بريطانيا تنزلق إلى الركود رسميا والاقتصاد ينكمش بأسرع وتيرة منذ 1980

الإسترليني إلى مستوى جديد لم يبلغه منذ 23 عاما مقابل الدولار

TT

دخل الاقتصاد البريطاني رسميا في مرحلة الركود للمرة الاولى منذ عام 1991 بعد أن أعلن مكتب الإحصاء الوطني في لندن أمس الجمعة انكماش الاقتصاد خلال الربع الأخير من العام الماضي 2008 بنسبة 1.5 في المائة من إجمالي الناتج المحلي ليسجل أسرع وتيرة تراجع منذ عام 1980.

وجاءت الارقام أسوأ من توقعات المحللين الذين قدروا أن الناتج المحلي سينكمش بنسبة 1.2 في المائة.

ومن الناحية التقنية يعرف الركود عندما ينكمش اقتصاد البلد خلال ربعين متتالين من العام وهذا ما حدث بالفعل مع بريطانيا، بذلك تكون قد دخلت لأول مرة منذ أوائل حقبة التسعينات من القرن الماضي في هذه المرحلة. وكان العامل الرئيسي وراء التراجع هو الانكماش الحاد في قطاعي الخدمات والانتاج. فقد انكمش قطاع الخدمات الذي يمثل ثلاثة أرباع الناتج الاقتصادي واحدا في المائة خلال الربع الاخير فيما يمثل أسرع وتيرة هبوط منذ عام 1979.

وتشير البيانات الأولية أن معدلات نمو الاقتصاد البريطاني خلال العام الماضي بأكمله بلغت 0.3 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، وانخفض الانتاج 3.9 في المائة وهو أكبر هبوط منذ عام 1980. من ناحية أخرى أعلن المكتب ارتفاع قيمة مبيعات التجزئة خلال ديسمبر (كانون الأول) الماضي بنسبة 1.6 دون حساب المتغيرات الموسمية لتبلغ الزيادة السنوية في المبيعات 4 في المائة، فيما كانت توقعات الخبراء تشير إلى انخفاض بنحو 0.7 في المائة. وجاءت ارقام مبيعات التجزئة مرتفعة نسبيا بسبب فترة اعياد الميلاد ورأس السنة والتنزيلات الموسمية لنهاية العام وخفض ضريبة القيمة المضافة.

انخفض الجنيه الاسترليني الى مستوى جديد لم يبلغه منذ 23 عاما مقابل الدولار وتراجعت أسعار الاسهم البريطانية عقب صدور بيانات النمو. وانخفض الجنيه الى 1.3535 دولار مسجلا أدنى مستوى منذ 23 عاما. وهبط مؤشر فاينانشال تايمز 100 لاسهم الشركات الكبرى بنسبة 1.5 في المائة الى 3989.73 نقطة ليسجل أقل مستوى منذ الثاني من ديسمبر الماضي. ويحاول البنك المركزي البريطاني تخفيض سعر الفائدة وقد يوصلها قريبا من الصفر لتشجيع الدورة الاقتصادية. الا ان ميرفين كنج محافظ بنك انجلترا (المركزي) قال ان تخفيضات أسعار الفائدة وحدها قد لا تكفي لتحفيز الطلب في الاقتصاد وربما يتعين على المسؤولين عن تحديد مستويات الفائدة البحث عن اجراءات غير تقليدية. وكان المقصود بالاجراءات غير التقليدية هو البدء بطبع مليارات من الجنيهات الاسترلينية. وجاءت هذه الاقتراحات بعد ان اعتمدت الحكومة البريطانية عدة اجراءات من خلال خطة انقاذ للقطاع المصرفي منذ اكتوبر (تشرين الأول) الماضي قدرت بحوالي 500 مليار جنيه استرليني. وبعد هذه الخطة يتوقع الخبراء خطة اخرى والتي تعني الاستحواذ الكامل على البنوك الرئيسية أي تأميمها لصالح الدولة. وطالبت الحكومة من البنوك الكشف عن «ديونها السامة». كما اقترح تأسيس بنك خاص لهذا النوع من الديون. وقال رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون انه يتعين على البنوك ان تكشف الحجم الحقيقي لاصولها المعدومة للمساعدة في انعاش اسواق الائتمان العالمية المجمدة. وفي مقابلة مع صحيفة «فاينانشال تايمز» قال براون ان أي انتعاش من اسوأ اضطراب اقتصادي منذ 70 عاما يتوقف على قيام البنوك بشطب الديون المعدومة اولا في محاولة لاعادة الثقة في النظام المالي.ويرسم العديد من الخبراء صورة قاتمة عن الاقتصاد البريطاني بشكل عام. ونصح المستثمر ومؤسس صندوق كوانتوم الاستثماري الناس بعدم الاستثمار في الاسترليني وقال ان هذه العملة قد انتهت. كما كتب الخبير الاقتصادي ويل هاتون في صحيفة «الأوبزيرفر» البريطانية اليومية يقول ان بريطانيا تقف على شفى حفرة الانهيار اذا لم تأت خطة الانقاذ المالي الحكومية بثمارها والتي اثقلت دافع الضرائب بمئات المليارات من الجنيهات. وحذر زعيم حزب المحافظين المعارض ديفيد كاميرون، في تصريحات اوردتها صحيفة «الغارديان»، ان بريطانيا تجازف في خططها المالية مما قد يعرض اقتصادها لتدهور اكبر ويضطرها الى اللجوء الى الاقتراض من صندوق النقد الدولي، وهذا اغضب الحزب الحاكم الذي قال ان هذا النوع من الكلام يعرض اقتصاد البلد الى خطورة اكبر.

ولم يحدد كاميرون كيف ومتى ستضطر بريطانيا الى اللجوء الى مثل هذه الخطوات، لكنه قال مذكرا ان وزير الخزانة العمالي السابق دنيس هيلي قام بخطوات مماثلة عام 1976 مما افقد حكومة جيم كلاهان العمالية المصداقية في وقتها. قالت مجموعة من المشرعين البريطانيين أمس الجمعة انه يجب على الحكومة البريطانية الكشف عن التكلفة الكاملة التي يتحملها دافعو الضرائب للدعم الذي تقدمه للبنوك اثناء الازمة المالية. وقدمت الحكومة تسهيلات انقاذ أخرى للبنوك يحتمل أن تكون مكلفة أيضا من بينها حزمة اقرت يوم الاثنين تهدف لشراء اصول متعثرة لتوفير سيولة تشجع البنوك على استئناف الاقراض.

وقال مايكل فالون رئيس اللجنة الفرعية للخزانة بالبرلمان المسؤولة عن فحص السياسات الاقتصادية للحكومة «الحكومة اخذت على عاتقها مسؤولية التزامات كبيرة». وقال فالون «بالنظر الى حجم الاموال العامة التي تم ضخها في البنوك على مدى الأشهر الستة الماضية .. فان هذا هو أقل ما يستحقه دافعو الضرائب في هذه الازمة الاقتصادية.

وكشفت بيانات رسمية هذا الاسبوع أن عدد العاطلين في بريطانيا ارتفع ليصل إلى 1.92 مليون عاطل في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي وسط توقعات بتباطؤ اقتصادي حاد هذا العام.

وزاد عدد العاطلين بمقدار 131 ألف شخص ليصل إلى 1.92 مليون عاطل خلال الفترة من سبتمبر (أيلول) ونوفمبر الماضيين.

تأتي الأرقام الرسمية وسط توقعات بأن يصل عدد العاطلين عن العمل في بريطانيا بنهاية عام 2010 إلى 3.25 مليون شخص ليرتفع إلى 3.4 مليون في عام 2011.