عالم اقتصاد أميركي يحدد «الوقت» لحل الأزمة المالية ويطالب بالتعايش معها

دعا إلى تنويع صادرات السعودية ووجود قدرات جديدة في مجال الإبداع ورفع القدرات التكنولوجية

المهندس محمد الماضي أثناء مشاركته في جلسة «قائد القرن الواحد والعشرين»
TT

اعلن عالم اقتصادي أميركي أن الأزمة المالية العالمية لن تحل الا بـ «الوقت» واصفاً ذلك بالطبيعي في العلوم الاقتصادية، ومشيراً إلى أن الدورة الاقتصادية لا تشبه الدورات السابقة، وقال إنها «الأكثر شدة».

وبين مايكل بورتر، البروفيسور في جامعة هارفرد، أن العالم يعتقد الآن انه لم يصل إلى القاع، مستدركاً ذلك بان الاقتصاد العالمي بدأ بالنهوض من جديد من خلال عدد من المبادرات، وانه يجب تقبل تلك الأزمة، لافتاً أن الاقتصاد الأميركي أخذ درساً من هذه الدورة، والمتمثل في الادخار وعدم الاقتراض، متوقعاً عودة الاقتصاد بشكل اقوى.

وقال بورتور المختص في تنافسية الدول والأقاليم إن الاقتصاد السعودي يسير في اتجاه متين. وأضاف «نعم تباطأ قليلاً ولكن هناك تقدما في البلاد، النفط لوحده لا يكفي وحتى في وقت ارتفاع أسعار النفط، وهو يساعد على ذلك ولكنه لا يكفي. ويجب ايجاد اقتصاد سعودي عالمي، ويجب استخدام جميع الموارد الطبيعية».

وشدد بورتر في كلمته في افتتاحية اليوم الثالث والأخير لمنتدى التنافسية 2009 التي ألقاها أمس على أن النسبة الأقل من العاملين في السعودية يعملون في الاقتصاد، مبيناً انه يجب زيادة الإنتاجية من أجل تمكين المواطنين من العمل، مشيرا إلى أن نسبة البطالة لا تزال مرتفعة لو تم النظر في السنوات الماضية، وقال «نحن نعرف أن جيلاً شاباً جديداً ينتظر فرص العمل».

ودعا بورتر لتسريع وتيرة الاستثمارات السعودية، التي أشار أنها تنمو بشكل بطيء، مطالبا بأنه «يجب تسريعها ويجب إعطاء ثقة وأمان للمستثمرين من أجل زيادة الإنتاجية».

وأضاف أن «السعودية لا تحتاج إلى أموال بقدر ما تحتاج إلى تدريب إداري وتقنية يجلب لها الاستثمار الأجنبي، لكي تحقق التنافسية. ولاحظنا أن النمو في الصادرات يزيد في غير النفط، مثل بعض الصناعات» مطالبا في هذا الجانب بالاستمرار بتنويع صادرات البلاد، بالإضافة إلى تمكين الظروف لزيادة الصادرات، وانه يجب أن تكون هناك قدرات جديدة في مجال الإبداع، ويجب رفع القدرات التكنولوجية.

وأشار البروفسور الأميركي إلى أنه كان يتحدث عن السعودية وتحولها خلال زيارته الماضية، وان أسباب عودته كانت لوجود مؤشرات للتغيير، مبدياً سعادته لان يكون جزءا من ذلك.

وأضاف أن التنافسية تتطلب عقودا، مفيدا بأنها قد تحتاج أيضاً لتحسين وتطوير وتقدم، مبديا حماسة لمبادرات أطلقت العام الماضي من السعودية. وقال «أنا أتحدث عن مبادرة اكتشفت في السعودية، وأنا أعرف أن الريادة وتشكيل المنشآت الصغيرة والمتوسطة هي ضمن هذه الريادة، رأينا هنا في العام الماضي نظرة على الريادة في السعودية، ونرى إذا كانت السعودية تتقدم في الريادة، وستجدون هذه النتائج».

وأكد أن الظروف تغيرت حيث كان النمو في العام الماضي ينطلق بينما في العام الحالي هناك أزمة اقتصادية، «يجب أن نستغل هذه الأزمة من جعل جدول أعمال التنافسية في السعودية يسير بشكل أسرع».

وتطرق بورتر إلى أن هناك جهودا وصفها بـ«الرائعة» لرفع القدرات في السعودية، الا أنه أكد أن الطريق لا تزال طويلة، مضيفا «نحن نعرف أن الاقتصادات المتقدمة تصدر منتجات مرتبطة ببعضها البعض، وأعلى إنتاجية في النفط والغاز في هيوستن على الرغم من قلة النفط، لوجود تقنيات حديثة».

وأعطى بورتر مؤشرات مشجعة على تقدم تصنيف السعودية، حيث قال «إن السعودية لم تتقدم في الاقتصاد الكلي فقط، ولكن الجزئي أيضاً»، وأكد أن المملكة توازنت في تقدمها مع الازدهار، مشيراً إلى أن العام الماضي كان التركيز على النفط، وأن البلاد حسنت تنافسيتها، وهناك توازن بين التنافسية والازدهار، مفيدا بأنه إذا كان التقدم في الازدهار فيجب التقدم في التنافسية أيضاً، لافتاً أن السعودية تحسنت في البنى التحتية الاجتماعية، لكنه استدرك وأشار إلى أن الطريق لا يزال طويلاً.

وشدد بورتر على وجود ضعف في أداء بعض القطاعات الحكومية السعودية، وقال «هناك ضعف في نظام التعليم العام، والنظام الصحي في البلاد جيد، ولكن الإنفاق والاستثمارات في الصحة أقل مما يجب». كما طالب بـ«ضرورة تحسين حماية الملكية الفكرية والطرق والكهرباء وبيئة العمل وتوفير متدربين».

وأبان أن «لدى السعودية الكثير من الأولوية لتطوير الأيدي العاملة، ومن دون ذلك يصعب التعامل مع التطوير في الاقتصاد، بالإضافة إلى أنه يجب التركيز على السوق المالية، وهي تعاني من الأزمة، ويجب أيضا حوكمة الشركات، واستقطاب الاستثمارات في جميع مناحي الاقتصاد لتحسين الإنتاجية، في السياحة، وتقنية المعلومات، وعلى مستوى الوظائف والصادرات».

وشدد على أن الشركات الناشئة هي التي تقود عملية التنافسية أكثر من الشركات الكبرى، وهي توفد معظم الوظائف، وتأتي بالمزيد من المنافسة في الحقول الأخرى، مشيرا إلى أن «روح المبادرة في السعودية ممتازة جداً، والثغرات في السلع والخدمات يجب سدها».

وانتقد بورتر محدودية المعلومات والبيانات المتوافرة حول الشركات، وقال «قررنا معا وأوجدنا فكرة النمو السريع للشركات الخاصة، ونريد أن نعرف 25 شركة سريعة النمو، ولكننا لم نجد أية قاعدة بيانات أو تصنيفات».

وأضاف «كانت تجربة مثيرة للاهتمام، لا توجد هيئات تحدد مثل هذه الشركات، وما توصلنا إليه هو التفوق على هذه العقبات، وفي النهاية وجدنا مثل هذه الشركات، وشركات عمرها 5 سنوات وسرعة نموها 40 في المائة، وهي أقل من نمو الشركات العالمية، و25 شركة أوجدت 15 ألف وظيفة، وهناك شركات لم تبلغ 5 سنوات من العمر».

وعن مستقبل البيئة الاستثمارية أكد وجود تحول إيجابي بحسب البيانات التي تم الاطلاع عليها، مشيراً الى أن هذا العام يعتبر أكثر إثارة، وهو الإعلان عن الشركات الأكثر نمواً في العام، وقال «في العام الماضي قررنا البحث عن الشركات الأسرع نمواً في السعودية، لدراسة طريقة نموها»، مبيناً أن الشركات هي رموز مهمة لما يجب أن تتجه إليه المملكة في المستقبل، وأن نجاحها مؤشر لنجاح الاقتصاد في المستقبل.

وحول الأزمة المالية وانعكاساتها علق بورتر أن «السبب يكمن في وجود قروض متراكمة، ما تسبب في قلة المال بالنسبة للبنوك من أجل الإقراض، وهذا قلص الأعمال الاقتصادية، ونحن في وقت مخيف، والسبب عدم ثقة المستثمرين لعدم وصولنا إلى القاع، لأن الوصول إليه يعني إعادة الصعود، وأن التحدي هو البدء في الصعود، وهناك إشارات إلى وجود مرحلة للصعود، وأنصح السعودية في اتخاذ سياسة محافظة للاستثمار ولكن ليس بشدة، وأن تستغل الأزمة في التصحيح على المدى البعيد وليس القريب».

واضاف أن السعودية تتوفر فيها فرص تجارية في قطاعات الاتصالات والطرق وغيرها، مشيراً إلى وجود تغيير في الشفافية والانفتاح على الحوار في المملكة وهذا مشجع للاقتصاد والتنافسية.

من جهة اخرى طالب المشاركون في جلسة حملت عنوان «قائد القرن الواحد والعشرين» بالتركيز كثيراً على التدريب لما فيه صالح الشركات العالمية، مؤكدين أن التعليم هو أحد أهم المداخل التي تساعد على تدريب جيد، وضرورة أن يكون المتدرب متعلماً.

وقال المهندس محمد الماضي، نائب رئيس مجلس إدارة شركة الصناعات الأساسية (سابك): «لدينا مشكلة كبيرة في التدريب، ونحن نحتاج إلى التعليم في البداية، عادة نحتاج إلى التوظيف، ويجب إرسال الموظفين إلى التدريب في بداية الأمر».

وأضاف: «قبل أن يكون لدينا مدققون ماليون، يجب أن يكون لدينا مدققون يراقبون الموارد البشرية وتطوير العاملين في الشركات، لأنها أهم بكثير من التدقيق المالي».

واقترح الماضي أن يذهب كبار المسؤولين في الشركات إلى القطاع الحكومي لكي يقوموا بتدريب الموظفين ومنحهم خبرتهم الكبيرة الناجمة من العمل في القطاع الخاص، وأن يكون ذلك عبر برنامج بين الحكومات والقطاع الخاص.

من جهته طالب الدكتور لاليت جوهري في برنامج الادارة المتقدمة في جامعة أوكسفورد البريطانية في الجلسة أن يتم التركيز على تعليم القادة، وكيف يمكن تصميم المناهج لتعليم القادة الجدد، قائلاً «نحن في اكسفورد علمنا القادة منذ 100 عام».

وناقشت الجلسة الفرص المتاحة والتحديات التي تواجه السياسات الخاصة بتنمية وتطوير المواهب الوطنية، وكيفية استطاعة الشركات التغلب بفعالية على مشكلات نقص المهارات، وكيفية جعل المسؤولية عنصراً من عناصر سياسات تنمية ورعاية المواهب في الشركات، والأساليب التي تستخدمها الشركات والمؤسسات في استقطاب وتحفيز، والمحافظة على بقاء، المواهب في الأسواق العالمية، إضافة إلى أثر الأزمة المالية العالمية على إعادة تشكيل أسواق المواهب مستقبلاً.