صور قاتمة يرسمها صندوق النقد والبنك الدولي عن اقتصاد العالم لعام 2009

تقرير: حجم التجارة العالمية ينخفض 2.5% ومعدل الاستثمار بنسبة 50%

المدير العام لصندوق النقد الدولي الفرنسي دومينيك ستروس كان قال ان هذه الأزمة ستكون في كل مكان وفي العالم بأسره (أ.ف.ب)
TT

بعد الصورة القاتمة التي رسمها البنك الدولي هذا الأسبوع عن الاقتصاد العالمي جاء صندوق النقد الدولي المؤسسة العالمية الأخرى المعنية بالأوضاع الاقتصادية العالمية ليؤكد هو الآخر حجم الأزمة التي تعصف بدول العالم.

وصرح في هذا الصدد المدير العام لصندوق النقد الدولي الفرنسي، دومينيك ستروس كان، الذي يزور كوستاريكا ان الازمة المالية «ترتدي طابعا عالميا» وستكون في العام 2009 أسوأ مما هي عليه في هذا العام ولن يفلت منها اي بلد.

وقال ستروس كان في مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس كوستاريكا اوسكار ارياس أمس ان «عام 2008 كان عاما صعبا بالنسبة للاقتصاد العالمي ولكن لن نتمكن في أي حال من الأحوال ان نأمل بان يكون العام 2009 افضل».

وأضاف «هذا الأمر سيكون في كل مكان وفي العالم بأسره، في الولايات المتحدة وفي اوروبا»، مضيفا ان «صندوق النقد الدولي يتوقع نموا سلبيا العام المقبل».

ويقوم دومينيك ستروس بجولة في اميركا الوسطى ودول الكاريبي. وأوضح، في تصريحات اوردتها الوكالة الفرنسية، ان جولته تهدف الى تحليل الاجراءات الممكنة لمواجهة الازمة مع مختلف دول المنطقة وتقديم دعم مالي لها اذا تطلب الأمر ذلك.

وكان البنك الدولي قد حذر هو الآخر هذا الأسبوع من أن العالم ربما يشهد أسوأ حالة ركود اقتصادي منذ الكساد الكبير، حيث تعصف الأزمة المالية الضخمة بالاستثمار العالمي مع انخفاض أسعار السلع بشكل كبير، ما يسفر عن أضرار بالغة بصادرات الدول الفقيرة.

وخفض البنك الدولي تقديراته السابقة بشأن نمو الاقتصاد العالمي إلى 2.5 في المائة لعام 2008 0.9 في المائة لعام 2009 أي أقل من 3 في المائة وهو الحد الفاصل بين النمو الاقتصادي العالمي والانكماش.

وقال كبير المحللين الاقتصاديين في البنك الدولي، جاستين لين، عقب صدور التقرير السنوي للمجموعة حول الاقتصاد العالمي إنه «من المتوقع أن ينجم عن الأزمة المالية أسوأ حالة ركود يشهدها العالم منذ الكساد الكبير الذي حدث خلال ثلاثينيات القرن العشرين».

وأضاف البنك أن التباطؤ الاقتصادي الحالي استمر طويلا وامتد أثره بصورة أكبر من حالات الركود التي حدثت في العقود السابقة، ما أدى إلى حدوث انكماش اقتصادي في معظم الدول المتقدمة وتباطؤ حاد في اقتصاديات الدول الصاعدة.

وأشارت تحليلات البنك إلى عدد من مؤشرات تباطؤ حاد، فحجم التجارة العالمية سوف ينخفض بنسبة 2.5 في المائة عام 2009 وهو أول انكماش في حجم التجارة منذ عام 1982، كما سيهبط معدل الاستثمار العالمي بنسبة 50 في المائة عام 2009 مقارنة بعام 2007.

يشار إلى أن الأزمة المالية أدت إلى تراجع الحصول على قروض في الدول المتقدمة والنامية والتي سحبت استثماراتها من الدول الفقيرة وقللت معدل إنفاق المستهلك. وأعلن البنك الدولي أنه ثبت أن كل الدول عرضة للتأثر بالأزمة المالية وأن اقتصاديات دول أوروبا والولايات المتحدة واليابان تمر بمرحلة انكماش اقتصادي بالفعل، كما أن معدل النمو في العالم النامي سوف ينخفض ليصل إلى نسبة 4.5 في المائة عام 2009 مقابل 7.9 في المائة في 2007.

وقال البنك إن الارتفاع القياسي في أسعار الطاقة والغذاء والمعادن خلال النصف الأول من عام 2008 أدى إلى تراجع ما بين 130 و155 مليون شخص إلى ما دون خط الفقر حيث تكافح الأسر لتأمين الحصول على الغذاء والوقود.

غير أن الانخفاض الحاد في أسعار السلع منذ صيف 2008 أضر بصادرات الدول لفقيرة وزاد من حدة حالة الركود العالمي.

وتوقع البنك أن تتراوح أسعار النفط عند 75 دولارا للبرميل عام 2009. وجاءت التكهنات أقل بكثير من النسبة التي تنبأ بها صندوق النقد الدولي عام 2009 والتي بلغت 2.2 في المائة.

وكانت الدول العظمى قد حثت صندوق النقد الدولي على تقديم القروض للدول الناشئة حتى تتمكن من انعاش اسواقها والحد من انهيارها، الأمر الذي قد يقود الى حالة من الفوضى الاجتماعية فيها. وقال الصندوق ان لديه 250 مليار دولار يمكن استخدامها في دعم هذه الأسواق في اسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية وأوروبا الشرقية والوسطى. ومن الدول التي تقدمت الى الصندوق لطلب المعونة باكستان وهنغاريا وآيسلاندا، التي واجهت الإفلاس التام.

ونفت سلطات كوستاريكا ان تكون زيارة المدير العام لصندوق النقد الدولي متعلقة بطلب للحصول على قرض من الصندوق لتغطية العجز في البلاد. وكان ستراوس كان الذي وصل الاثنين الى كوستاريكا طلب الأربعاء من سلطات هذا البلد اعتماد خطط تساهم في النهوض الاقتصادي بدل اعتماد اقتطاعات اضافية من الفوائد لمواجهة الازمة المالية. وقال في كينغستون عاصمة جامايكا، ان «الدول التي كان يفترض ان تكون اكثر متانة وتملك القدرة على تمويل جهود جديدة وتلك التي مستوى ديونها يمكن احتماله على الامد الطويل، يجب ان تكون في الخط الامامي لدعم الطلب العالمي».

وكان ستروس قد دعا الاربعاء دول العالم الى اعتماد خطط للانعاش الاقتصادي بدلا من خفض إضافي في معدلات الفائدة الأساسية في الازمة الحالية، وقال «عندما يتعثر الاقتصاد الحقيقي لا يؤدي تخفيف السياسة النقدية بالضرورة التهدئة القلق الذي تواجهه الشركات في قراراتها الاستثمارية».

وفي هذا الاطار أنهى برلمان لاتفيا أمس الجمعة جلسته الماراثونية التي بدأت أول من أمس الخميس لمناقشة بشأن خطة الحكومة خفض حجم الموازنة العامة للبلاد بهدف الحصول على قرض من صندوق النقد الدولي في إطار حزمة مساعدات اقتصادية خارجية بقيمة ستة مليارات دولار.

وقد نجا وزير المالية اللاتفي أتيس سلاكتريس الذي قاد مفاوضات بلاده مع صندوق النقد من تصويت بسحب الثقة منه خلال مناقشة الخطة الحكومية. ورغم أنه لم يتأكد رسميا فهناك اعتقاد بأن صندوق النقد الدولي لن يمنح لاتفيا القرض إذا لم تقدم الدولة دليلا ملموسا على التزامها بتنفيذ إصلاحات اقتصادية في صورة دعم واسع من جانب جميع الأحزاب لخطط خفض الإنفاق.

وهذه الشروط التي يضعها الصندوق للقروض هي السبب الأساسي وراء تلكؤ العديد من الدول في حصولها عليها منه. وفي اجتماع واشنطن للدول العشرين كانت هناك مطالبات بتغيير هذه الشروط وكذلك الأسس التي اقيم عليها الصندوق عام 1944. واعلن البنك الدولي هو الآخر عن إطلاق عرض عاجل للقروض بدون فوائد للبلدان الأكثر فقرا في العالم بقيمة ملياري دولار. وقال البنك الدولي في بيان "ان الرد العاجل على الازمة التي تواجهها الجمعية الدولية للتنمية والذي وافق عليه الثلاثاء الماضي مجلس ادارة البنك الدولي، سيسمح لمجموعة البنك الدولي بتقديم تمويل سريع لبرامج الأمن الاجتماعي والبنى التحتية والتعليم والصحة».

والجمعية الدولية للتنمية هي فرع للبنك الدولي تقدم قروضا لـ78 من الدول الأكثر فقرا. ومواردها المتوافرة تبلغ 42 مليار دولار بحسب البنك الدولي. وفي السنة المالية 2007-2008 (انتهت في أواخر يونيو/ حزيران) ارتفعت التزاماتها بين قروض وإعانات واستثمارات وضمانات، الى 2.11 مليار دولار.

وقال رئيس البنك الدولي روبرت زوليك «لا نستطيع السماح لأنفسنا بمزاولة العمل المعتاد. فنحن بحاجة لخطة انقاذ بشرية وليس فقط خطة انقاذ مالية، كما نحن بحاجة لقدرة رد جديدة للتأكد من ان المال يصل بسرعة الى حيث هناك ضرورة كبرى له».