قانون خليجي لمصداقية البيانات الإحصائية

سـعود الأحمد

نجاح الجهود المالية في إطفاء 80% من الديون العراقية التي تقدر بحوالي 140 مليار دولار خلّص الاقتصاد العراقي من العبء الثقيل (أ.ف.ب)
TT

هناك قوانين تصدر في بعض الجهات بدول مجلس التعاون الخليجية، تكون ذات طبيعة عامة ويمكن للأمانة العامة لدول المجلس أن تتبنى تعميمها على دول المجلس. فإذا نظرنا إلى النصوص التي صيغت بها هذه الأنظمة، نلاحظ بأنها تلامس حاجة اجتماعية مشتركة وقابلة للتطبيق في البيئة الخليجية دون استثناء... وبالتالي فإنه لا يوجد ما يمنع (تحقيقاً للمصلحة الخليجية العامة) أن تصدر بقرار خليجي جماعي.

من ذلك قرار صدر في جلسة المجلس الاتحادي الوطني بدولة الامارات العربية المتحدة أخيراً. حيث أقر المجلس يوم الثلاثاء الماضي قانوناً اتحادياً يقضي بإنشاء المركز الوطني للإحصاء. ومما لفت انتباهي بهذا القانون أن المادة 19 منه تنص على ما يلي: يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تزيد على أربعين ألف درهم أو بهاتين العقوبتين معاً، كل من حصل على معلومات سرية بطريق الغش أو كل من تعمد نشر أو تسبب في نشر إحصاءات أو نتائج غير صحيحة، أو كل من ينتحل صفة موظفي المركز أو من يتعمد تعطيل أعمال التعداد أو المسح الإحصائي أو كل من أعطى عن قصد بيانات مضللة.

فالمعلومات الإحصائية تعتبر أحد أهم المصادر الأساسية التي يستند إليها في مجالات تخطيط واعتمادات الموازنة العامة للدولة، ولأغراض تأمين الخدمات الضرورية للمواطنين كالسكن وشبكات الطرق البرية والسكك الحديدية والجوية.. وخدمات الماء والكهرباء (إلى غير ذلك). كما أن نتائج الإحصاءات تبنى عليها قرارات اقتصادية إستراتيجية هامة... على الأمد القصير والطويل. وبالمناسبة فإن التلاعب في البيانات الإحصائية فيه مجال كبير للغش والتدليس والتلاعب في النتائج. بل أنه يمكن للباحث أن يغير في النتائج إذا لم تكن لديه الأمانة والوعي المهني الكافي. وتحضرني قصة طريفة (لكن لها معنى هام) عن نتائج ورقة بحث قدمها أحد الأكاديميين في الستينات بجامعة شمال إلينوي الأمريكية. حيث توصل الباحث إلى نتائج خطيرة عن الحالة الاجتماعية بالجامعة ومنها أن ثلث الطالبات يتزوجوهن أساتذة الجامعة... مما أثار العديد من التساؤلات بلغت مستوى أعضاء الكونغرس. وقد صدر بالفعل قرار ببحث هذا الأمر. لكنه وبالتحقق تبين أن عدد الطالبات في تلك الجامعة كان ثلاث طالبات فقط، وأن واحدة منهن تزوجت أستاذها. وفي حالة أخرى عن تباين دلالات البحوث... تقول إن التاريخ يحكي أن رجلا واحدا قتل سدس العالم في حقبة من الزمن! والحقيقة أنه قابيل الذي قتل أخيه هابيل في وقت كان تعداد العالم وقتها ستة أفراد!.

وما زلت أتذكر قبل بضعة أعوام كيف أعلن عن نسبة البطالة في المملكة من قبل مجلس القوى العاملة بأنها 8%، في الوقت الذي تقول فيه بعض الصحف أنها حصلت من جهات أخرى مغايرة تفيد بأن نسبة البطالة تصل إلى 30%.

ومفصل الخلاف هنا يتمثل في حقيقة هامة، هي أن نتائج الإحصائيات تعتمد (وببساطة) على أسس وفرضيات يتم أعدادها والتحكم في مرئيات الشخص الذي يقوم بالبحث. وأن النسب والأرقام المجردة لا تكفي لتكوين قناعات.

وختاماً... أعتقد أنه من المفيد أن يكون لدى الأمانة العامة لدول مجلس التعاون الخليجية إدارة معنية بمتابعة الأنظمة والقوانين التي تصدر عن دول المجلس. بحيث تكون مهمتها تدقيق كل نظام أو قانون يصدر داخل كل دولة. وتدرس مدى إمكانية تعميمه أو تعديله توطئة لصدوره عن الأمانة العامة لدول المجلس عوضاً عن صدوره عن دولة بعينها. وذلك بعد التنسيق مع الجهات التنفيذية المعنية بهذا النظام في دول المجلس.

* كاتب ومحلل مالي [email protected]