تقرير: أسعار النفط تتراوح بين 35 و55 دولارا للبرميل في 2009

انخفاض الدولار في 2008 ساهم في الارتفاع القياسي

TT

توقع تقرير اقتصادي حديث أن تبقى أسعار النفط ثابتة خلال النصف الأول من العام الجاري، لتتراوح ما بين 35 و 55 دولاراً أميركياً للبرميل، بحيث تكون فترة الانتظار هذه في انتظار المزيد من المؤشرات الاقتصادية في البلدان المتقدمة والآثار المترتبة لخفض منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) الإنتاج والتي بدورها قد تؤدي إلى نقص في إمدادات النفط في حال ظهور علامات على تعافي النمو الاقتصادي في النصف الثاني من العام.

وقال التقرير الصادر أمس من بيت الأستثمار العالمي «غلوبل»، وأرسل لمكتب «الشرق الأوسط» في دبي، أن أسعار النفط الاميركية شهدت تقلبات كبيرة في العام 2008، حيث بلغت أعلى مستوياتها على الإطلاق عند 147.27 دولار للبرميل في النصف الثاني من العام، تلاها انخفاضا بنحو 115 دولارا وصولا إلى أدنى مستوى لها منذ ما يقرب أربع سنوات عند سعر 32.4 دولار للبرميل في ديسمبر. وتشير هذه التقلبات الكبيرة إلى أن أسعار النفط كانت عرضة لعدد من التطورات التي لم تدم طويلا.

ووفقا للتقرير الصادر بعنوان «نشاط أسواق النفط خلال العام 2008» فإن انخفاض قيمة الدولار في النصف الأول من العام الماضي، لعب دورا مهما في ارتفاع أسعار النفط مع زيادة تدفق الاستثمارات الجديدة المضاربة في العقود الآجلة للنفط الخام، مما ساهم في دفع الأسعار للارتفاع بدرجة اكبر من المستويات التي تبررها العوامل السياسية.

ويؤكد التقرير أن ضعف الدولار الأميركي أثر على أسعار النفط من خلال محافظ الأصول البديلة، وأن ذلك يحدث عندما ترتفع بعض الأصول، مثل العقود الآجلة للنفط الخام وتحل محل بعض الأصول المنخفضة، مثل الدولار الاميركي، أو عندما تستبدل الأصول التي يتوقع لها أن تستفيد من انخفاض الدولار الاميركي، مثل سلال السلع الأساسية ومؤشرات الصناديق بالمحافظ الاستثمارية مما يؤدي بشكل غير مباشر على عمليات الشراء لعقود النفط الورقية. ويعطي التقرير سببا رئيسيا آخر، وهو مساهمة اضطرابات أسواق الأسهم العالمية الرئيسية في تشجيع المستثمرين بالبحث عن عوائد أفضل في أسواق السلع الأساسية. فيما كان لارتفاع السلع الرئيسية الأخرى ووصولها إلى مستويات قياسية جديدة، مثل الذهب، الفضة، البلاتين، البن، الصويا والذرة، تأثيرا جزئيا على أسعار النفط. بالإضافة إلى ذلك، دعم التوتر بالنزاع على الأصول في أميركا الجنوبية، والتطورات الجيوسياسية في الشرق الأوسط وغرب أفريقيا (نيجيريا) واستمرار قلة المعروض النفطي، وسط موجة باردة في الولايات المتحدة، للمزيد من الاستثمارات المضاربة في سوق الطاقة. كما ساهمت عوامل أخرى كإضرابات عمال النفط، وأعمال الصيانة الواسعة في غرب أوروبا، وتباطؤ الأداء في روسيا خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الماضي واستمرار التدهور الحاد في الإنتاج لحقل كانتاريل المكسيكي على ارتفاع أسعار النفط. ووفقا لتقرير بيت الاستثمار العالمي، فإن أسعار النفط واصلت اتجاهها التصاعدي على الرغم وجود عدد من التطورات المؤثرة في الاتجاه المعاكس. حيث تراجعت توقعات نمو الطلب العالمي على النفط بشكل حاد في الربع الأول من العام 2008، وارتفع إنتاج الدول المصدرة للنفط في منظمة أوبك مما قلص من الطلب على النفط، وبقاء المخزون التجاري لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية فوق متوسط الخمس سنوات، وارتفاع مخزون النفط الأميركي ليسجل أعلى مستوى له في تسعة أشهر. في المقابل، فقد شهدت مناطق مثل الصين الهند، الشرق الأوسط واميركا الجنوبية نموا ايجابيا على الطلب. وعلاوة على ذلك، فان الاقتصاد الاميركي بدا من المحتمل جدا انزلاقه إلى الركود وانكماشه في النصف الأول من العام 2008 بسبب استمرار الضعف في أسواق العمل. حيث انخفضت قوائم العمالة وثقة المستهلك بشكل حاد، واستمر الانكماش في قطاع الإسكان. أما في منطقة اليورو، فقد ظهرت بوادر لتباطؤ معدلات النمو والنشاط الاقتصادي في العديد من دول المنطقة بما قي ذلك ألمانيا، والتي تعد أكبر اقتصاد في أوروبا. وبالمثل فقد شهد النمو الاقتصادي الياباني انخفاضا حادا مما يشير إلى انخفاض الطلب الياباني على النفط.

ويلفت التقرير إلى انه في حالة عدم وجود أي تغيير في الأساسيات، فان التقلب الشديد يؤكد أن هذه المستويات لا تعكس واقع العرض والطلب، كما كان أعضاء أوبك دوما يؤكدون على توفر الإمدادات الكافية في السوق، لكن الأسعار تأثرت بشدة بنشاط سوق العقود الآجلة والمضاربات.

ويشير التقرير إلى أنه في النصف الثاني من العام، اتخذت الأسعار منحى تنازليا نتيجة لتزايد ضعف العوامل الأساسية، وأن ذلك يرجع أساسا إلى تدهور التوقعات الاقتصادية، واستمرار انخفاض نمو الطلب على النفط ووفرة المعروض. حيث انخفضت أسعار النفط في النصف الثاني من يوليو ومطلع أغسطس على ضوء ضعف العوامل الأساسية وعلى خلفية الانخفاض العام في العديد من السلع الأخرى بما فيها الغاز الطبيعي. فقد تراجعت الأسعار بنحو 115 دولارا منذ أن سجلت أعلى مستوياتها على الإطلاق في 11 يوليو 2008 عند 147.27 دولار اميركي للبرميل، لزيادة المعروض من دول أوبك، وتراجع الطلب في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وانخفاض واردات الصين من النفط مع مرور أول الأعاصير الموسمية في خليج الولايات المتحدة دون حدوث أي شيء يذكر عدا عن الإغلاق التحوطي المسبق. وعلاوة على ذلك، كان لتراجع حدة التوترات السياسية في بعض المناطق المنتجة للنفط، وقوة الدولار مقابل العملات الرئيسية الأخرى، الأثر في تراجع الحوافز الاستثمارية في سوق السلع بما فيها النفط كإجراء تحوطي ضد تحركات العملات ومعدلات التضخم، على الرغم من وجود بعض العوامل الجيوسياسية في غرب أفريقيا والشرق الأوسط والتي أدت إلى ارتفاع الأسعار ولكن قوة الدفع إلى أعلى لم تدم طويلا.

وقال التقرير ان الاقتصاد العالمي بدا وكأنه ينتقل من سيئ إلى أسوأ، حيث تباطأ الاقتصاد بوتيرة أسرع مما كان متوقعا، والتي انعكست على تراجع توقعات النمو الاقتصادي للفترة المتبقية من العام 2008 والعام 2009. حيث أن عدم اليقين بشأن خطط الإنقاذ التي قررتها الولايات المتحدة مع تزايد الاضطرابات المالية في جميع أنحاء العالم، مما يشير إلى عمق المخاوف من الانزلاق نحو الركود الذي يلوح في الأفق. كما كان لتراجع أسواق الأسهم العالمية إلى أدنى مستوياتها منذ خمسة أعوام، على الرغم من الخطوات المتخذة من جانب البنوك المركزية في مختلف أنحاء العالم للحفاظ على النظام المالي وتسليط الأضواء على الشعور الاقتصادي، الأثر على تراجع الأسعار أيضا. إضافة إلى ذلك، فقد أفادت التقارير الصادرة بأن بعض الدول قد دخلت في مرحلة الركود مما زاد المخاوف من تدهور الطلب على النفط. فيما استوعبت الأسواق بعض عمليات الشراء التي نتجت عن انخفاض الإمدادات من قبل منظمة أوبك (تم تخفيض 4.2 مليون برميل يوميا في الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام 2008 من قبل المنظمة)، وإعلان الصين عن خطط التحفيز الاقتصادية، وقدوم الإدارة الاميركية الجديدة. مع ذلك، فقد طغت توقعات ضعف الطلب من جانب المؤسسات الرئيسية، لانخفاض النمو الاقتصادي وظهور الكساد في بعض البلدان، على الاتجاه التنازلي لأسعار النفط