مهاتير محمد «عرّاب» التنمية الماليزية للسعوديين: هكذا نهضنا ببلادنا

أكد في ختام منتدى التنافسية أن أوباما لن يحل الأزمة المالية لوحده.. ورئيس وزراء اليابان يربط التعافي بإجراءات استقرار

وصف د. مهاتير طريقة تعامل البنوك مع الأزمة المالية الحالية بـ«أخطاء تشبه المقامرة» ( تصوير: أحمد فتحي)
TT

دعا الدكتور مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا السابق، خلال كلمته في ختام أعمال المنتدى التنافسية الدولي الثالث، إلى ضرورة صياغة نظام عالمي مالي جديد تشترك في إيجاده كافة الدول من الشرق والغرب.

ورأى مهاتير محمد أن الرئيس الأميركي الجديد باراك أوباما لن يكون قادرا على حل المشكلة دون إجراء مشاورات مع كافة البلدان المتضررة مما حدث من الأزمة المالية العالمية، قائلاً «من المستحيل أن يستطيع بلد واحد حل المشكلة الجارية في النظام المالي والنقدي في العالم سواء كان هذا البلد غنياً أو فقيراً، وكذلك لمعرفة التأثير المتبادل على اقتصاديات الدول».

وأكد رئيس ماليزيا السابق، والذي يعرف بأنه «عّراب» النهضة الماليزية الاقتصادية، أن الحل لوضع الأزمة المالية الحالية يتمثل في الخروج بنظام نقدي ومصرفي جديد للعالم، رافضاً الاعتماد على نظرية أن السوق سيعيد تنظيم نفسه من جديد. وأضاف «باعتبار أن السوق يهدف إلى جني الأموال، وهذه النظرة تبين أن هناك فشلا منهجيا في النظام المصرفي والمالي الذي لا يستطيع التكييف مع مبادئ السوق».

وفي وصف للدكتور مهاتير عن طريقة تعامل البنوك مع الأزمة المالية الحالية، حددها بثلاث كلمات «أخطاء تشبه المقامرة»، موضحاً أن الأزمة كان من المفترض أن تقع من وقت طويل «ولكن تم التغاضي عنها، رغم وجود مؤشرات لحدوثها مع إفلاس شركة إنرون للطاقة».

وبين مهاتير أن تلك الأخطاء التي تشبه «المقامرة» تتمثل في تقديم البنوك لقروض لا تستطيع تأمينها عبر شركات التأمين أو غيرها من جهات، مضيفاً «ونتيجة هذا الفشل في نظام المصارف كان لا بد أن يتوالى سقوط القطاعات الأخرى كصناعة السيارات، لأن البنوك حين تسقط للأسفل تجر الجميع خلفها».

وفسر رئيس وزراء ماليزيا السابق أسباب عدم تضرر الكثير من الشركات في دول الشرق كحال نظيراتها في الغرب إلى وجود الإشراف الحكومي على الاقتصاد في بلدان الشرق الذي ينظر للأمور بنظرة عامة «فدول الشرق كماليزيا والسعودية لديها نظام بنكي محافظ، والمشكلة بدأت في الأنظمة المصرفية منذ أن تخلى العالم عن ميزان الذهب مقابل العملة، والاكتفاء بقيمة الأوراق».

وشدد مهاتير محمد على ضرورة محاربة الفساد والوقوف في وجه الذي بات ـ حسب قوله ـ مؤسساتياً في بعض الدول، مضيفاً «لا يوجد بلد في العالم يخلو من الفساد، وهو أكبر عائق لأن القرارات التي تعود بالنفع العام تتضرر من وجوده، ولأنه صعب القضاء عليه بشكل كامل، يمكن التخفيف منه».

وفي رد للدكتور مهاتير على الدكتور محمد الجاسر الذي اكتفى بتعريف نفسه على أنه رئيس مجلس إدارة شركة الاتصالات السعودية فيما هو يشغل أيضا منصبا حكوميا هو نائب محافظ مؤسسة النقد، عن أسباب تأخر التعاون الاقتصادي بين السعودي وماليزيا في الآونة الأخيرة، قال «صحيح أن الكثير من المواطنين لدينا من أصول عربية مما يوثق العلاقة بين البلدين، ولكن في بداية ثورتنا الاقتصادية في ماليزيا اعتمدنا في عملنا على الصناعات التحويلية، لهذا كان من الصعب أن نتوجه إلى السعودية بخلاف الوقت الحالي الذي دفعتنا لبحث الشراكة مع الإخوة السعوديين لما لديهم من مميزات نسبية».

وأضاف «وزيادة التعاون بين الجانبين نحن بحاجة إلى زيادة العلاقات والتباحث عبر مجلس الأعمال الماليزي السعودي المشترك، وإقامة ورش عمل وندوات ومؤتمرات مشتركة بين الجانبين لبحث سبل وأوجه جديدة للشراكة الاقتصادية والاستثمارية».

وكان مهاتير محمد رائد الثورة الصناعية في ماليزيا، وأحد أهم الأسماء العالمية في صناعة اقتصاد وطني حر، قد تحدث في بداية الجلسة عن التجربة الماليزية وكيفية خروجها من زمن الاستعمار قبل 50 عاما، إلى عصر الاستقلال وصناعة اقتصادها.

وقال مهاتير «حين غادر البريطانيون كان دخل الفرد الماليزي في العام لا يتجاوز مبلغ 300 دولار، ويعتمدون بشكل رئيسي على الزراعة، ولم يكن لدينا أراض كافية لتوزيعها على كل المزارعين، وهكذا بدأنا في التحول نحو الاستفادة من المهارات اليدوية وتطويرها والدخول في مجالات التصنيع».

وأضاف «بحكم أنه لم يكن لدينا إلمام بفنون وعلوم الإدارة الاقتصادية، استقطبنا الأجانب والمعلمين والمستثمرين منهم، في الوقت الذي كانت بعض الشعوب (في إشارة واضحة لشعوب العالمين العربي والإسلامي) في تأميم ما لديها من ثروات، وتطرد الأجنبي، إضافة إلى وجود نظام سياسي مستقر».

وأشار رئيس الوزراء الماليزي السابق إلى أن الرهان الحقيقي بالنسبة لهم كان في الاعتماد على الأيدي العاملة، وعملنا على إيجاد نظام عمل جديد وإتباع مبدأ التحكيم في خلافات العُمال وفق مبادئ وقيم بخلاف ما يعتمده الغرب في تحكيمه لخلاف العُمال القائمة على التنافسية سواء كان الشخص على صواب أو خطأ.

وفي سؤال لأحد المتواجدين في قاعة المملكة التي شهدت كلمة مهاتير التي كانت بمثابة مسك الختام لأعمال المنتدى المستمرة منذ ثلاثة أيام، عن أهم الصعوبات التي واجهتهم في بناء الاقتصاد الماليزي أجاب بالقول «اللغة الإنجليزية التي تمثل لغة العالم، هي التنازل الأهم في مسيرة صناعتنا للاقتصاد الماليزي، خاصة إصرارنا واعتمدنا على اللغة الانجليزية في تعليم مادتي العلوم والرياضيات». وفي السياق نفسه، دعا شينزوا أبي رئيس وزراء اليابان إلى التعلم والأخذ بالعبرة من التجربة الأخيرة التي عانت منها اقتصاديات العالم، مشدداً على امتلاك الايمان بـأن العالم سيتعافى وذلك من خلال اتخاذ خطوات التحفيز المالي، وانفتاح الاقتصاد، مضيفاً أن التعافي من الأزمة العالمية لابد من وضع إجراءات عالمية لبث الاستقرار المالي بالطريقة التي تساعد إظهار الاقتصاد في الشرق الأوسط واسيا.

وقال رئيس الوزراء الياباني خلال آخر يوم لأعمال منتدى التنافسية الدولي أمس في الرياض، إن العالم بحاجة لاقتصاد عالمي أكثر انفتاحا، مفيداً أن ذلك لا يمنع قادة دول العالم من التردد للإصلاح وذلك عن طريق الابتكار وتحسين أوضاع الشعوب فيما يخص حياتهم الحالية والمستقبلية.

وأضاف شينزو أنه لا يجب على الدول الانتظار إلى ما بعد الأزمة بل يجب إعادة إحياء المحرك الاقتصادي العالمي الذي توقف مؤخراً فعلى الاقتصاديات الرئيسية في العالم حقن الاقتصاد العالمي بحقن مالية كما يجب عليها التعاون معاً لإعادة النظر في النظام المالي المضطرب، مشيراً إلى أنه حان الوقت للمبادرة في إنشاء محركات اقتصادية جديدة ويجب على الدول المسؤولة أخذ الإجراءات الضرورية لذلك.

وفيما يتعلق بتحفيز الاقتصاد في اليابان، قال إنه ليس من المتوقع انتعاش اقتصادي مبني على الطلب الخارجي واقتصاد اليابان يعد مستقراً نسبياً في ظل الأزمة العالمية مقارنة باقتصاديات الولايات المتحدة وأوروبا، فمن المهم لليابان قيادة العالم اليوم اقتصاديا بهدف أن تكون هي أول من ينجو من الركود، عن طريق إطلاق إجراءات مضادة واحدة تلو الأخرى.

وذكر رئيس وزراء اليابان أن بلاده تبنت إجراءات متعاقبة مضادة للركود بمشاريع يصل إجمالي حجمها إلى 75 تريليون ين ياباني منذ أكتوبر (تشرين الأول) الماضي وأهم الإجراءات هي إجراءات التوظيف بالإضافة إلى إجراءات المشاريع الصغيرة والمتوسطة والتي تبلغ إجمالي مدفوع ما يقارب 12 تريليون ين ياباني، حيث شكلت تلك الأرقام 2 في المائة من الناتج الإجمالي المحلي لليابان وهو الأعلى مقارنة بالولايات المتحدة وأوروبا ولهذا يعد هذا النوع من الإجراءات التي تتبعها اليابان، الأكثر فعالية عالمياً على الرغم من الصعوبات التي تواجهها اليابان اليوم فيما يخص بتمويل الأعمال التجارية.

وقال الوزير الياباني إن الحكومة السعودية تبذل جهودا مختلفة فيما يخص الإصلاحات بشكل عام كسن القوانين التي تحمي المستثمرين وتطوير الإجراءات اللازمة لتسجيل الشركات الخاصة وقطاع العقار، ونتيجة لهذه الجهود تقدمت السعودية كثيرا وحظيت بقفزة جبارة فيما يخص التقرير الخاص بالبنك الدولي في تسهيل سير الأعمال التجارية لذلك احتلت اليوم المركز السادس عشر اقتصادياً والمركز السابع والعشرين فيما يخص تقرير المنتدى الاقتصادي التنافسي.

وتمنى أبي أن تتحسن العلاقة المشتركة ما بين السعودية واليابان من خلال تنافسيتهما الدولية وبالأخص فيما يتعلق بموضوع ( تحسين البيئة التنافسية)، لافتاً إلى أن الوضع الاقتصادي الحالي للعالم ووضع استراتيجية لتحسين الوضع الحالي بالأخص الدور الياباني الذي بات مطلوباً اليوم، بالإضافة إلى التطرق إلى العلاقة المشتركة ما بين السعودية واليابان والتي يجب أن تستمد القوة أكثر في ظل هذه الظروف.

وزاد رئيس وزراء اليابان «حقق الاقتصاد العالمي نموا مستمرا أكثر من المتوقع بنسبة 3 في المائة سابقاً، وستكون هذه السنة أول سنة منذ خمسين عاماً تواجه فيه اليابان وأوروبا والولايات المتحدة نموا سلبيا، حيث سببت الأزمة الاقتصادية أزمة حقيقية في قطاع العقار وبالأخص الإسكان، مما أدى إلى ارتفاع أسعار الإسكان في جميع أنحاء العالم. إلا أن أبي أشار إلى أن الاختلاف مع الولايات المتحدة الأميركية هو الإقراض المتزايد في اليابان فيما يخص قطاع الأعمال أزمة اقتصادية أو ما يسمى (بالفقاعة الاقتصادية)، أما في أميركا فإن الاقتراض المتزايد فيما يخص قطاع الإسكان أدى إلى تزايد الإقبال على الائتمان، بالإضافة إلى عدم الاستقرار المالي ليشمل القطاعات الاقتصادية من خلال أسواق الأسهم والتي أدت إلى تأثر القطاعات المالية في كلا من دول شرق أوروبا وجنوب كوريا حيث تعتمد هذه الدول بشكل كبير على الصادرات إلى أوروبا وأميركا.

وبناءً على ما تعرض له العالم عام 1930، أفاد شينزو أبي أنه يجب أن تلتزم اقتصاديات العالم الكبرى بإحداث تغيير وتنشيط الاقتصاد، ومن أهم صفات الأزمة الاقتصادية الحالية أن النظام المالي العالمي لم يعد يعمل بشكل جيد والعولمة، فمن الضروري اليوم إحداث توازن مالي ما بين النظام الرأسمالي وقطاعات الصناعة وقطاع التكنولوجيا المتأثر بالابتكار والإبداع، ويتضح من ذلك الدور قطاع الأموال في هذا الشأن.

أما فيما يخص العولمة وهي عولمة الأزمة الاقتصادية التي بدأت تجتاح العالم اليوم لذلك، ذكر الوزير الياباني أنه يجب أن تكون الاستجابة لهذه الأزمة عالمية أيضاً، وتعتبر الاستثمارات المالية سببا رئيسيا لإحداث الأزمة العالمية والتي اعتمدت على القطاع المالي في الولايات المتحدة وأوروبا، أما الوجه الآخر من العملة هو أنه لم تعد هناك فرص استثمارية ملائمة لإظهار أو تحسين الظروف الاقتصادية والتي تتطلب الكثير من الجهود التطويرية لقطاع الصناعات والتكنولوجيا في المنطقة أكثر من الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا، فيتيح بذلك نموا في الأصول المتعلقة بالسوق العالمي مما يتيح هذه الفرص.