مسؤول اقتصادي يستغرب عزوف السياسيين اللبنانيين عن مقاربة مشكلة استهلاك خدمة الدين العام

بانتظار حصول التوافق لإنهاء «أزمة» مخصصات مجلس الجنوب

TT

فيما يسعى رئيس الجمهورية اللبنانية العماد ميشال سليمان الى اخراج مشروع الموازنة العامة للسنة 2009 من عنق زجاجة مخصصات مجلس الجنوب وما دار من سجال حاد بشأنها، أظهرت الاحصاءات المنجزة لموازنة العام 2008 مواطن الخلل الحقيقية في المالية العامة للدولة وابتعاد معظم الاطراف السياسية عن مقاربتها بحلول جدية وناجعة.

فقد استهلك تمويل عجز مؤسسة «كهرباء لبنان» وحده نحو 2430 مليار ليرة مليار (1.6 مليار دولار) خلال العام 2008، بزيادة نحو 950 مليار ليرة عما كان في العام السابق، وما يوازي 22 في المائة من اجمالي الانفاق العام للموازنة. بينما استهلكت خدمة الدين العام 4957 مليار ليرة (نحو 3.29 مليار دولار) أو ما يوازي نحو 45 في المائة من اجمالي الانفاق. واللافت ان الانفاق على هذين البندين يستهلك أيضاً الشريحة الاكبر من الايرادات العامة، ما يحول دون تخصيص مبالغ ذات قيمة جدية للانفاق الاستثماري باعتبار ان بقية الاموال المحصلة يتم انفاقها للرواتب والاجور والمصاريف الادارية. وبالتالي تغيب الدولة بشكل شبه تام عن لعب دورها في النمو الاقتصادي والتنمية. ويرتقب أن تركز الهيئات الاقتصادية في تحرك قريب على اهمية معالجة الاعباء الثقيلة التي تضغط على الموازنة العامة، بدل الانشغال بزيادة الانفاق ومقابلته بزيادات موازية للضرائب والرسوم بما في ذلك زيادة الضريبة على الفوائد المصرفية وزيادة الضريبة على القيمة المضافة والرسوم الجمركية وغيرها، ما ينقل الاعباء الى المواطنين ويسيء الى المناخ الاستثماري وقدرة المؤسسات الخاصة على جذب الرساميل والتوظيفات، ويؤدي بالمحصلة الى اعاقة النمو المرتقب تراجعه أصلاً بفعل الازمة المالية الدولية وتداعياتها. ويستغرب مسؤول اقتصادي عدم اكتراث السياسيين اللبنانيين، من شخصيات وأحزاب ووزراء ونواب، بأهمية اعداد تصور اقتصادي يتسم بالجدية والتكامل بهدف معالجة أزمتي الدين العام وعجز الكهرباء اللتين تجهضان أي خطة للاصلاح الاداري والمالي، بينما يسعى الجميع الى «نيل حصة» من الانفاق العام المحدود أصلاً.

ويلفت المسؤول، الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، ان المبالغ الكبيرة المخصصة لتمويل العجز المالي في مؤسسة الكهرباء خلال السنوات الماضية (أكثر من 3 مليارات دولار) تكفي وتزيد لانشاء معامل جديدة تغطي النقص الفاضح في انتاج الطاقة الكهربائية. اذ لا يعقل، بعد نحو عقدين على مسيرة السلم عقب اتفاق الطائف، ان يعتمد لبنان برامج قاسية للتقنين الكهربائي تزيد أحياناً على 12 ساعة في اليوم الواحد، على الرغم من أهمية هذا العنصر الحيوي في حياة الناس وعمل المؤسسات والبيئة الاجتماعية (التمييز في تغذية المناطق بالطاقة الكهربائية) والاقتصادية والاستثمارية.

وما يندرج في موضوع الكهرباء المرشح «قدرياً» لبعض الحلحلة بفعل تراجع اسعار النفط، يندرج بصورة أقصى وأشد ايلاماً في موضوع الدين العام البالغ حالياً نحو 47 مليار دولار والمرشح لتخطي عتبته 50 مليار دولار بنهاية السنة الحالية.

فالدين العام يدور في حلقة مفرغة منذ أكثر من عشر سنوات وينمو بوتيرة تفوق نسب النمو الاقتصادي، حيث بات يوازي أكثر من 180 في المائة من الناتج المحلي، على رغم المساعدات والقروض العربية والدولية وخصوصاً برامج مؤتمري «باريس ـ 2» و«باريس ـ 3» التي ضخت تمويلاً مباشراً وغير مباشر يزيد عن 6 مليارات دولار خلال السنوات الخمس الماضية.