البنوك المتعثرة قد تحتاج إلى المزيد من المساعدات لحل أزمتها

خبير: الأزمة سيطول أمدها بدون علاج الديون السامة

رفع صندوق النقد الدولي تقديراته بشأن خسائر القروض والأوراق المالية من 1.4 إلى 2.2 تريليون دولار في نهاية يناير (ا.ف.ب)
TT

أكد العديد من المحللين والخبراء أن التقييم الواقعي لكمية الخسائر المتنامية التي تعاني منها البنوك يمكن أن يتجاوز قيمة أصول البنوك نفسها. كما أنهم يرون البنوك غير قادرة على الوفاء بديونها، مشبهين البنوك الكبيرة في الولايات المتحدة بموتى يحاولون المشي. ولا تركز أي من بحوث الخبراء على بنوك معينة، وهناك استثناءات بالتأكيد بين أكبر 50 بنكا بالبلاد. ولا حاجة للقلق بالنسبة للعملاء أو الشركات على ودائعهم، المؤمن عليها فيدراليا. بل حتى البنوك المفلسة يمكنها أن تواصل عملها لفترة طويلة، فضلاً عن أنها يمكنها أن تتعافى ماليا مع تحسن الاقتصاد.

ولكن بدون التعامل مع مشكلة الديون المعدومة، ستبقى أزمة الائتمان التي أدت إلى تعافي الاقتصاد، في الوقت الذي بات واضحا فيه أنه ليس بإمكان البنوك استئناف عمليات الإقراض، التي يوجد حاجة ماسة إليها لاستئناف مسيرة العجلة التجارية. ويقول الخبراء والاقتصاديون، أن الحل يتمثل في دور حكومي أكبر وأكثر مباشرة عن خطة وزارة الخزانة. ويميل برنامج وزارة الخزانة بشدة إلى أن يكون بمثابة صندوق استثماري مشترك بين القطاعين العام والخاص لشراء الأوراق المالية المتعثرة المدعومة من الرهون العقارية التي لدى البنوك. ويشير الخبراء إلى أن الحكومة تحتاج بدلاً من ذلك إلى التخلص من البنوك الأكثر تعثرا، ثم القيام بضخ رأس المال في البنوك الباقية، ثم تتخلص من الأصول السيئة.

وأكد الخبراء أن هذا هو البرنامج الأساسي الذي أثبت نجاحه في حل الأزمات المالية الكبرى خلال السنوات الأخيرة. وكمثال على ذلك، تكبدت اليابان عقدا كاملا من الركود الاقتصادي خلال فترة التسعينات، قبل أن تتبنى هذه المعايير من عام 2001 حتى 2003. كما اتخذت الحكومة السويدية خطوات صارمة عام 1992، وكذا فعلت واشنطن للتغلب على أزمة المدخرات والقروض في الفترة ما بين 1987-1989. وقال آدم بوسن الاقتصادي بمعهد بيترسون للاقتصادات الدولية «يوضح السجل التاريخي أنه يتعين عليك فعل ذلك في النهاية، أما التواني في القيام بهذا، فمن شأنه فقط أن يحدث المزيد من المشكلات ويرفع التكاليف على المدى البعيد». وبلا شك، من الممكن أن تساعد الخطة التحفيزية الخاصة بإدارة أوباما في تنشيط عملية الصحوة الاقتصادية على نحو مناسب، وحينها، يمكن أن ترتفع قيمة أصول البنوك. أما مع غياب هذه الخطة، لن تكون الوصفة الخاصة بمداواة وتعافي الاقتصاد سهلة أو حتى رخيصة. وتصل التقديرات للمبلغ الذي تحتاج الولايات المتحدة إلى ضخه إلى تريليون دولار أو أكثر من ذلك. في تلك الأثناء، تبقى تقديرات الخسائر في تنام. يعتبر نوريال روبيني ـ أستاذ الاقتصاد بكلية ستيرن لإدارة الأعمال بجامعة نيويورك ـ متشائما وعلى بصيرة بشأن مشاكل الائتمان، ففي تقرير جديد، يقدر روبيني أن تصل الخسائر الإجمالية على قروض للمؤسسات المالية الأميركية والقيمة السوقية للأصول التي تملكها إلى 3.6 تريليون دولار، أي بزيادة عن تقديره السابق الذي كان يقول إنها ستصل إلى تريليوني دولار. وفي المجمل، قدر أن البنوك الأميركية تواجه نصف هذه المخاطرة، أو ما تبلغ قيمته 1.8 تريليون دولار، فيما تتحمل المؤسسات المالية الأخرى في الولايات المتحدة وفي الخارج باقي الخسائر.

وقال روبيني: «إن النظام البنكي في الولايات المتحدة مفلس فعليًا». ومن جانبه، يبدي القطاع المصرفي غضبه من مثل هذا التحليل العام. ويحدد القطاع قدرة البنك على الوفاء بديونه من البنك ذاته، كما أنه يستغل قيمة أصول البنك كما يضعها فعليا في سجلاته بدلاً من أسعار السوق التي يحتسبها الاقتصاديون. وأفاد سكوت تالبوت النائب البارز لرئيس الشؤون الحكومية في فايننشال سيرفيس راوند تابل، وهي مجموعة تجارية من بين أعضائها البنوك الكبرى «يوضح تحليلنا أن البنوك تتنوع في درجات إمكانياتها على الوفاء بالديون، كما أنه لا يوضح إفلاس أي مؤسسة». وقد يبدو من ذلك أن تقديرات روبيني هي الأقرب إلى الحقيقة، إلا أن الكثير من المحللين والخبراء الآخرين شاركوه الإحساس المتزايد بالخطر، حيث قيّم سايمون جونسون ـ الاقتصادي البارز السابق بصندوق النقد الدولي ـ أن البنوك الأميركية لديها عجز في رؤوس الأموال قيمته 500 مليار دولار. وكان صندوق النقد الدولي قد رفع من تقديراته بشأن الخسائر المحتملة الناجمة عن القروض والأوراق المالية الائتمانية الأخرى التي صدرت في الولايات المتحدة من 1.4 تريليون دولار في أكتوبر(تشرين الأول) الماضي إلى 2.2 تريليون دولار في نهاية يناير (كانون الثاني)، وقدّر صندوق النقد الدولي حاجة الولايات المتحدة والمجتمع الأوروبي خلال العامين القادمين إلى 500 مليار دولار كرأس مال جديد.

غير أن هذه الأرقام لا تزال مبنية على تقديرات الأوراق المالية المعقدة المدعومة من الرهن العقاري في ظل اقتصاد لا يمكن الوثوق فيه إلى حد كبير.

وقال بوزن، من معهد بيترسون «إن ديونهم تفوق الأصول المملوكة لهم، فهم عاجزون عن الدفع».

غير أن السيد بوزن واقتصاديين آخرين أشاروا إلى وجود قضايا رئيسية مثل التوقيت ونفسية السوق التي تحيط بنقاشات إفلاس البنوك. إذا ما افترض أحدهم أن الأوضاع الحالية تعكس الذعر المؤقت، فإن قيمة الأصول البنكية المتعثرة يمكن أن تتحسن بمرور الوقت وإن لم يحدث ذلك فإن الكثير من البنوك قد تعاني من الضعف بصورة دائمة.

وقال ريتشارد بورتس الاقتصادي في كلية الأعمال بلندن «لن نتمكن من معرفة الخسائر في الأوراق المالية المدعومة من الرهن العقاري ولن نتمكن من معرفة ذلك حتى يستقر السوق».

ويرسم راجورام جي راغان، أستاذ التمويل والاقتصادي في جامعة شيكاغو والذي تخرج في كلية التجارة، الحد الفاصل بين «قيم التصفية» وتلك التي تكون خلال الأوقات الهادئة، ففي الأوقات المضطربة يقوم المحللون بحساب الخسائر الحالية والمحتملة للبنوك، لكن تلك ليست هي العادة.

ويضيف: «إذا ما اضطرت البنوك لبيع تلك الأوراق المالية اليوم فإن الخسائر ستتجاوز رأس مالها عند هذه النقطة، لكن إذا ما انتعشت أسعار تلك الأصول خلال العام القادم أو ما شابه وإذا لم يضطروا إلى بيعها بأسعار منخفضة، يمكن للبنك الحصول على فرصة لتحقيق انتعاشة جديدة عبر منحها المزيد من الوقت».

في الثمانينات من القرن الماضي، خلال النقاشات التي دارت في ذروة أزمة الديون في أميركا اللاتينية، تم تقدير المجازفة الكلية لتسعة من بنوك مراكز المال في نيويورك بأكثر من ثلاثة أضعاف رأس مال هذه البنوك.

ويقول المنظمون والمحللون إن ذلك لم يجبر البنوك على تقييم تلك القروض بأسعار البيع في ذلك الوقت، وهو ما ساعد على تفادي كارثة في النظام المالي.

* خدمة «نيويورك تايمز»