خبير لـ«الشرق الأوسط»: ارتفاع البطالة في الخليج .. والوافدون أكثر المتأثرين في 2009

تقرير: 25 دولارا لبرميل النفط في العام المقبل سيتسبب في قلاقل بإيران

يرسم تقرير بنك ساكسو صورة قاتمة لأوضاع الاقتصاد العالمي في عام 2009
TT

رسم تقرير حديث صورة قاتمة لأوضاع الاقتصاد العالمي في عام 2009. وتوقع التقرير الصادر عن بنك ساكسو بلوغ متوسط سعر النفط خلال العام 25 دولارا للبرميل، وتراجع مؤشر ستاندرد أند بورز 500 بنسبة 50 في المائة إلى 500 نقطة، وانخفاض نمو الناتج المحلي الصيني إلى صفر، وانخفاض سعر صرف اليورو أمام الدولار إلى 95. 0، وأن تنسحب إيطاليا من آلية سعر الصرف الأوروبي.

وجاءت تنبؤات خبير مختص في الاستثمار والتداول على الانترنت يتخذ من كوبنهاغن مقرا له في سياق التوقعات الاقتصادية السنوية، وهي تمثل محاولة سنوية للتنبؤ بأحداث «البجعة السوداء» في الأسواق العالمية، وهي تطرح هذه السنة نظرة كئيبة. أما أحداث البجعة السوداء فهي أحداث نادرة بالغة الأثر تتجاوز نطاق التوقعات العادية.

وقال ديفيد كارسبول، كبير الخبراء الاقتصاديين في بنك ساكسو، في اتصال هاتفي لـ«الشرق الأوسط»: «تعتمد دول الخليج اعتمادا مباشرا أو غير مباشر على العائدات النفطية، كما أن بعض هذه الدول ـ مثل إيران ـ تمثل العائدات النفطية نسبة كبيرة من إيراداته الحكومية، ومع مواصلة أسعار النفط انخفاضها، فإن ميزانياتها الحكومية سوف تتعرض لضغط شديد. ورغم أن حكومة دولة ـ مثل الإمارات العربية المتحدة ـ تثير إعجابنا، فإن هذه الدولة سوف تتضرر أيضا من انخفاض أسعار الطاقة، ولا سيما نتيجة لانهيار أنشطة البناء».

وأضاف: «سوف تتأثر الأسواق كافة تأثرا شديدا نتيجة الأزمة الائتمانية. فالسيولة تجف، ولا أحد يريد المخاطرة. ومن المحتمل أن تشهد اقتصادات مجلس التعاون لدول الخليج العربية ـ مثلها مثل الاقتصادات الغربية ـ حالات من التباطؤ الحاد خلال عام 2009، ولكن نتيجة لأرصدة الحسابات الجارية الإيجابية وتخفيف القيود النقدية، فإنها ستتمكن من التكيف مع الخروج من هذه الأزمة بسلام نسبي. وسيرتفع معدل البطالة في هذه الدول، ولكن العمال المهاجرين هم الذين سيتأثرون في المقام الأول».

واستطرد قائلاً: «الشيء الطيب بشكل عام هو أننا نتنبأ بأن يكون عام 2009 نقطة تحول؛ لأن الوضع لا يمكن أن يزداد سوءا بكثير».

وعلّق كارسبول، رئيس فريق الاستراتيجيات في البنك، على هذه التوقعات قائلاً: «اننا لن نكون مبالغين لو وصفنا هذا الوضع بأنه أسوأ أزمة اقتصادية نشهدها على الاطلاق، ومما يؤسف له أن معظم تنبؤاتنا للعام الماضي كانت دقيقة الى حد ما، وما كان مفرطا يبدو الآن طبيعيا». «فمن كان يظن أن رسملة سوق سيتي غروب ستنخفض من 165 مليار دولار أميركي إلى 40 مليار دولار أميركي في أقل من سنة؟ أو أن بنك ليهمان براذرز سيشهر إفلاسه؟ أو أن يتم الاستحواذ على المشروعات التي ترعاها الحكومة؟ نحن نميل إلى أن نكون متشائمين نوعا ما في توقعاتنا السنوية بدرجة أكبر من المحلل العادي في السوق، ونعتقد أنه من المهم بالنسبة للمستثمر أن يأخذ في اعتباره دائما السيناريوهات التي يقل احتمال حدوثها من وجهة نظر السوق. وعندما تكون السوق في أدنى مستوياتها ومازال الاستعداد للمخاطرة يبدو أبعد من أي وقت مضى، نأمل أن نكون من بين القلة المتفائلة التي تكون أول من يدعو إلى مستويات أعلى».

وزاد: «في سنة تذبذبت فيها الأسواق والاقتصادات تذبذبا أشد من أي وقت مضى، لا شيء يبدو غير عادي أو مستحيل. نعتقد أن عام 2009 سيكون عاما لا يمكن التنبؤ به بالمثل، وبالتالي أعلنا عن عشرة تنبؤات مفرطة تركز الى حد كبير على ما يمكن أن يحدث للمؤشرات والعملات العالمية. الشيء الطيب بشكل عام هو أننا نتنبأ بأن يكون عام 2009 نقطة تحول؛ لأن الأمور لا يمكن أن تكون أسوأ من ذلك بكثير».

وأشار كارسبول: «في عام 2008 انخفض مؤشر ستاندرد آند بورز بما يزيد على 25 في المائة دون أعلى مستوى له بلغه في عام 2007 بمقدار 1182 نقطة، واقتربت أسعار النفط العالمية من الذروة التي تنبأنا بها عند 175 دولاراً أميركياً للبرميل، وصار نمو المملكة المتحدة سالبا. من يدري أي تنبؤاتنا لعام 2009 سيتحقق، ولكن بناء على ما حدث في الأعوام السابقة نقول ان بعضا منها سيتحقق بلا ريب».

ومن توقعات بنك ساسكو المفرطة لعام 2009 ان يتعرض الاقتصاد الإيراني لضغوط من قبل. ومع ذلك فإن سلعة التصدير الأكثر أهمية هي النفط، وما دمنا نتوقع أن يتم التعامل في النفط عند مستوى منخفض يبلغ 40 دولارا أميركيا بل و35 دولارا أميركيا للبرميل، فإن القوة الشرائية للمجتمع الإيراني بالدولار الأميركي سوف تنخفض. وسوف تقع الحكومة تحت ضغط حاد؛ لأنها لن تستطيع الاستمرار في توفير الضروريات. وهناك حدود بالنسبة إلى ما سوف يحتمله الشعب الإيراني. هذه الحدود تكون متسعة في اقتصاد أداؤه جيد، ولكن في ظل انخفاض أسعار الطاقة، فمن المؤكد حدوث قلاقل اجتماعية وموجة من السخط.

ومن التوقعات كذلك انه سوف يتم التعامل في النفط الخام عند مستوى أقل في عام 2009 في ظل حدوث تباطؤ في الطلب نتيجة أسوأ انكماش اقتصادي عالمي منذ الكساد الكبير. وسوف نرى تخفيضات في الإنتاج من قبل منظمة أوبك، ولكن نتيجة لعدم الاتفاق بداخل المنظمة، فإن هذه التخفيضات لن تكون كبيرة كما ينبغي من أجل منع النفط الخام من الهبوط من مستوياته الحالية. علاوة على ذلك، فإن الدول المنتجة للنفط الأقل تحضرا التي صارت اعتمادية على العائدات النفطية من أجل إرضاء شعوبها سوف تخرق، يائسةً، أية جهود منسقة للاحتفاظ بأسعار النفط عند مستوى مرتفع.

كما سينخفض مؤشر ستاندرد أند بورز 500 إلى مستوى 500 نقطة، أما السبب الرئيسي فسيكون انخفاض الأرباح وليس انخفاض نسب السعر إلى الربح؛ لأن انخفاض أسعار الفائدة يسوغ حدوث ارتفاع نسبي في نسب السعر إلى الربح. وهناك أسباب عديدة وراء استمرار الأرباح في الانخفاض: (1) لن يعود بمقدور المستهلكين تمديد ائتمانهم الذي حصلوا عليه من البنوك، لأنها تقوم بشطب خسائرها وتحتاج إلى تخفيض ميزانياتها. (2) تكلفة الأموال زادت أيضا في قطاع الشركات، ولا سيما بالنسبة إلى الاستهلاك الممول بالدين. (3) إجمالي القيمة العقارية السكنية آخذ في التلاشي، ولن يعود بمقدوره أن يفيد كضمان للقروض. (4) سوف تقلص الشركات برامجها الاستثمارية، مما سيضر بنماذج الأعمال إلى الأعمال (B2B).

ومن توقعات البنك ايضا ان إيطاليا التي لديها ولع قديم بتخفيض سعر عملتها، وهو أمر ليس ممكنا في إطار التعاون تحت مظلة العملة الموحدة. وتتعرض المالية الحكومية لضغوط هائلة، ومتطلبات آلية سعر الصرف لن تتعرض للانتهاك فحسب في عام 2009، بل سيتم تجاهلها تماما. ومن المحتمل أن يتخذ الاتحاد الأوروبي إجراءات صارمة ضد العجز المفرط في الموازنات الحكومية في العديد من الدول الأعضاء، ولكن إيطاليا يمكنها تنفيذ ما سبق أن هددت به من الانسحاب من آلية سعر الصرف الأوروبية انسحابا كاملا.

وبحسب بنك ساكسو فان المشكلات المحتملة في منطقة اليورو ببساطة لا تحصل على ما تستحق من اهتمام. وتشهد الأرصدة المصرفية الأوروبية ضغوطا هائلة نتيجة لتعرضها أكثر مما ينبغي لأوروبا الشرقية، وهي المنطقة التي ستشهد مزيدا من التعثر في عام 2009. في هذه الأثناء، نجد أن التوترات الاقتصادية فيما بين الدول الأوروبية في ازدياد كما يتبين لنا من الهوامش بين السندات الحكومية مقابل سند الحكومة الألمانية. علاوة على ذلك، فإن الدولار الأميركي هو الوسيط الرئيسي للصرف في أسواق المال، مما يضمن أن يكون الطلب على الدولار الأميركي مرتفعا مادامت هذه محدوديته. ومع ذلك، فإن الدولار الأميركي ليس بالعملة القوية، والمشكلات الجلية في منطقة اليورو سرعان ما ستؤخذ في الاعتبار، وبناء على ذلك، فإن تحرك الأسعار إلى 0.95 سوف يقصر عن الحالة الأساس.

ويرى البنك اقتراب الصين من الركود في عام 2009. فالقطاعات التي يقودها التصدير في الاقتصاد الصيني سوف تتضرر بشدة بفعل الهبوط الحر في النشاط الاقتصادي في الولايات المتحدة الأميركية. علاوة على ذلك، فإن كثيرا من الاستثمارات المستندة إلى السلع التي تمت مباشرتها خلال السنوات الخمس الماضية لن تحقق نتائجها المرجوة في ظل انهيار أسعار السلع، وبما أن الاقتصاد الصيني يستمد حافزه من السياسة النقدية التوسعية بشكل مفرط منذ سنوات، فإن مزيدا من التجاوزات المضاربية الناشئة عن ذلك سوف تنكشف أيضا في عام 2009.

ويعتقد معدو التقرير أن العديد من العملات الأوروبية الشرقية المربوطة أو شبه المربوطة باليورو حاليا سوف تتعرض لضغط متزايد نتيجة للتدفقات الرأسمالية في عام 2009.