اليابان: مصنع جديد للتلفزيونات تصل تكلفته إلى 10 مليارات دولار

16 % من إجمالي الإنتاج المحلي لإقامة مصانع جديدة

حافظت الشركات اليابانية حتى الآن على مستويات مرتفعة في المشروعات الاستثمارية في الإنتاج والأبحاث والتطوير أكثر من شركات في دول أخرى (أ.ب)
TT

على الرغم من التباطؤ الاقتصادي السريع، ما زالت مجموعة كبيرة من الروافع تعمل بهمة في عدد من المصانع، التي تبنيها شركة شارب اليابانية في هذه المدينة الساحلية.

وسينتج مجمع المصانع، الذي تبلغ تكلفته 10 مليارات دولار، والمكون من صفوف من المباني في حجم حظائر الطائرات، ما يصل إلى 13 مليون جهاز تلفزيون بشاشات إل سي دي مسطحة، بحلول عام 2010.

ويقول محللون في مجال الصناعة، إنه إذا لم يعد طلب المستهلكين إلى مستواه بحلول ذلك الوقت، وإذا لم يتوقف هبوط أسعار الأجهزة ذات شاشات إل سي دي، لن يزيد المشروع على كونه أكثر المنشآت الصناعية تكلفة في العالم. ولكن تقول شركة صناعة التلفزيونات اليابانية، إن ما تفعله شيء آخر، وأنه أحد أسباب بقائها، وخاصة في الأوقات الصعبة.

ويقول نوبويوكي سوغانو، وهو مسؤول تنفيذي في شركة شارب، «نحتاج إلى تبني نظرة بعيدة المدى. وإذا خفضت شركات أخرى النفقات، يمكننا البقاء في المقدمة». وفي جميع أنحاء العالم، تستعد الشركات للأوقات الصعبة بتقليل الإنفاق وتسريح العمالة والتخلي عن مظاهر الرفاهية، مثل أعمال الأبحاث والتطوير والتوسع. وفي الولايات المتحدة، بدا أن الكثيرين يؤيدون ترك صناعة السيارات تنهار تحت وطأة تكاسلها. وبالطبع، تقلص الشركات اليابانية من أعبائها، ففي يوم الأربعاء، أعلنت شركة سوني أنها ستستغني عن 8 الاف وظيفة. ولكن، يخفض الكثير من الشركات اليابانية، التي تعلمت الدرس من ماضيها، بنسبة أقل من منافسيها، بل وتستثمر بدلا من ذلك من أجل اليوم الذي ينتهي فيه التراجع الاقتصادي، بغض النظر عن الفترة التي يستغرقها ذلك. وتقول كوميكو كاكينو، المتحدثة الرسمية باسم شركة سانيو، التي رفضت تقليص حجم استثماراتها في مصانع البطاريات والألواح الشمسية الجديدة، «طالما لم تتوقف مبيعاتنا تماما، علينا الاستمرار في استثماراتنا. وإذا توقفنا، سيتمكن منافسونا وخصومنا من اللحاق بنا سريعا». وتنشأ هذه الحاجة بعد تعلم الشركات دروسا مريرة من الركود الذي حدث في التسعينات، ففي تلك الفترة، قلصت الشركات اليابانية من حجم مصانعها وأعمال التطوير، بسبب نقص السيولة، مما جعلها تخسر موقعها لصالح منافسين تايوانيين وكوريين. وبينما كان من المبكر الحصول على أرقام، إلا أن العديد من المحللين الاقتصاديين والصناعيين يقولون، إن الشركات اليابانية حافظت حتى الآن على مستويات مرتفعة في المشروعات الاستثمارية في الإنتاج والأبحاث والتطوير أكثر من شركات في دول أخرى. وبدلا من تسريح أعداد كبيرة من العمال أو تقليص العمليات، تستغني الشركات اليابانية عن الموظفين الذين يعملون لبعض الوقت، (حيث ما زال تسريح الموظفين الذين يعملون في دوام كامل أمرا محظورا). ويقل عدد المصانع الجديدة التي تؤجل الشركات اليابانية العمل فيها أو تلغيه مقارنة بأي دولة أخرى.

أحد الأسباب هو أن الشركات اليابانية تملك احتياطيا نقديا كبيرا كونته أثناء فترة تعافي اليابان في بداية العقد الحالي. ويكمن سبب آخر في أنه على خلاف ما يحدث في الولايات المتحدة، لا يملك حاملو الأسهم الحق في طلب دفع ارباح. وفي الحقيقة، إذا كان هناك سر وراء نجاح قطاع الصناعة اليابانية القوي، فربما يكمن في الرغبة في إعادة استثمار جزء كبير من الأرباح في مصانع ومراكز أبحاث جديدة. لقد أفضى تحرك اليابان من أجل بناء مصانع أكبر وأكثر تقدما إلى ازدهار في الإنشاء الصناعي، مما أنعش الاقتصاد في مطلع العقد الحالي. كما أنه زود البلاد بأكثر خطوط الإنتاج تقدما، في محاولة للدفاع عن صدارتها التكنولوجية على بقية دول آسيا. وقد ساعد الابتكار الياباني أيضا على امتلاء المحلات وصالات العرض الأميركية بأجهزة وأدوات أرخص وأكثر تطورا.

ويقول روبرت فيلدمان، الخبير الاقتصادي في مورغان ستانلي في اليابان، «ترى اليابان مستقبلها يعتمد بصورة كبيرة على المصروفات الرأسمالية أكثر مما يفعل الأميركيون أو الأوروبيون». مستخدما «مصطلح المصروفات الرأسمالية» للإشارة إلى الاستثمار في إنشاء مصانع جديدة وتزويدها بالمعدات. كما أن الحاجة هي أمّ الاختراع. وأشار فيلدمان إلى أنه مع عدد سكان اليابان المتضائل، من المرجح أن تحاول الشركات سد الثغرات بالاستثمار بكثرة في المعدات الموفرة للعمالة، مثل الروبوتات.

ومن المؤكد أن التراجع الاقتصادي العالمي أثر على أرباح الشركات اليابانية وتسبب في ركود اقتصادها، الذي تبلغ قيمته 5 تريليونات دولار، وهو ثاني اكبر اقتصاد بعد الولايات المتحدة. ويقول الاقتصاديون إنه ما زالت هناك فترات أصعب في المستقبل، حيث من المتوقع أن يكون موسم التسوق من أجل أعياد الميلاد في أميركا من أضعف المواسم. وقد أدى ذلك إلى تخفيض في الإنفاق. وأعلنت شركة تويوتا، التي توقعت في بداية هذا الشهر أول انخفاض في أرباحها السنوية منذ تسعة أعوام، أنها ستخفض مصروفات رأس المال بنسبة 5.4 في المائة في العام الحالي. وأعلنت شركات متميزة من بينها فوجيتسو وكانون أيضا تخفيضها للمصاريف الرأسمالية، وفي الوقت نفسه، أصبحت شركة سوني، التي أعلنت الاستغناء عن وظائف وأنها تقلل من مشروعاتها الاستثمارية في الإلكترونيات بمقدار الثلث، لتصبح كما لو كانت جنرال موتورز اليابانية، حيث فقدت الشركة التي أنتجت ووكمان وبلاي ستيشن، شهرتها الإبداعية لصالح شركات منافسة، مثل آبل ونينتندو. وفي الوقت ذاته، تواجه تحديا من منافساتها من الصين وكوريا الجنوبية التي تقدم أسعارا أقل.

وأشارت البيانات التي أعلنتها الحكومة الشهر الماضي، الى أن إنفاق الشركات على المصانع والمرافق الأخرى هبط بنسبة 2 في المائة في الربع السنوي الماضي المنتهي في سبتمبر (أيلول)، وهو ثالث هبوط متتابع في الربع السنوي. وكانت هذه الانخفاضات عاملا رئيسا في انزلاق اليابان إلى مرحلة الركود.

ويقدر كبير الاقتصاديين اليابانيين في غولدمان ساكس، تيتسوفومي ياماكاوا، أن مثل تلك الاستثمارات ستنكمش بنسبة 1.8 في المائة في العام الحالي و2.1 في المائة في عام 2009 قبل أن تعاود النمو ببطء. ويقول ياماكاوا: «لقد كان معدل التباطؤ في المصروفات الرأسمالية أكثر حدة مما توقعنا».

ولكن يقول ياماكاوا واقتصاديون آخرون إنهم يتوقعون أن تظل اليابان متقدمة على أميركا في الإنفاق على إنشاء مصانع جديدة، حتى أثناء فترة التراجع الحالية. وفي العام الماضي، كما يوضح ياماكاوا، أنفقت اليابان 16 في المائة من إجمالي إنتاجها المحلي على إقامة مصانع جديدة وعمليات إنتاج. ورغم قلة ذلك عن نمو اليابان الكبير الذي كان في فترة الثمانينات، عندما كانت تنفق 25 في المائة، إلا أن النسبة ما زالت مرتفعة مقارنة بـ11 في المائة في الولايات المتحدة.

ولكن تعرف اليابان أيضا جيدا جدا مخاطر زيادة القدرات بصورة مفرطة. وقد كان السبب الحقيقي في الانكماش الاقتصادي (انخفاض الأسعار المزمن) الذي أرهق الاقتصاد الياباني في التسعينات، هو المبالغة في الإنفاق على القدرات الإنتاجية، ما دفع بالشركات إلى تخفيض الأسعار. وكذلك، يحذر محللو صناعة الإلكترونيات من أنه إذا استمر الاستهلاك العالمي في الهبوط، ستنفد الاحتياطات الموجودة لدى الشركات اليابانية.

ويقول كويا تاباتا، محلل الإلكترونيات في طوكيو في كريدي سويز، «لا يمكنهم المحافظة على ذلك المستوى من الإنفاق إلى الأبد». ولكنه أضاف أنه في الفترة الحالية، تفوق شركات اليابان منافساتها الآسيويات في كوريا الجنوبية وتايوان في الإنفاق.

ولا يوجد مكان يبدو فيه الميل المذهل لإقامة استثمارات المصانع أكثر من ساحل غرب اليابان في خليج أوساكا. وقد شهدت هذه المنطقة الصناعية سابقا ازدهارا في إنشاء مصانع إلكترونيات وأجهزة تلفزيون كبرى. وتبني شركة باناسونيك ما تسميه أكبر مصنع تلفزيون بلازما في العالم في أماغاساكي، وهو مصنع تبلغ تكلفته 2.9 مليار دولار، وسينتج 12 مليون جهاز تلفزيون في العام عندما ينتهي العمل فيه العام المقبل. وتتوسع شركة سانيو في بناء مصنعين من أجل إنتاج بطاريات الليثيوم، وهو النوع المستخدم في أجهزة الكومبيوتر المحمولة والهواتف الجوالة.

ولم يتوقف عمل الرافعات في أكبر مشروعات خليج أوساكا، وهو مجمع شارب الذي يقام في موقع مصنع سابق للصلب. وعلى الرغم من تقليل ميزانية رأس المال الإجمالية في العالم الحالي بنسبة 10 في المائة، لتصل إلى 3.2 مليار دولار، تذكر شركة شارب أنها لن تبطئ من أعمال بناء المجمع، الذي يصنع أيضا لوحات الطاقة الشمسية. وتتوقع شارب أن يظل الطلب العالمي على التلفزيونات ذات الشاشات المسطحة ولوحات الطاقة الشمسية ثابتا حتى خلال التراجع الاقتصادي، حيث يغير المستهلكون العالميون تلفزيوناتهم القديمة، ويعتنقون مبدأ استخدام الطاقة المتجددة. وعندما يفتتح المصنع، من المتوقع أن يعمل فيه 10000 شخص ويضيف إلى 11 مليار دولار سنويا الى النشاط الاقتصادي. ولكن هناك مخاوف متزايدة في مدينة ساكاي ذاتها من أن المجمع قد يلقى مصير مصنع الصلب الذي كان مكانه. ويشعر الكثيرون هنا بالخوف من أن التراجع الاقتصادي الحالي ربما ينهي الفترة القصيرة التي استعادت المدينة فيها نشاطها حتى قبل أن يفتتح المصنع.

ويقول تاكايوكي كانيموتو، مدير شعبة ترويج الاستثمارات في مجلس مدينة ساكاي، «تخبرنا شركة شارب ألا نقلق، لذا نظل متفائلين. ولكن لا يمكننا أن نعرف ما الذي سيحدث في الأسبوع المقبل، فما بالك بما سيحدث بعد عامين».

* خدمة «نيويورك تايمز»