روسيا تشهد عملية استثمارات داخلية وإنفاقاً اجتماعياً ضخماً.. لمواجهة الأزمة المالية

توقعات بانخفاض معدلات النمو للعام الحالي 50%

TT

حددت روسيا هذا العام أهدافها في التنمية حتى عام 2012 بيد أن خطة الميزانية التي تستمر أربعة أعوام تكاد لا تتماشى مع الواقع، الأمر الذي لم تجد حتى وزارة المالية مناص من الاعتراف به. فقد خفض خبراء الاقتصاد توقعاتهم للنمو في روسيا إلى النصف مع حساب الكلفة الحقيقية للجمود الائتماني والتراجع الحاد في أسعار سلع التصدير الروسية الرئيسية، لكن يبدو أن موسكو ستمضي قدماً في سياسة خارجية موسعة وبنية أساسية داخلية طموحة وإنفاق اجتماعي ضخم. وبينما عمدت الحكومات في مختلف أرجاء المعمورة من فورها لتبني حزم إنقاذ للقطاعات التي طالتها الازمة فان رد فعل موسكو المبدئي كان الاعلان أن البلاد محصنة ضد الازمة.

وتزهو خطة 2012 بالانفاق الذي يشمل تخصيص 50 في المائة للدفاع، وهي تستهدف تنمية «تتماشى مع وضع روسيا كواحدة من القوى العالمية الكبرى في القرن الـ21» بحسب الوثيقة التي بثت على الموقع الالكتروني للحكومة الروسية. الا ان وكالة الانباء الالمانية اوضحت ان الميزانية وضعت على أساس سعر للبترول هو 95 دولارا للبرميل. والآن وقد تهاوى سعر النفط إلى نصف هذا السعر بدا يلوح في الأفق أن ثمة عجزا بقيمة تريليون روبل (36 مليار دولار) بحسب مسؤولين. لكن سيتم تعويض هذا بالتعويل على احتياطات روسيا الهائلة من عائدات النفط. ولمح وزير المالية اليكسي كودرين الذي دافع عن صندوق الاحتياط ضد عمليات الانفاق الشعبي العشوائية إلى مدى خطورة تداعيات الازمة في الداخل بإعلانه أن الأيام العصيبة قد حلت. وحذر خلال اجتماع لمجلس الوزراء من أن النمو لن يتجاوز 3 في المائة، وخفض من التقديرات الخاصة بسعر النفط في الميزانية إلى 55 دولارا للبرميل. ووقع الرئيس ديمتري ميدفيديف مشروع الميزانية، محولا إياها إلى قانون خلال جولة دبلوماسية سريعة في أميركا اللاتينية التي كان موجودا بها في إطار إحياء النفوذ الذي كان للاتحاد السوفياتي السابق في الفناء الخلفي التقليدي لواشنطن. وكانت ابرز فعاليات الجولة زيارة إلى كوبا حليف الاتحاد السوفيتي السابق وإجراء مناورات عسكرية مشتركة مع فنزويلا في الكاريبي حيث قال محللون إنها ترقى إلى رد روسيا على ما تعتبره موسكو تدخلا من جانب الولايات المتحدة في الدول التي كانت تدور في فلك الاتحاد السوفياتي السابق فضلا عن الخطط الاميركية لنشر نظام للدفاع الصاروخي في شرق اوروبا.

وفي الداخل، تعهد رئيس الوزراء صاحب النفوذ القوي فلاديمير بوتين بالمضي قدماً في عملية الاستثمار الضخم بغية إصلاح الطرق والمستشفيات التي تعود للعهد السوفياتي. كما وعد كذلك بزيادة الإنفاق الاجتماعي بصورة هائلة. وقال بوتين في خطاب ألقاه في 20 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي «لقد تراكمت لدينا احتياطات مالية هائلة ستمنحنا مزيداً من القدرة على المناورة تسمح لنا بالحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي. علينا مسؤولية أن نخرج من هذه الازمة أقوى وأكثر قدرة على المنافسة». وتأتي هذه التأكيدات في مواجهة أرقام وزير المالية كودرين الذي يعتقد أن شبكة الأمان المالي ستتهاوى في غضون ثلاث سنوات في ظل معدلات الإنفاق الحالية.

وتأتي العملية الرسمية لتبييض وجه الوضع الاقتصادي في اطار جهد يستهدف في جانب منه على الاقل منع الهرولة إلى البنوك من قبل كثيرين يحملون ذكريات أليمة لحالة شبه الافلاس التي المت بالدولة عام 1998 عندما تبخرت مدخرات العمر بالنسبة للملايين بين عشية وضحاها.

وتعهد بوتين بان يفعل «كل شيء» من أجل الحيلولة دون تكرار ذلك النوع من الأزمة المالية الذي عصف بالبلاد عقب انهيار الاتحاد السوفياتي.

وبحسب استطلاع للرأي أجرته مؤسسة (في تي إس آ أو إم) ونشرت نتائجه مطلع نوفمبر (تشرين الثاني)، فان نحو نصف الروس يشعرون بالقلق الآن بشأن فقدان وظائفهم خلال الشهور الثلاثة القادمة. هذه المخاوف التي يبدو أنها تجسدت مادياً بعد أن أعلنت وكالة البطالة الروسية أن الشركات الصناعية وشركات تجارة التجزئة تعتزم الاستغناء عن 200 الف وظيفة.

وقفزت معدلات البطالة في روسيا إلى أعلى معدل لها في 7 سنوات مسجلة 6.1 في المائة محدثة صدمة في بلد تضاعف فيه متوسط الاجور 6 أضعاف. كما ارتفعت فيه قوة العمل بشكل صاروخي بينما توقف النمو عند 7 في المائة في المتوسط على مدى العقد الأخير.