السعودية: الإعلان عن أضخم عائد نفطي في تاريخ ميزانيات الدولة منذ 40 عاماً

قوامه 264 مليار دولار.. وخبراء طاقة لـ«الشرق الأوسط»: ضرورة تخفيض الإنتاج إلى «الحاجة الآنية»

TT

سجلت الإيرادات النفطية في السعودية أكبر عائد تاريخي لها منذ إعلان أول ميزانية لها عام 1969، إذ بلغ حجم الإيرادات النفطية في ميزانية عام 2008 ما قوامه 990 مليار ريال (264 مليار دولار) مسجلة قفزة كبيرة قوامها 43.2 في المائة عن إيرادات النفط عام 2007 البالغة 562 مليار ريال، مستفيدة من تصاعد الأسعار خلال العام الجاري.

وتوقعت ميزانية السعودية أن يسجل القطاع النفطي نموا نسبته 34.9 في المائة وفقا للأسعار الجارية، بينما شكّلت الإيرادات النفطية 990 مليار ريال من إجمالي الإيرادات العامة البالغة 1.1 تريليون ريال تمثل نسبة 90 في المائة. وشهدت ميزانيات السعودية تفاوتا في عوائدها التي تمثل الدخل الأول والرئيسي للبلاد متأثرة بواقع تذبذبات الأسعار النفطية في الأسواق العالمية. ولكن تبرز ميزانية العام الجاري بأنها الأضخم تلتها العوائد النفطية المحققة العام قبل الماضي 2006 حينما بلغ 604.4 مليار، فيما كان عام 2007 أقل منها بتحقيق 562 مليار ريال كما جاءت إيرادات العام 2005 ضخمة بواقع 504.5 مليار. أمام ذلك، توقع خبراء نفط وطاقة سعوديون أن تتجه أسعار النفط ـ المصدر الرئيسي للدخل في السعودية ـ خلال المرحلة المقبلة لمزيد من التراجعات ستصل معه بين مستويات سعرية (20 و30 دولارا) خلال عام 2009، مشيرين في الوقت ذاته إلى أن الحالة السعرية القائمة ستكون مؤقتة قبل اتجاه الأسعار للصعود مجددا نتيجة للحاجة التي ستكون عليها الأسواق الاستهلاكية. ويرى الخبراء أن تخفيض الإنتاج إلى الحاجة الآنية للسعودية والأسواق العالمية سيعزز من فاعلية السياسة النفطية المحلية للسعودية حيث ستمضي الحكومة للاستفادة من مصدر النفط لزيادة احتياطاتها من الدولار والعملات الأخرى بدلا من توجه لشراء سندات أصول عالمية. وكانت السعودية قد قدرت نمو القطاع النفطي بحسب ميزانية العام الماضي 2007 و2008 بنحو 16 في المائة، وفقا للأسعار السائدة حينها، التي تصاعدت بشكل دراماتيكي حتى وصلت لأعلى مستوى سعري لها في تاريخها حينما لامس 148 دولارا تقريبا للبرميل، قبل أن تبدأ في التهاوي المطرد وصولا إلى مستوى 40 دولارا حاليا. وأوضح في حديث لـ«الشرق الأوسط» الدكتور راشد أبا نمي خبير سعودي ومشتغل في مجال النفط أنه على الرغم من تأثيرات أزمة الأسواق المالية في العالم، إلى أن الواقع أكد أن ارتفاع أسعار النفط ليس نتيجة لقلة المعروض وإنما للمضاربة، وهي السلوك الذي إذا دخل في الأسواق سيخلق تفاوتا سعريا، مشددا على أن تصاعد الأسعار ارتبط بالمضاربين وعلى ضوء ذلك تنشأ الفقاعة السعرية المرشحة للانفجار في أي وقت كما هو مشاهد حاليا. وبرغم ذلك، نصح أبا نمي السعودية بعدم حل الأزمات الاقتصادية المحلية بالمعايير الغربية، بل بالطريقة التي تلائم ظروفها الداخلية، مفيدا أن الأزمة المالية التي عمت العالم تمثل فرصة أمام السياسة النفطية السعودية لترتيب أوضاعها المستقبلية بدون ضغوط من المجتمع الدولي مع موجة الركود العارمة. وقال: «الأزمة الحالية ولدت ركودا اقتصاديا نتج عنه عدم وجود طلب مرتفع على النفط فانتفى التعذر بضغط الإنتاج بالحد الأقصى أو استنزاف الاحتياطي»، مشددا على أهمية توجه السعودية إلى السعي نحو تخفيض الإنتاج بما يلائم الحاجة الآنية لها وليس المستقبلية في وقت لا بد من الاستفادة من العوائد على شكل سيولة نقدية وتجنب وضعها في سندات لا يمكن التحكم بها». وتنبأ الخبير النفطي أن يؤدي قلة الطلب وجنوح العالم إلى سنوات عجاف مع الركود والكساد الاقتصادي التي برزت معالمها، إلى تراجع أسعار النفط وانخفاضها إلى ما دون 30 دولارا، مفيدا أن متوسط الأسعار سيتراوح بين 20 و30 دولارا للبرميل الواحد ـ بحسب ما ذكر أبا نمي. ووفقا لأبا نمي، فإن هناك أسبابا للهبوط السعري يكمن أهمها في متطلبات مصلحة الدول الغربية والدول العظمى الكبرى كالصين والهند التي تحتوي على طاقات إنتاج ومصانع وشركات سيارات كبرى، إذ من شأن تراجع الأسعار مع انخفاض الطلب اكتمال الدورة الاقتصادية الطبيعية التي تدركها الدوائر الاقتصادية في تلك الدول. وطالب الخبير النفطي بضرورة أن ترسم الحكومة السعودية باعتبارها أكبر مصدر ومالك لاحتياطي النفط في العالم منهجا تجمع فيه بين التأثير الإنتاجي بسعر معقول إضافة إلى مرونة التسعير، مبينا أن تقوم الحكومة بتقييم متوسط سعر البرميل ضمن عوائدها للعام المقبل بنحو 70 دولارا للبرميل الواحد. ويتزامن الحديث عن النفط في السعودية بعدد من التطورات النفطية، أولاها استقالة رئيس وكبير إداريي شركة أرامكو السعودية، أكبر شركة نفط في العالم، المهندس عبد الله بن جمعة، وهو الشخصية النفطية المعروفة على المستوى العالمي، وحلول المهندس خالد الفالح، محله كرئيس جديد، وثانيها وقوع ناقلة النفط السعودية «سريوس ستار» (نجمة الشّعرى) في مصيدة القراصنة الصوماليين وتنقل على متنها قرابة مليوني برميل بينما تتجاوز قيمتها 100 مليون دولار. وكان آخر التطورات ما أعلن عنه الدكتور إبراهيم العساف، وزير المالية السعودي، أن بلاده ستنفق 100 مليار ريال (266 مليون دولار) في استثمارات نفطية.

من ناحيته، يرى عبد العزيز البركات الحموه، خبير سعودي، في مجال الطاقة أن الطلب على النفط سيكون أقل مما كان عليه إلا أنه لا يزال المصدر الرئيسي للطاقة، ومهما حاولت المعامل العالمية في ابتكارات طرق جديدة للطاقة ستفشل، لذا فالهبوط الذي وصل إليه سعر البرميل مؤقت وطبيعي، مشيرا إلى أن عام 1982 واجه العالم ظروفا مشابهة حيث شهد انخفاضا مع عدم القدرة على السيطرة على الأسعار. وحيال السياسة النفطية للدولة، قال الحموه: «دائما ما تبنى الميزانية بطريقة محافظة، لذا ستضع الدولة متوسط سعر البرميل المتوقع للعام المقبل في مستوى لن يقل عن 45 دولارا»، مستطردا «أن السعر المقيم يأتي من صالح السعودية على اعتبار تراجع قيمة الدولار في أسواق العملات وبالتالي فسيكون متوسط 45 دولارا مقاربا لـ55 دولارا سابقا في وقت انخفضت فيه أسعار المواد الأساسية إلى 30 في المائة. وعلى ضوء ذلك ستكون هناك معادلة حسابية متوسطة مرضية في ميزانية الدولة». وأفاد الحموه أن مشاريع البنى التحتية البتروكيماوية والمدن الاقتصادية ستتواصل في عملية البناء والتشييد، ولكن بوتيرة بطيئة وسط البحث عن فرص استثمارية جديدة، مستفيدين من عامل انخفاض التكلفة وقربها من مصادر الطاقة والتمويل.