المجتمع التنافسي يعتمد على مناهج تعليمية جيدة وخدمات صحية مميزة

كيف نخلق مجتمعاً تنافسياً؟

TT

الشفافية وحرية الصحافة ومراكز بحثية لقياس توجهات الرأي العام وتوفر المعلومات من القطاعين العام والخاص؛ أربعة عناصر رئيسية ركز عليها المتحدثون المشاركون في منتدى التنافسية الدولي الثالث أمس، وذلك من خلال الجلسة المعنونة «نحو طريقة تفكير مختلفة».

ويرى مايكل باول مؤسس شركة «باول للنشر» أن الأفكار تهم لخلق مجموعة أعمال مختلفة، موضحاً أن الفروق في مجموعة الأعمال تتمثل في القيم والمبادئ التي تقوم عليها، «والتي تستسقى من خلال المعرفة المكتسبة لكل مجموعة على حدة». وفي الوقت الذي تنشد الكثير من المجتمعات في دول العالم، وخاصة مجتمعات الشرق الأوسط في المرحلة الحالية إيجاد بيئة تنافسية مسؤولة، يبدو أن غياب مراكز لقياس توجهات الرأي العام تؤدي إلى عدم فهم الصورة كاملة. وهنا يقول مؤسس شركة بول للنشر «أحد أهم الرسائل المهمة لمواجهة التحديات يتمثل في الانفتاح على تقبل الأفكار الجديدة عبر القراءة واكتشاف الحضارات والتجارب الأخرى، التي تساعد على صقل أفكار جديدة لكل مجتمع». بينما تؤكد هيوجوت لابيلي رئيس مجلس إدارة ترانسبارنسي (الشفافية الدولية) أن الشفافية من أهم عوامل تغير طريقة التفكير، مشددة على الشفافية في المعلومات حول المواد المستخرجة في القطاعات المعدنية كالنفط والغاز على سبيل المثال.

ولم يحصر المتحدثون نقطتي الشفافية وتوفر المعلومات على القطاع الخاص، أي من الشركات حول أوضاع الأسواق ومجالات عملها الجديدة، ولكن على توفر معلومات عن مستويات الصحة والتعليم وأوضاع الأسر من حيث العنف والشعور بالاضطهاد. ويشار إلى أن جلسة «نحو طريقة تفكير مختلفة» تناولت عدداً من المحاور على طريقة أسئلة، وهي: كيف يمكن للعقليات وطرق التفكير أن تدعم التقدم الاقتصادي أو تعيقه، وكيف تستطيع الدول تغيير العقليات والثوابت الفكرية والذهنية، وفي نفس الوقت أن تحافظ على الثقافات المحلية والمجتمعية. وكذلك عن الفرق بين عقلية دولة تنافسية وعقلية شركة تنافسية، وكيفية قبول الدول التنوع والاختلاف ودعمها، وما هو الدور الذي يمكن أن تقوم به الشركات لتغيير عقلية وطريقة تفكير الدولة من خلال المسؤولية الاجتماعية. وأخيراً كيف تستطيع الأسواق أن تصبح أكثر التزاما بالأخلاقيات، وما هو دور الأخلاقيات في دعم التنافسية. ويدعو البروفسور فيليب بورجويز من جامعة بنسلفانيا الأميركية، وهو يزور السعودية للمرة الأولى، العاملين في القطاعات الخاصة بالشراكة مع الجهات الحكومية المعنية بضرورة الاستثمار في البنية التحتية في مجالات العلوم الاجتماعية. وأضاف بورجويز أن «القيام بدراسات تشمل البنية التحتية للعلوم الاجتماعية تسهم بشكل كبير في معرفة الفروقات ومستويات التعليم والصحة للمواطنين، ويجب القيام بهذا الأمر في المملكة العربية السعودية كون النسبة الأكبر من سكانها من فئة الشباب». ويعتبر الأكاديمي الأميركي أن وجود بيانات وإحصاءات ناتجة عن دراسات علمية ومنهجية في الأوضاع الاجتماعية لأي شعب يؤدي إلى صقل الأفكار والرؤى الجديدة لإطلاق مبادرات سواء في الشأن التجاري أو المجالات الثقافية التي لا تلغي مفهوم الربحية، كمشاريع المكتبات. وقال «هكذا نستطيع أن نتعرف على مميزات المتوفرة لدى كل فئة من السكان في أي بلد، وبعدها يبدأ الانطلاق نحو تثقيف الشباب، وصقل مواهبهم بشكل إيجابي، ويحضرني الآن مثال عن شاب أميركي صاحب أفكار ومبادرات ريادية في المجال التجاري، ولكن نتيجة التجاهل وعدم مساعدته اتجه نحو طريق العنف وبات تاجر مخدرات يقبع في السجن». ويوضح بورجويز أن في السجون الأميركية نحو مليون شخص. وتبلغ مخصصات السجين الواحد والتي يتم اعتمادها من قبل الحكومة 25 ألف دولار، مضيفاً «نسبة كبيرة من السجناء من فئة الشباب الذين عددهم متزايد، ولكن لم يتم الاستفادة من مهارتهم بشكل فعال مما أدى لتحولهم للطريق السلبي». وحدد بورجويز أربعة عناصر رئيسية في الدراسات التي تستهدف أوضاع وأحوال الشباب، متمثلة في فهم المشكلة عبر منهجية علمية وعملية واضحة، معرفة الفروقات بين الشباب، البحث عن آلية دمجهم في المؤسسات سواء في القطاعين الخاص والعام، وتقديم الحلول لإجراء إصلاحات في القطاعات العامة بحيث تقدم خدماتها لكافة أفراد المجتمع دون تفرقة. وأضاف «أفضل طريقة لتغير الأفكار أمام الفرد أن تكون كل الفرص متاحة». وفي ظل الحديث عن أهمية توفر المسؤولية الاجتماعية لدى شركات القطاع الخاص، يرى بيل أكتماير رئيس مجلس إدارة مجموعة بارثينون أن مصالح وأهداف الشركات تكون متفاوتة، من حيث الهّم الذي تعمل وفقه، مختصراً الأمر بأن هناك «همًّا ربحيا» وآخر «ثقافيا أو اتجاه المجتمع». وقال أكتماير «وجود الحماس للكسب الذاتي بالنسبة للفرد، الذي يعزز من مفاهيم غرست بشكل لا إرادي نتيجة سياسة الحكومة والشركات في بلده، تجعله مركزاً على الربح الشخصي من دون الاهتمام بجوانب تعود عليه وعلى المجتمع بالنفع في شكله العام. ويبقى السؤال المهم، كيف نستطيع خلق مجتمع تنافسي مسؤول». وهنا يرد بورجويز أن الوصول لهذا المجتمع يعتمد في الأساس على مناهج تعليمية جيدة، وخدمات صحية مميزة «حين تكون مناهج التعليم محفزة نحو التنافس وتعزيز مفهوم الهم الوطني، وكذلك حين تتميز».

وبالعودة للناشر بول الذي يطالب بتعزيز العامل القانوني المكافح والمحارب للفساد، بالإضافة إلى وجود شفافية حول أشكال ومستويات وأرقام الفساد على مستوى البلاد وفي مختلف القطاعات سواء القضاء أو الشرطة، فكل هذا في النهاية يسهم في خلق مجتمع مسؤول لا يخشى الاعتراف وتوثيق فساده بشكل علني.