قطاع تكنولوجيا المعلومات الهندي يفقد مصداقيته

بعد فضيحة تزييف أرباح «ساتيام» لثماني سنوات متتالية

فضيحة ساتيام تشكل أكبر فضيحة احتيال على مستوى الشركات الهندية (رويترز)
TT

تعرضت الصورة العامة لصناعة تكنولوجيا المعلومات الهندية التي تقدر قيمتها بـ64 مليار دولار لصفعة قوية عندما أعلنت واحدة من كبريات شركات البرمجيات وخدمات الحاسب الآلي على مستوى البلاد في اعتراف مثير للصدمة عن تزويرها وثائق الحسابات والأصول الخاصة بها. جاء الاعتراف الصادم في 7 يناير (كانون الثاني) على لسان بي. رامالينغا راغو، مؤسس ورئيس شركة ساتيام كمبيوتر سرفيسز، ومقرها حيدر أباد، وهي رابع أكبر جهة تصدير للبرمجيات داخل الهند. وكشف راغو عن تزويره سجلات الشركة للمبالغة في العائدات والأرباح، ما أثار صدمة الهند بأسرها وعملاء على الصعيد العالمي. وحسب ما ورد بالاعتراف، فإن الشركة زيفت الأرباح على مدار ثماني سنوات وزعمت أن لديها سيولة نقدية بالمصارف تبلغ 1.5 مليار دولار، الأمر الذي لم يكن له وجود في الواقع. وعلى مدار سنوات عدة، تم إخفاء هذا التزوير عن أعين أعضاء مجلس إدارة الشركة وكبار المديرين بالشركة ومراجعي الحسابات. وقال راغو في اعترافه: «كان الأمر أشبه بامتطاء نمر، ولا تدري السبيل إلى النزول دون أن يلتهمك». وبالنظر إلى أن من بين عملائها 185 من بين إجمالي 500 شركة واردة بقائمة مجلة فورتشن لأكبر الشركات على مستوى العالم، وامتداد نشاطها إلى 66 دولة، فإن شهرة ساتيام ـ وبالتالي الفضيحة الراهنة ـ لها أصداء واسعة النطاق. يذكر أن الشركة المسجلة بكل من بورصتي نيويورك وبومباي تعرض مجموعة من الخدمات مثل تطوير البرمجيات والتعاقد الخارجي (المعروف باسم أوت سورسنغ). ومن بين عملاء الشركة أنيليفر وسوني وتيسكو وبوتس ونستلة وفيفا. كما توفر ساتيام الدعم لشركات التوريد مثل أوراكل وساب. فيما ظهرت أولى المؤشرات على وجود مشكلات في ساتيام عندما اتهمها البنك الدولي بتقديم رشاوى لمسؤوليه وحرمانها من ممارسة أي نشاط تجاري معه على مدار ثماني سنوات، تبدأ من سبتمبر (أيلول) في العام السابق، بناءً على اتهامات لها بسرقة بيانات ودفع رشاوى للعاملين بالبنك. ولا شك أن جريمة الاحتيال التي وقعت في ساتيام خيمت بظلالها السوداء على صناعة تكنولوجيا المعلومات التي تمتعت حتى وقت تفجر هذه المعلومات بصورة براقة، بل وعلى قطاع الشركات التجارية الهندية بأسره. ويواجه الكثيرون من موظفي ساتيام، البالغ إجمالي عددهم 35 ألف موظف، بينهم المئات بمنطقة باي إريا، خطر فقدان وظائفهم. وربما تتحرك العديد من كبريات الشركات الواردة بقائمة مجلة فورتشن، والتي تعتمد على ساتيام في بعض الخدمات وضع نظام إعداد الفواتير وإدارة برامج الجزء الخلفي (back-end systems)، نحو البحث عن شركاء جدد بمجال التعاقد الخارجي. جدير بالذكر أن رئيس ساتيام المحتجز حالياً لدى الشرطة اعترف أمام المحققين باستغلاله أموال ساتيام في صفقات مضاربة بمجال الأراضي لصالح شركة مايتاس التي يملكها نجليه وتعمل بمجال تنمية البنية التحتية. وقد أخفقت جهوده في أعقاب انهيار أسعار الأراضي داخل ولاية أندهرا براديش التي ينتمي إليها. أما على صعيد البورصة، تراجعت قيمة أسهم ساتيام بنسبة قاربت 80 في المائة، ما أسفر عن تقليص قيمة سوق رأسمال الشركة مما يتجاوز 7 مليارات دولار عام 2008 إلى أقل من 450 مليون دولار. يذكر أنه على مدار سنوات عديدة، جرت الإشادة بالشركات الهندية العاملة بمجال تكنولوجيا المعلومات، وهي ساتيام وكبار منافسيها، مثل تاتا للخدمات الاستشارية وإنفوسيس ويبرو، باعتبارهم من بين السفراء الجدد للصناعة الهندية، في الوقت الذي حازت ممارسات هذه الشركات على صعيد الحوكمة أوسمة بمختلف أنحاء العالم، وشكلت معدلات النمو الكبيرة التي حققتها عامل جذب للمستثمرين. وتشير الإحصاءات إلى أن قطاع تكنولوجيا المعلومات الهندي يوفر فرص عمل لعشرة ملايين شخص على الأقل، وأسهم بدرجة هائلة على امتداد العقدين الماضيين في النمو الاقتصادي على مستوى البلاد والعائدات من الصرف الأجنبي وخلق فرص عمل، إلى جانب ضمان متانة الاقتصاد بوجه عام. إلا أن فضيحة ساتيام، والتي تشكل أكبر فضيحة احتيال على مستوى الشركات الهندية، أسفرت عن اهتزاز الثقة العالمية في أنظمة حوكمة الشركات الهندية بوجه عام، رغم أنه قبل تكشف هذه الفضيحة، كان يجري النظر إلى شركات تكنولوجيا المعلومات الهندية ورؤسائها أمثال إن آر نارايانا مرثي بشركة إنفوسيس وآزيم بريمجي من ويبرو، باعتبارهم نموذجا يحتذى به بمجال حوكمة الشركات. وقد بذلت شركات تكنولوجيا المعلومات الهندية الكثير من الجهود على مدار سنوات طويلة لبناء سمعتها التي مكنتها من الوقوف جنباً إلى جنب مع أسماء عالمية مثل آي بي إم وأكسنتشر وإتش بي وكاب جيميني وأتوس أوريجين. لكن فضيحة ساتيام من الممكن أن تقضي على كل ذلك في لحظة. والمعروف أن سمعة صناعة تكنولوجيا المعلومات الهندية الجيدة بمجال حوكمة الشركات تلقت صفعة قوية بإعلان البنك الدولي منع اثنين من الشركات الهندية الأخرى، وهي ويبرو تكنولوجيز، ثالث اكبر شركة بمجال تكنولوجيا المعلومات في الهند، وميغاسوفت كنسلتانتس، من إبرام تعاقدات مباشرة مع البنك لمدة أربع سنوات بداية من يونيو (حزيران) 2007 وديسمبر (كانون الأول) 2007 على الترتيب في ظل برنامج التوريد الخاص بالبنك. وجاء فرض هذه القيود على ويبرو وميغاسوفت على الترتيب لعرض ملكية أسهم على مسؤولي البنك وإقامة مشروع مشترك في الصين مع مسؤول سابق بالبنك. ورغم صعوبة الوصول إلى أرقام مؤكدة، فإن تقديرات المحللين تشير إلى أن صناعة تكنولوجيا المعلومات الهندية تحصل على تعاقدات من البنك الدولي سنوياً بقيم تتراوح بين 25 و30 مليون دولار. وجاءت فضيحة ساتيام كضربة أخرى لصناعة تكنولوجيا المعلومات التي خرجت للوجود في أواخر عقد الثمانينات وترزح حالياً تحت وطأة التداعيات السلبية للركود العالمي وتباطؤ عجلة نشاط قطاعات المصارف والتمويل والتأمين، وكذلك تأثيرات فضيحة الاحتيال المرتبطة بساتيام. من ناحيتها، لم تكشف ويبرو أمام مستثمريها عن الحظر الذي فرضه عليها البنك الدولي على مدار أربع سنوات بداية من يونيو 2007 حتى أعلن البنك من جانبه أسماء كافة الشركات والأفراد الذين حظر منحهم عقود يتولى هو تمويلها على امتداد فترات متباينة. وقال غيريش بارانجبي، الرئيس التنفيذي لويبرو، إن الاتهام بتقديم «عون غير ملائم» لا يندرج تحت أي نمط من أنماط الإغراءات غير القانونية ويتوافق «العون» المزعوم مع القوانين الأميركية. وأضاف: «عندما سجلت ويبرو شهادة إيداع أميركية في سوق نيويورك للأوراق المالية عام 2000، خصصنا أسهم لعدة أشخاص بينهم (بعض الموظفين) لدى عملاء محتملين تبعاً لما نصح به المديرون لدينا فيما يتعلق بمورغان ستانلي وكريديت سويس. ولم يكن هذا الأمر محظوراً في ظل قوانين لجنة البورصة والأوراق المالية ويعد ذلك إجراء شائعا داخل الولايات المتحدة». على الجانب الآخر، قال جي في كومار، المدير الإداري والرئيس التنفيذي لميغاسوفت، إن السبب وراء الحظر يرجع إلى تضارب واضح في المصالح نظراً لأن موظفا سابقا بالبنك الدولي كان شريكاً في مشروع مشترك داخل الصين بدأته الشركة عام 2003 عندما كان لا يزال يعمل بالبنك في قسم التوريدات. واستطرد كومار، الذي يعمل بالشركة منذ عام 2004، موضحاً أنه: «عام 2003، أنشأنا ميغاسوفت الصين بالتعاون مع مسؤول سابق بالبنك الدولي ـ بين هو، الذي كان أيضاً عضواً بمجلس إدارة ميغاسوفت حتى عام 2006. كان هو قد ترك العمل في البنك عام 2001». ويبدو أن مشكلات صناعة تكنولوجيا المعلومات الهندية لا تنتهي عند هذا الحد، ذلك أنه من المحتمل أن تشهد عائدات الشركات الهندية المشاركة بنشاطات التعاقد الخارجي مثل إنفوسيس تكنولوجيز وتاتا كونلستانسي سيرفيسز وويبرو تراجعاً كبيراً في أعقاب تقدم أحد عملائهم، وهي نورتيل نتوركس كورب التي تعد أكبر شركة اتصالات عن بعد بأميركا الشمالية، بطلب لإشهار إفلاسها الأسبوع الماضي. علاوة على ذلك، من المتوقع أن تتلقى شركة هندية أخرى، هي ساسكين كمينيكيشنز، للضربة الأقوى جراء ذلك بالنظر إلى أن نورتيل تملك حصة بها تبلغ 9.33 في المائة، إضافة إلى أن الشركة الهندية تعتبر نورتيل بين أكبر خمس عملاء لها والذين يسهمون بحوالي 65 في المائة من دخلها. والتساؤل المطروح الآن ما التداعيات التي ستخلفها كل هذه الأحداث على الصورة العامة لقطاع تكنولوجيا المعلومات الهندي، الذي شكل بدوره أحد أعمدة الصورة الجديدة للهند على الساحة العالمية؟ في الواقع، جاءت الأحداث التي شهدتها ساتيام في توقيت بالغ السوء، فمع تداعي الكثير من المؤسسات المالية البارزة داخل الولايات المتحدة بسبب ممارسات إدارية مشبوهة، بات قلق متنامي يساور العملاء إزاء الصورة العامة والممارسات على صعيد الحوكمة لدى شركائهم التجاريين.

وبمقدور فضيحة كتلك التي تفجرت داخل ساتيام توجيه ضربة قاصمة لصورة قطاع تكنولوجيا المعلومات الهندي. ويتفق المحللون فيما بينهم على أن رد الفعل المبدئي على الساحة العالمية حيال الفضيحة الجديدة ستتمثل في التحلي بالحذر والحرص. في هذا السياق، أكد رامان روي، الرئيس والمدير الإداري بشركة كواتر بي بي أو سولوشنز، والذي يعد الأب الروحي لمجال التعاقد الخارجي بالهند، أنه: «ستكون تلك ضربة قاسية. يعتقد البعض أنه ربما يجد قطاع تكنولوجيا المعلومات الهندي بعض العملاء يشككون في صحة حساباته، وفي الوقت ذاته ربما ينظر البعض إلى هذا الأمر باعتباره مؤشرا على دخول القطاع مرحلة النضوج». وأضاف أن العبء كله يقع حالياً على عاتق صناعة تكنولوجيا المعلومات الهندية لإثبات أن ممارساتها الحسابية صحيحة تماماً. وشدد على أنه: «إلى جانب الكفاءة، فإن الثقة هي التي بنت سمعة قطاع تكنولوجيا المعلومات الهندي». لكن آخرين أمثال سانتوش ديساي، الرئيس التنفيذي لشركة فيوتشر براندز، يرون أن فضيحة ساتيام ستخلق شكوكاً وريبة، على الأقل على المدى القصير. وأعرب ديساي عن مخاوفه من أن تتجاوز التداعيات السلبية لهذه الفضيحة قطاع تكنولوجيا المعلومات.