أميركا: التأميم يأخذ شكلا جديدا وجادا

مع اعتلاء أوباما سدة الرئاسة

بعد أيام فقط من تولي أوباما لمنصب رئاسة الولايات المتحدة، فإن أحد أكثر الأسئلة حساسية يطرح: هل الرئيس مستعد لتأميم قطاع كبير من النظام البنكي للبلاد؟
TT

بعد خمسة أيام فقط من تولي أوباما لمنصب رئاسة الولايات المتحدة، فإن أعضاء الإدارة الجديدة والقادة الديمقراطيين في الكونغرس يرقصون بالفعل حول أحد أكثر الأسئلة السياسية حساسية فيما يتعلق بخطة الإنقاذ المالية: هل الرئيس مستعد لتأميم قطاع كبير من النظام البنكي للبلاد؟

وبصورة خاصة، فإن معظم أعضاء الفريق الاقتصادي الخاص بأوباما يتخيل أن الانهيار السريع لأكبر بنوك البلاد، مثل بنك أوف أميركا وسيتي غروب، يتطلب استثمارات أكبر من أموال دافعي الضرائب، أي أكثر من 300 مليار دولار التي يدفعها دافعو الضرائب والتي تم توجيهها إلى هاتين المؤسستين الماليتين ومئات غيرهما. ولكن إذا كانت هذه البنوك في حاجة إلى مئات مليارات الدولارات من الاستثمارات إلى جانب البنوك المنافسة الأخرى، فما الذي سوف يجنيه دافعو الضرائب في المقابل؟ وكيف ترتفع المخاطر مع توسع دور الحكومة من مجرد خطط إنقاذ محدودة إلى التحكم في جزء كبير من القطاع المالي لأكبر اقتصادات العالم؟

لكن إدارة أوباما لا تعطي إلا القليل من الإشارات فيما يتعلق بالإجابة على مثل هذه الأسئلة. وفي مقابلة أجريت معه يوم الأحد في برنامج «هذا الأسبوع» على قناة إيه بي سي، أشارت المتحدثة باسم مجلس النواب، نانسي بيلوسي إلى الجدل الداخلي الدائر حاليا، عندما سئلت عما إذا كان التأميم أو التأميم الجزئي لأكبر البنوك فكرة جيدة. وقالت السيدة بيلوسي وهي ديمقراطية من كاليفورنيا: «حسنا، يمكنك أن تسميه ما شئت. إذا كنا نغرب في تقوية هذه البنوك، فإن الشعب الأميركي يجب أن يحصل بعض الفوائد. والبعض يسمي ذلك تأميما». لكنها استدركت سريعا قائلة: «إنني لا أتحدث عن ملكية كاملة». ثم طرحت سؤالا: «هل فكرنا في يوم من الأيام أننا سوف نستخدم هذه المصطلحات؟ تأميم البنوك؟». وحتى الوقت الحالي، فإن المساعدين الكبار للرئيس أوباما قد تجنبوا هذه الكلمة تماما، وما زالوا يناقشون بحماس بالغ بدائل أخرى، بما في ذلك تأسيس «بنك سيئ» يعمل على تأميم أسوا القروض أداء من خلال تحويلها عن المؤسسات المالية دون الاستحواذ على ملكية البنوك. ويتحدث آخرون عن التأميم الواقعي، حيث تمتلك الحكومة جزءا كبيرا من البنوك ولكن ليس معظمها.

وقد حدث ذلك بالفعل، فدافعو الضرائب الآن هم أكبر حملة الأسهم في بنك أوف أميركا، حيث يمثلون نسبة 6 في المائة من الأسهم، وكذلك في سيتي غروب حيث يصلون إلى 7.8 في المائة. لكن التأثير الحكومي أكبر بكثير من هذه الأرقام، لأن الحكومة قد ضمنت استيعاب خسائر بعض الأصول السامة لدى البنكين، وهو الرقم الذي يمكن أن يصل إلى مئات مليارات الدولارات. ويعتقد البعض أن هذه الملكية المختلطة ـ جزء للحكومة وجزء خاص مع عدم وضوح مسؤوليات الملكية ـ لن تكون ناجحة. ويقول آدم إس بوسين، وهو نائب مدير معهد بيترسون للاقتصاد الدولي: «إن قضية التأميم الكامل أقوى الآن مما كانت عليه قبل أشهر قليلة. وإذا لم تحصل على أغلب الملكية فإنك لا تستطيع إقالة الإدارة أو التغلب على حملة الأسهم أو إعلان أنك سوف تتحمل الخسائر وتبدأ من جديد. إنه الخطأ الذي ارتكبه اليابانيون في أزمة التسعينيات». وأضاف مشيرا إلى مرشح وزارة الخزانة: «أعتقد أنه خلال الأسابيع القليلة المقبلة فإن الرئيس أوباما وتيم غيثنر سوف يعلنان أن الأمر أسوأ بكثير مما كنا نعتقد وسوف يقومان بالمهمة الصعبة».

وحتى الآن، فإن إدارة أوباما قد أشارت إلى أنها تحاول تجنب هذا اليوم، كما أن أعضاء من الفريق الاقتصادي – من بينهم السيد غيثنر وكبير مستشاري الرئيس للشؤون الاقتصادية لورنس إتش سومرز ـ قد لمحوا إلى أنه أثناء الأزمة المالية في آسيا خلال التسعينيات من القرن الماضي، كانت الحكومات تدلل مديري البنوك. وفي واقع الأمر، فإن مخاطر التأميم التي حذروا منها في ذلك الوقت تنطبق على الولايات المتحدة الآن. وأول هذه المخاطر، أن التأميم يمكن أن يكون معديا. فإذا استحوذت إدارة أوباما على بنك أوف أميركا وسيتي غروب، وهما أكبر بنكين في الولايات المتحدة، فإن المستثمرين الخاصين يمكن أن يقرروا الابتعاد عن البنوك المشابهة مثل جاي بي مورغان شاس وويلز فارغو وغيرها من البنوك الكبرى، خوفا من أن يأتي عليها الدور.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن مستشاري الرئيس أوباما يقولون إنهم مدركون بالفعل أنه إذا كانت الحكومة تفكر في إدارة البنكين، فإن الإدارة سوف تتعرض إلى ضغوط سياسية هائلة من أجل وقف حبس الرهن أو إقراض المال للمشروعات المتعثرة في المدن أو الولايات التي تتمتع بأعداد كبيرة من العملاء، مما يمكن أن يعوق جهود توجيه البنوك بعيدا عن الخطر.

وقد أفاد أحد المسؤولين الكبار في الإدارة بقوله: «إن سيناريوهات وقوع الكابوس لا تنتهي».

وحجة مؤيدي التأميم أو التأميم المحدود لمدة أشهر أو سنوات قليلة، واضحة: فربما يكون هو الطريقة الوحيدة لإنقاذ أكبر المؤسسات الأميركية من السقوط في الهاوية التي ربما تجعل من الصعب عليها توفير رأس المال الذي تحتاج لمواصلة أعمالها. وفي الوقت الحالي، فإن العديد من البنوك تتردد في حذف الديون السيئة واستيعاب خسائر كبيرة إلا إذا كانت قادرة أولا على توفير رأس مال كاف لمواصلة أعمالها. لكن هذه البنوك لا تستطيع جذب رأس المال دون تطهير الموازنات الخاصة بالأصول السامة. وقد أثبتت تجربة اليابان صعوبة المخاطر التي تكتنف السقوط إلى الهاوية، حيث تعرض الاقتصاد إلى الركود، كما توقف الاقتراض وتعرضت القوة الدبلوماسية للبلاد إلى الانكماش مع ضعف الموازنة. وقد يمكن للتأميم انتشال البنوك من هذه الهاوية، على الأقل بصورة مؤقتة، مع ضخ الحكومة للأموال وتوظيف مديرين جدد واستئناف الإقراض. لكن بعض الجمهوريين الذين كانوا يرفضون تدخل جورج بوش في السوق سوف يتهمون أوباما بأنه يتحول بأميركا نحو الاشتراكية.

ويقول تشارلز غيست، وهو مؤرخ مالي في كلية مانهاتن: «إن التأميم كلمة غير موجودة في القاموس الأميركي». وأردف قائلا: «إننا ننظر إليه كشيء يفعله الأجانب لنا وليس شيئا نفعله نحن».

وهو كذلك شيء يفعله الأجانب لأنفسهم: استحوذت الحكومة البريطانية على جزء كبير من رويال بنك أوف سكوتلاند.

وقد تساءل بعض مستشاري أوباما عمن سوف تعهد إليهم الحكومة بإدارة البنوك. فالعديد من أكثر الرؤساء التنفيذيين خبرة قد تأثرت سمعتهم بالقرارات التي اتخذوها في فترة الطفرة. وكيف يمكن للحكومة أن تجذب أصحاب أفضل المواهب إذا رغبت في أن تعطيهم رواتب محدودة – وهذا أمر واقع في بيئة العمل الحالية؟

وهناك خيار آخر، وهو أن تشتري الحكومة أكثر الأصول السامة لدى البنوك، سواء من خلال صندوق عملاق أو من خلال خيار آخر أكثر احتمالية وهو تأسيس بنك سيئ تموله الحكومة الفيدرالية ويخصص لشراء الاستثمارات المتعثرة. ولكن في هذه الحالة، فإن دافعي الضرائب ربما يكونون هم الخاسرين: فسوف يحصلون على كل الأصول السيئة لدى البنوك ولن يحصلوا على أي من القروض المناسبة. وإذا لم يتم التوصل إلى صفقة للحصول على نصيب أكبر من البنوك التي تراكمت لديها القروض السيئة، فإن دافعي الضرائب لن تكون لديهم فرصة للاستفادة من بيع الأسهم مرة أخرى إلى المستثمرين من الأفراد.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن تطهير الأصول السيئة لدى البنوك دون الحصول على سعر كبير لمديري البنوك وأصحاب الأسهم والمقرضين، هم من حذر منه السيد سومرز والسيد غيثنر أثناء الأزمة المالية الآسيوية. ويقول جيفري كارتن، وهو أستاذ في كلية يال للإدارة ومسؤول كبير في إدارة كلينتون: «لقد أخبرنا الآسيويين أن عليهم أن يتركوا البنوك والشركات تسقط. وقد حذرنا من أنه سوف تكون هناك مخاطرة أخلاقية كبرى إذا أنقذت الحكومة هذه البنوك والشركات». ويقول كذلك: «والآن، فإننا نفعل عكس ما نصحنا به تماما».

* شارك في هذا التقرير إريك داش من نيويورك

*خدمة «نيويورك تايمز»