًا، والمرتدية لساعة رولكس رياضية، وسوار لتيفاني ـ كيف تسوقت منذ قرابة 3 سنوات في متجر فيا كوندوتي. وفي هذا العام كانت عيناها تشاهدان المقتنيات، وعليها علامة خضراء صغيرة تشير إلى عمليات تخفيض كبيرة، وقالت: «اذا لم ترغب في المجموعة الجديدة، يمكنك شراء أي شيء هنا والحصول على تخفيض قدره 40%».

* خدمة «نيويورك تايمز»