بعد أن كان نعمة.. اليورو يصبح نقمة على بعض الدول

حلم العملة الأوروبية الموحدة تحول فيها إلى أسوأ كابوس

مقر البنك المركزي الأوروبي في مدينة فرانكفورت الألمانية «الشرق الأوسط»
TT

قال جورج إيكونومو، رجل الأعمال اليوناني المتخصص في عمليات الشحن، متأملا الأزمات الاقتصادية التي حلت ببلاده وبلاد أخرى من غرفة مجلس إدارة شركته الفسيحة: «كان الإيطاليون والإسبان واليونانيون، كنا جميعا نعيش في أرض السعادة، ننفق ما لم نكن نملكه. كان هذا عالما خياليا».

بالنسبة لبعض الدول الهامشية في منطقة عملة اليورو المشترك فيها 16 دولة، مثل اليونان وإيطاليا والبرتغال وإسبانيا، تحول هذا الحلم الذي أطلقته الديون بالاستهلاك الذي لا ينتهي إلى أسوأ كابوس، حيث تظهر خطورة إمكانية إجبار دولة عملتها اليورو على إشهار إفلاسها أو التخلي عن العملة.

ويعد هذا التوقع، على الرغم من عدم ترجيحه، مقللا من شأن الدول. وكان الهدف وراء تبني عملة اليورو منذ عقد هو توحيد أوروبا اقتصاديا وسياسيا، ووضع حد للصراعات العنيفة في بعض الأحيان حول من يمكنه تخفيض قيمة عملته أسرع ويفقر الدولة المجاورة له.

وأبرزت العملة الموحدة، بالنسبة للقارة الأوروبية، إمكانية منافسة الولايات المتحدة. أما بالنسبة لدولها الفقيرة، كان الانضمام إلى منطقة اليورو لحظة فخر، تظهر فيها أنها قللت من عجز ميزانياتها ووضعت نظاما لمؤسساتها المالية.

وفي الوقت الحالي، وسط أسوأ تراجع اقتصادي منذ مولد اليورو، تظهر رؤية جديدة، وخاصة مع تدني مستويات الثقة في اليونان وإسبانيا والبرتغال، دولة تلو الأخرى. وتشير هذه الرؤية إلى أن مُسكن عضوية اليورو سمح لهذه الدول بإضفاء مظهر خادع على مشاكلها الاقتصادية التي بدأت تخرج إلى المقدمة. ويقول سيمون تيلفورد، كبير الاقتصاديين في مركز الإصلاح الأوروبي في لندن: «إن عضوية اليورو ليست علاجا للمشاكل الاجتماعية والاقتصادية في أي بلد». وأضاف مقارنا بين اليونان ودول اليورو الأكثر ثراء: «في الحقيقة كان هناك تفاوت كبير في القدرة التنافسية التي ظهرت في الخلل الكبير في موازين التبادل التجاري. وعلى الرغم من أن اليونان ربما تكون قد استطاعت أن تمنع خطورة أزمة العملة، إلا أنه يوجد أيضا خطر أزمة الائتمان وفقدان الثقة في قدرتها على الوفاء بالتزاماتها».

وعلى الرغم من أن الاشتراك في عملة موحدة مع بعض من أقوى الأنظمة الاقتصادية في العالم قد ساعد الدول الأوروبية الفقيرة على التشارك في الثروات، والحصول على منحة في أوقات الرخاء، إلا أنه في أوقات الشدة تمنعهم العضوية من اتخاذ إجراءات طبيعية تقوم بها الدول من أجل الصمود أمام العواصف الاقتصادية، من بينها الإنفاق الهائل.

لذلك تضع ألمانيا وفرنسا والدول الاسكندنافية خطط تحفيز تبلغ قيمتها مليارات الدولارات وترفع السياج لحماية بنوكها. ولكن تُترك الأنظمة الاقتصادية الهامشية لتعصف بها رياح السوق.

ومع وجود حاجة إلى التحفيز من أجل التعامل مع التراجع الاقتصادي الحاد، تجد هذه الدول نفسها واقعة في مأزق سياسي بغيض: الائتمان متاح، ولكن بأسعار فائدة عقابية؛ وسيخرق المزيد من الاقتراض أوامر المفوضية الأوروبية، كما أنه سيثير شكوكا حول قدرة هذه البلاد على الوفاء بالتزاماتها.

وقد أظهر المضاربون في العملات والسندات أنهم ينوون معاقبة الدول ذات الإمكانيات الاقتصادية المشكوك بها، تماما كما عاقبوا البنوك. وترتفع العائدات سريعا على ديون الأنظمة الاقتصادية الأوروبية الهامشية ذات العجز المتزايد في الميزانيات. وقد هبط سعر الجنيه البريطاني بسبب فقدان الثقة في الخطط الموضوعة لدعم البنوك البريطانية.

ويتوقع القليل من الخبراء أن تنفد أموال اليونان أو الدول المتوسطية الأخرى أو أنها ستتخلى عن اليورو. ولكن تكشف الفجوة المتزايدة بين سعر الفائدة التي يجب على اليونان وأنظمة اقتصادية أكبر منها مثل ألمانيا أن تسددها من أجل الاقتراض عن أول الشقوق التي أصابت ما يظل حتى الآن حصن أوروبا الصامد.

وقد خفض ستاندرد أند بورز من مرتبة ديون إسبانيا، التي تتمتع بنمو اقتصادي قوي، بسبب الخسائر التي تعرضت لها إثر أزمة العقارات.

وفي أيرلندا، التي كانت الدولة ذات النمو المرتفع العزيزة على الاتحاد الأوروبي، يستمر الاقتصاد في حالة من الاضطراب بسبب انهيار صناعة العقارات وعجز القطاع المصرفي عن القيام بوظيفته مع مسؤوليات تفوق إجمالي الإنتاج المحلي في الدولة. وكما هو الحال مع اليونان، تختلف عائدات السندات في أيرلندا عن تلك في ألمانيا. ويعد انتحار رجل الأعمال البارز في مجال العقارات باتريك روكا أحدث تذكير للخوف والصدمة التي تسيطر على البلاد.

ولكن من المرجح أن تكون مشاكل اليونان هي الأسوأ. وقد كانت اليونان هدفا سهلا لمراقبي سوق السندات الأوروبية، وأخيرا تجتاحها موجة من المظاهرات العنيفة.

وقد تسببت الدولة اليونانية ذات النفوذ المطلق في ديون تفوق 90 في المائة من إجمالي الإنتاج الاقتصادي اليوناني. وقد أسفر التزايد المستمر في طلب مستهلكيها، الذين كانوا يتمتعون بحماية اليورو ذي نسبة التضخم المنخفضة، عن عجز في الميزان الجاري بنسبة 14 في المائة من إجمالي الإنتاج المحلي، وهو ما يقدر بأعلى نسبة في أوروبا.

ويقيس الحساب الجاري الفارق بين صادرات الدولة ووارداتها من جميع السلع والخدمات.

وفي الأسبوع الماضي، خفض ستاندرد أند بورز من ديون اليونان إلى تصنيف أقل. وتبلغ نسبة الفرق بين معدل الفائدة على سنداتها، في مقابل ما تدفعه دول أغنى مثل ألمانيا، حوالي 3 في المائة، وهي أكبر نسبة في منطقة اليورو.

ويقف إيكونومو، مدير شركة الشحن اليونانية، وسط وابل من النيران. وقد انخفضت أسهم شركته دراي شيبس بنسبة 90 في المائة؛ ولم تعد بنوك أوروبا التي كانت تسعى وراء شركته تطلب منه أي شيء.

وقال وعلى وجهه ابتسامة حزينة بينما يفكر في الضربة التي أصيبت بها شركته وقيمتها الإجمالية: «إن الحالة النفسية محطمة. وقد بكيت بالفعل، والآن نفدت أموالي».

وبينما يشعر العديد من اليونانيين، الذين اعتادوا على راحة النمو الاقتصادي النشيط والعملة القوية، بالصدمة، يقول آخرون، عاشوا أثناء الأزمات المالية والسياسية الماضية في البلاد، إن الاضطراب الحالي كان متوقعا.

قال فاسيليس كاراتزاس، مدير صندوق في أثينا، وهو يحتسي القهوة اليونانية في مقهى مفتوح في وسط المدينة: «كنا نعرف أن هذا الوضع لن يستمر. هناك خوف من منطقة اليورو، ولكني لا أعتقد أن المفوضية ستسمح لدولها الهامشية بالانهيار. فنحن نصعد متحدين، ونسقط منقسمين».

ويقول يانيس ستورناراس، الاقتصادي الذي كان من كبار المستشارين الاقتصاديين في الحكومة السابقة لحزب الحركة الاشتراكية لعموم اليونان، إنه بعد فترة طويلة من الالتقاء، من المتوقع أن يكون هناك تباعد يوناني عن شمال أوروبا.

وبالإضافة إلى تلك الضغوط، لم يعد الفائض في دول مثل ألمانيا يعاد تدويره مجددا إلى اليونان والدول الأقل رخاء. وعلاوة على ذلك، لا تميل ألمانيا، أكبر دولة مصدرة في العالم، إلى تشجيع مستهلكيها على شراء المزيد من السلع من بقية دول أوروبا.

ولكن سخر ستورناراس من احتمالية إشهار الإفلاس كما كان ذلك منتشرا في أميركا اللاتينية. ولم يقبل فكرة أن اليونان ربما تترك منطقة اليورو وتحاول خفض قيمة العملة في طريقها لتحقيق الانتعاش.

وقال وهو يهز رأسه بقوة: «إفلاس؟ لا، لا، لا. منذ بداية القرن العشرين، لم تكن لدينا مشاكل في ديوننا المتأخرة».

ولكن لا يستبعد آخرون مثل هذا الحدث، على الرغم من أنهم يعترفون بأنه غير مرجح إلى حد كبير. وكان واحد من السياسيين القليلين في اليونان الذين لم يخجلوا من تناول هذه القضايا ستيفانو مانوس، وزير الاقتصاد السابق الذي وضع في بداية التسعينات برنامجا هائلا وناجحا للخصخصة. لقد أسس حزبا جديدا ويفكر الآن في العودة إلى البرلمان أملا في الانضمام إلى حكومة جديدة تنتبه إلى رسالته القديمة: تحتاج اليونان إلى توقف العجز المستمر في الميزانية وحل قضية التنافسية العالمية.

وقال أثناء استقباله لعدد من معجبيه في فندق غراند بيرتاني في أثينا: «نحتاج إلى المال لنمول العجز في الميزانية. ولكني أرى صعوبة في جذبنا لتلك الأموال من الخارج. ولست متأكدا من أن هذا الانهيار لن يخرج عن نطاق السيطرة، وهذا يصيبني بالحزن والإحباط».

أما بالنسبة لبقية أوروبا، وخاصة صلاتها الضعيفة، فيساوره أيضا بعض شكوك.

وقال: «لا أعتقد أن أوروبا قادرة على الأمر، لقد توسعت سريعا من دون إصلاح مؤسساتها».

* خدمة «نيويورك تايمز»