تراجع الأسعار يخفض الحواجز بين شركات النفط الوطنية والأجنبية

تهاوي النفط حسَّن العلاقات بين الشركات العالمية

TT

لن تتخلى الدول الغنية بالموارد التي تأمل في ارتفاع أسعار النفط بعد هبوط بلغ نحو 100 دولار عن النفوذ الذي صاحب الأسعار القياسية بين عشية وضحاها لكن العلاقات بين الشركات العالمية وتلك التي تديرها الحكومات بدأت تتحسن. كان ضعف الأسعار الذي شهدته فترة التسعينات وبلغ ذروته عندما انخفض السعر إلى نحو عشرة دولارات للبرميل عام 1998 قد أوجد السياق اللازم لإبرام صفقات بشروط يتعذر استمرارها. وقد ألغيت حين غير ارتفاع الأسعار ميزان القوة ليميل مرة أخرى لصالح الشركات الوطنية. وبحسب تحليل لـ«رويترز» أعده اليكس لولر وباربره لويس فمن المرجح أن يساعد تراجع سعر النفط الى نحو 40 دولارا من ذروة قياسية قرب 150 دولارا لامسها في يوليو (تموز) على مد الجسور بين الشركات الوطنية والأجنبية بدلا من إبرام صفقات بأثمان بخسة. ويقول أندي بروجان اختصاصي النفط والغاز لدى ارنست اند يونغ «لا أحد يعتقد حقا أن الأسعار ستظل منخفضة... لن نشهد تغييرا في السلوك الا حين يختفي هذا التوقع». وأضاف بروجان وهو على اتصال بشركات نفط وطنية وعالمية فضلا عن حكومات «على الرغم من هذا نرى شيئا من الليونة. من المؤكد أننا لا نرى تغييرا إجماليا في الأسلوب». وقالت مصادر بشركات نفط كبيرة ان الكثير سيتوقف على المدة التي سيظل فيها السعر ضعيفا وهو ما يعتمد بدوره على مدى ضعف الاقتصاد العالمي. لكن الشيء الأهم هو أن تلك الدول التي تمتلك موارد تمتعت بنفوذ حتى في ظل تراجع الأسعار. وقال مصدر بإحدى شركات النفط «إذا كنت تملك موردا فربما تتغير الشروط التي ترغب في بحثها» وأضاف «لكن أيا كان سعر النفط والغاز فانه لا يغير الموقع المادي له. اذا كنت صاحب المورد فما من شيء سيغير هذا». وفي حين تنتظر شركات النفط العالمية لترى الى متى سيستمر التباطؤ الاقتصادي وتبعاته يقول بعض أصحاب الموارد إن من السابق لأوانه بحث وضع شروط أكثر سخاء. ويقول شكري غانم رئيس المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا «الحديث عن وضع شروط أفضل هو تفكير فيما لا يخطر ببال.. من السابق لأوانه القيام بأي شيء. هذه أزمة وستمر». وفي ليبيا التي تملك اكبر احتياطيات من النفط في أفريقيا تقدمت الشركات لإبرام صفقات بعد سنوات من العقوبات بينما تبنت ليبيا موقفا تفاوضيا اكثر صرامة. فقد وافقت شركة النفط الفرنسية العملاقة توتال على خفض حصتها البالغة 75 في المائة في امتيازي نفط ليبيين الى النصف في اطار تجديد أعلن عنه هذا الشهر لعقده مع المؤسسة الوطنية للنفط.

وأحجم متحدث باسم توتال عن التعقيب بشأن ما اذا كان التغيير مرتبطا بمسعى من قبل طرابلس لإعادة تأميم نفطها. وقالت شركات أخرى انها لا ترى احتمالا حقيقيا لإعادة التأميم. وأضافت أن ليبيا ما زالت بحاجة الى التعاون الدولي وذلك في وقت بدأت فنزويلا أقوى المدافعين عن فرض السيطرة الوطنية على الموارد تخفيف حدة خطابها حيث يؤثر انخفاض أسعار النفط على خططها الطموح للإنفاق الاجتماعي ويزيد من حجم ديونها. كانت فنزويلا عمدت العام الماضي الى قطع العلاقات التجارية ووقف إمدادات الخام والأصول النفطية لشركة اكسون موبيل في خضم معركة بشأن مطالبة اكسون بتعويض بعد أن صادر الرئيس هوجو شافيز مشروعا للخام. والآن يخطب شافيز ود شركات النفط العالمية لتطوير حقول مكلفة ومعقدة للخام الثقيل في منطقة حزام أورينوكو. وفي روسيا ظهرت نزعة قومية قوية أخرى حيث أصبحت جزيرة سخالين بالمحيط الهادي رمزا لمسعى الكرملين تأكيد سيطرته على الموارد الطبيعية للبلاد. فقد أجبرت شركة رويال داتش شل على التخلي عن السيطرة على مشروع سخالين-2 للغاز الطبيعي المسال عام 2007 لصالح شركة جازبروم الحكومية. وأثارت الخطوة غضب شل لكن في مقابلة جرت على «الجزيرة» الأسبوع الماضي قال رئيسها التنفيذي يروين فان دير فير ان الشركة ترغب في بحث إقامة مزيد من المشاريع مع جازبروم التي تحتكر صادرات الغاز الروسي وربما مع شركات وطنية أخرى. وقال «إذا نظرت إلى تاريخنا (تجد) أن لدينا الكثير من الشراكات مع شركات نفط وطنية وليس جازبروم فحسب». وربما تكون لدى روسيا رغبة اكبر في الإنصات لكن أولى صفقاتها في أوقات الشدة كانت مع الصين. وتملك الصين سيولة وفيرة وهو عنصر مهم. كما أن لديها أيضا طلبا هائلا على الطاقة وشركتها الوطنية للنفط التي في حاجة ماسة الى الاحتياطيات تستطيع أن تكون رؤية أبعد من شركات النفط الكبرى التي تكون مسؤولة امام حملة الاسهم. وقال بروجان «شركات النفط الوطنية التي تسعى الى الموارد لديها القدرة على تكوين رؤية طويلة المدى. الصين لديها رؤية لعشرين سنة قادمة». وفي الأسبوع الماضي وقعت الصين اتفاقا لإقراض شركات النفط الروسية 25 مليار دولار مقابل إمدادات لمدة 20 عاما من حقول النفط بشرق سيبيريا. ويقول محللون ان الصفقة التي استغرق الاعداد لها وقتا طويلا تم تسهيلها بسبب الازمة المالية التي نالت من روسيا. وبعد إبرام الصفقة الروسية بوقت قصير وقعت الصين اتفاقا مع البرازيل لتمدها بما بين 100 ألف و160 ألف برميل يوميا بأسعار السوق مقابل استثمارات بمليارات الدولارات لتطوير الاحتياطيات الكبرى قبالة الساحل الجنوبي للبرازيل. ومن المنتظر أن يتبع هذا اتفاقات مماثلة بين الصين ودول أخرى ذات موارد.