90 ألف عامل مغربي مهددون بفقدان الحق في التعويضات العائلية

حملة لمحاربة غش الشركات في التصريح بالأجور للضمان الاجتماعي

سعيد أحميدوش مدير عام صندوق الضمان الاجتماعي المغربي(تصوير: مصطفى حبيس)
TT

أعلن «الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي» المغربي إطلاق حملة وطنية لمحاربة غش الشركات في التصريح بأجور العمال. وقال سعيد أحميدوش، مدير عام الصندوق، أمس خلال مؤتمر صحافي في الدار البيضاء، إن 43 ألف شركة مغربية تغش في تصريحاتها بأجور العمال الذين تشغلهم. وأكد أحميدوش أن الصندوق، الذي قرر إطلاق حملة تفتيش واسعة النطاق، عازم على اتخاذ كل الوسائل التي يخولها له القانون لوضع حد لهذه الوضعية وتقويم الشركات المخلة بواجب التصريح بالقيمة الحقيقية لأجور عمالها وإجبارها على أداء ما بذمتها من المتأخرات الناتجة عن الاختلال بتصريحاتها السابقة. وتأتي هذه الحملة في سياق تطبيق نتائج مسلسل الحوار الاجتماعي بين الحكومة والمشغلين النقابات ـ الاتحادات العمالية، والذي شكل قرار الزيادة بنسبة 33.3 في المائة في قيمة التعويضات العائلية التي يصرفها الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي للعمال أحد أخباره السارة بالنسبة للطبقة العاملة المغربية. وكان لإعلان هذا القرار في نهاية أبريل (نيسان) الاخير، الذي تم تنفيده منذ بداية يوليو(تموز) الماضي ضمن سلسلة من الإجراءات الهادفة إلى تحسين القدرة الشرائية للطبقة العاملة المغربية، الأثر الحميد في التخفيف من حدة الاحتقان الاجتماعي الذي عرفه المغرب مطلع العام الجاري بسبب الغلاء والتضخم. غير أن الزيادة في التعويضات العائلية، التي ارتفعت إلى 200 درهم عن كل طفل في الشهر، وأصبحت تشكل دخلا لا بأس به بالنسبة للأسر العمالية التي تشير الإحصاءات إلى أنها تضم في المتوسط 3 أطفال على الأقل، كانت مرتبطة بمجموعة من الشروط التي توازنها، وعلى رأسها زيادة رسم الانخراط الشهري الذي تؤديه الشركات للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي من 6 في المائة إلى 6.4 في المائة من قيمة الأجور، واشتراط أن تفوق قيمة الأجر الشهري المصرح به 60 في المائة من الحد الأدنى للأجور لكي يستفيد الأجير من التعويضات العائلية. وأوضح أحميدوش أن الهدف من هذه الشروط هو ضمان التوازن المالي للعملية. وقال «صحيح أننا مؤسسة عمومية للخدمة الاجتماعية، ولكننا نتصرف كمؤسسة تجارية، ونضع دائما نصب أعيننا الحفاظ على التوازنات المالية للنظام وضمان شروط استمراره». وأوضح أحميدوش أن ربط الاستفادة من التعويضات العائلية بتوفر حد أدنى من الأجر أمر منطقي لأنه لا يعقل أن تفوق قيمة التعويضات العائلية قيمة الأجر الشهري. وأشار إلى أن الهدف من تحديد هذا الشرط ليس هو تشجيع الشركات على عدم احترام الحد الأدنى القانوني للأجور في الوسط الصناعي، ولكن الهدف هو عدم حرمان بعض العمال الذين يشتغلون في قطاعات هشة، كالنساء اللواتي يمارسن مهن التنظيف واللواتي لا يعملن سوى ساعتين أو ثلاث ساعات في اليوم، من الاستفادة من التعويضات العائلية، مشيرا إلى أن الأجر الشهري لهؤلاء غالبا ما يكون جدَّ متواضع رغم احترام المشغل للحد الأدنى القانوني للأجور في الأجر المؤدى عن ساعات العمل. وأضاف أن الحد الأدنى من الأجر المشترط من أجل الاستفادة من التعويضات العائلية كان محددا في السابق في سقف 500 درهم (57 دولارا) في الشهر، وهو مبلغ ضعيف جدا. ومع ربطه بالحد الأدنى القانوني للأجور ارتفع هذا الحد الأدنى المشترط للاستفادة من التعويضات العائلية إلى 1265 درهما (144 دولارا)، إذ يبلغ الحد الأدنى القانوني للأجور بالمجال الصناعي حاليا 10.14 درهم (1.15 دولار) للساعة. وأضاف أحميدوش أن العديد من الشركات كانت تغش في تصريحاتها، وتكتفي بالإدلاء بالحد الأدنى المطلوب لحصول العامل على التعويضات العائلية. وتكون المفاجأة بالنسبة للعامل صادمة عندما يبلغ سن التقاعد ويكتشف أن معاشه سيتم احتسابه على أساس ذلك الأجر الهزيل الذي صرح به مشغله. وأشار أحميدوش إلى أن نحو 43 ألف شركة تصرح بأجور هزيلة لا تعكس الواقع، خاصة في قطاعات الخدمات للمقاولات (الحراسة والتنظيف والعمل المؤقت)، والبناء والأشغال العمومية، وصناعة المصبرات، والنسيج والألبسة. وقال أحميدوش «مع بداية يوليو الماضي، نفذنا جزء الاتفاق الذي تم التوصل إليه في إطار الحوار الاجتماعي والمتعلق بالزيادة في قيمة التعويضات العائلية بغض النظر عن توفر الشروط المتطلبة من أجل ذلك. وقررنا انتهاج مقاربة تدرجية من أجل حث الشركات على تعديل تصريحاتها بشكل ودي، مع منحها أجلا حتى بداية السنة المقبلة قصد التسوية النهائية لوضعيتها. أما الآن وبعد استنفاد أساليب الحوار والتشاور، سنكون مجبرين على المرور إلى مرحلة أكثر تشددا من المراقبة والتفتيش». وأشار أحميدوش إلى أن 90 ألف عامل مهددين بتوقف استفادتهم من التعويضات العائلية مع بداية العام المقبل مع كل ما يعنيه ذلك من احتقان اجتماعي إذا لم يتم تدارك الأمر. وأضاف أن الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي قام بحملة توعية في اتجاه الشركات عبر البعث برسائل يشرح فيها النظام الجديد. وقامت فرقه ومندوبوه بزيارات إلى الشركات الكبرى التي لا تصرح بحقيقة أجورها من أجل الحوار والتشاور مع أصحابها بهدف التوصل إلى حلول تفاوضية، مبرزا أن الزيارات شملت 986 شركة تشغل 281 الف عامل، والتي تصرح بأجور أقل من الحد الأدنى المطلوب للاستفادة من التعويضات العائلية بالنسبة لنحو 159 ألف عامل. وأضاف أن هذه المبادرة أسفرت عن تسوية وضعية 34 ألف عامل. وأوضح أحميدوش أن الهيكلة الجديدة للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي فصلت بين قطب الخدمات الاجتماعية وقطب المراقبة والتفتيش الذي جرى تعزيزه وتقوية قدراته ونجاعته، خاصة على المستوى الفني. وابرز أن الصندوق أصبح يتوفر على صلاحيات واسعة من أجل فرض قراراته على الشركات المخلة بواجباتها الاجتماعية وإجبارها على التقويم، مضيفا أن الصندوق أصبح يمتلك العديد من وسائل الضغط التي تمكنه من إجبار الشركات على أداء ما بذمتها اتجاهه، والتي ذكر منها على الخصوص إمكانية التعرض على صفقات الشركات المخلة بواجباتها وعلى حساباتها المصرفية وديونها لدى العملاء. وإذا كان عمل فرق المراقبة والتفتيش التابعة للصندوق ناجعا عندما يتعلق الأمر بالشركات الكبيرة والمهيكلة، فإن هذه الفرق تقف عاجزة أمام عشرات الآلاف من الشركات الصغيرة جدا، مما يعني أن عشرات الآلاف من العمال الذين يستفيدون اليوم من التعويضات العائلية سيحرمون فعلا من حقهم في هذه التعويضات مع بداية السنة، ناهيك من مئات الآلاف من العمال غير المصرح بهم بصورة نهائية لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، والذين يقدر أحميدوش عددهم بنحو 1.5 مليون عامل. ويقول «ما أطلبه من العمال المتضررين هو توجيه شكاوى للصندوق، ونتعهد بدراستها واتخاذ التدابير اللازمة للدفاع عن حقوق الطبقة العاملة». وأشار الى أن الصندوق يتجه نحو تعميم عملية تسديد التعويضات العائلية مباشرة للعمال عبر تحويلها إلى حساباتهم البنكية أو وضعها رهن إشارتهم لدى مؤسسات مصرفية ابتداءً من شهر مارس (اذار) المقبل، بعد أن كانت تسدد إليهم من قبل عن طريق المشغل. وقال إن عددا من المشغلين غير النزهاء كانوا يستولون على تلك التعويضات ولا يسلمونها للعمال.