قضية احتيال تطيح بمملكة ستانفورد في الكاريبي

إلى أي مدى استطاعت محاولاته كسب رضا السياسيين؟

ألن ستانفورد (أ.ف.ب)
TT

عندما جاء روبرت ألن ستانفورد هنا في أوائل التسعينات، كان قليلٌ فقط من السكان قد سمعوا عن رجل الأعمال القادم من تكساس. أما اليوم فهو يسود مجالات عديدة في الحياة على هذه، جزيرة بحر الكاريبي المشمسة، لدرجة أن البعض يطلق عليها «أرض ستانفورد».

فهو يمتلك شركة طيران يسافر على متن طائراتها العديد من السكان، وصحيفة محلية تغطي أخبارهم، ومجمعا سكنيا كبيرا يعيش فيه كثيرون، ومطعمين يتناولون فيهما طعامهم، وإستادا قوميا يذهبون إليه لمشاهدة الكريكت، وهي الرياضة المفضلة في الجزيرة.

لكن كانت جوهرة تاج ممتلكاته مصرف ستانفورد الدولي، وهو مؤسسة خارج البلاد جذبت مليارات من الدولارات نقدا من عملائه حول العالم، خاصة من أميركا اللاتينية، بحثا عن ملاذٍ لثرواتهم.

وفي أثناء هذه الفترة، كوّن علاقات جيدة مع مسؤولي أنتيغوا، ومنح المصرف قروضا للحكومة، التي كانت في الغالب تستخدم الأموال لمنح شركاته عقودا إنشائية مربحة. ومن أجل تحسين صورة البلاد كملاذ للتهرب من الضرائب، نصبته السلطات رئيسا لسلطة تنظيمية جديدة تراقب مصارف البلاد، ومن بينها مصرفه.

وبدا الأمر حميمياً للبعض.

وأوضح جوناثان وينر، الذي كان يشغل منصب نائب مساعد وزير الخارجية الأميركية آنذاك «بدا أن هناك تحللا تاما للفواصل الطبيعية بين الجهة التنظيمية والجهة الخاضعة للتنظيم. وبدت العلاقة بين الزعماء السياسيين في حكومة أنتيغوا وستانفورد حميمية على نحو غريب».

وعلى الرغم من علامات التعجب والتحقيقات التي تجرى بين الحين والآخر عن ستانفورد، أو سير ألن كما يطلق عليه هنا منذ أن منحته حكومة أنتيغوا لقب فارس عام 2006، استمر نفوذه في النمو. وحتى الأسبوع الحالي، عندما اتهمت لجنة الأوراق المالية والصرف مؤسسة ستانفورد الدولية بالقيام بعملية احتيال ربما تكون قد استولت من خلالها على 8 مليارات دولار يقول المنظمون إنه لا يمكن تقديم بيان بها، لتحيل الشركة جميع الاتصالات إلى لجنة الأوراق المالية والصرف.

ولم يمكن الوصول إلى ستانفورد (58 عاما)، الذي لم يتهم بعد بارتكاب أي جريمة جنائية. وفي يوم الجمعة تصاعدت الأزمة، حيث استولى المسؤولون هنا على مصرفه في أنتيغوا، بعد مصادرة عملياته في بقية أنحاء العالم. وتدعي مؤسسة ستانفورد الدولية أنها تملك حوالي 8 مليارات دولار في صورة أصول، لكن ذكرت لجنة الأوراق المالية والصرف فقط أنها لم تستطع أن تقدم بيانا بهذه الأموال. ولم يظهر معظم اللاعبين الكبار، ومن بينهم ستانفورد للشهادة بعد أن أصدرت اللجنة مذكرة استدعاء للمثول أمامها.

وقد خلف انهيار إمبراطورية ستانفورد العديد من الأسئلة من دون إجابات. ماذا حدث لأموال المستثمرين، التي من المفترض أن تكون موضوعة في أصول عالية الجودة؟ وإلى أي مدى استطاعت محاولاته في كسب رضا السياسيين هنا، وفي الولايات المتحدة حيث قدم إسهامات لعديد من أعضاء الكونغرس، مساعدته في التملص من الرقابة على الرغم من الشكوك التي كانت محيطة بأنشطته في الماضي؟ وما هي طبيعة عملية الاحتيال المزعومة حاليا، هل هو احتيال بالأوراق المالية العادية، كما اتهمته لجنة الأوراق المالية والصرف، أم خطة احتيال بالطريقة الهرمية، أم أنها، نظرا لتاريخ بعض المصارف الموجودة في جزر البحر الكاريبي، تشوبها عملية غسيل أموال أيضا؟

وربما يستغرق الأمر شهورا من أجل الوصول إلى إجابات. وقد ظهرت بعض الوثائق التي تلقي بالضوء على معاملات ستانفورد التجارية، التي تضمنت شهادات إيداع ذات عائد كبير تباع إلى المستثمرين وتودع في مصرف أنتيغوا. وفي عدد من الحوارات مع موظفين سابقين في ستانفورد، ومنظمين ومسؤولين أميركيين سابقين، وأفراد كانت لهم تعاملات مباشرة مع ستانفورد على مدار الأعوام، تظهر صورة رجل كانت لديه نظرة يفخم فيها من ذاته ومن شركته، رجل كان يعرف أن مفتاح نجاحه يكمن في الاقتراب من أصحاب النفوذ السياسي. وفي الوقت ذاته، يبدو جزء كبير من خلفية ستانفورد الحقيقية محيّرا.

لقد ولد في ميكسيا في تكساس، وهي بلدة ريفية مكونة من 6.600 شخص، وتبعد عن جنوب شرق دالاس بـ85 ميلا، ويدعي أنه أقام شركته، مجموعة ستانفورد المالية، على أساس شركة تأمين بدأها جده لوتيس ستانفورد أثناء فترة الكساد.

لكن كانت أولى غزوات ستانفورد في عالم الأعمال بعيدة عن المال. وقد بدأ بإقامة سلسلة من صالات الألعاب الرياضية لكمال الأجسام في واكو في تكساس. وبعد ذلك، ادعى أنه كون معظم ثروته في الثمانينات بشراء الممتلكات المتعثرة في هوستون. وقال موظف سابق في شركة ستانفورد إنه على الرغم من أن بعض الممتلكات، مثل تلك التي التقطتها ستانفورد في منطقة ريفر أوكس الراقية في هوستون، حققت أرباحا، إلا أن ممتلكات أخرى عديدة انتهى بها الحال إلى الفشل. وقال الموظف، الذي رفض ذكر اسمه لأنه لا يريد أن يدخل في التحقيقات المستمرة، إنه لذلك عندما قرر ستانفورد إقامة أول مصرف له في الخارج، مصرف غارديان الدولي، في جزيرة مونتسرات في البحر الكاريبي عام 1996، ذهب إلى والده جيمس ستانفورد، للحصول على مبلغ يتراوح بين مليوني دولار إلى 4 ملايين كرأس مال أوّلي.

وسعى مصرف غارديان الدولي إلى عملاء من الأشخاص الأثرياء والشركات في المكسيك وفنزويلا وأميركا الوسطى، حيث يتحمس الأشخاص لنقل الأموال إلى الخارج بسبب الأنظمة التنظيمية والسياسية المرهقة.

ومع نمو مشروع ستانفورد الصغير، نمت طموحاته كذلك.

وقال الموظف: «لقد تحدث عن رغبته في إقامة أكبر شركة مالية في العالم».

وبدأ ستانفورد، الذي كان يظهر في بعض الأوقات وهو يتصرف بأسلوب ساحر وفي أوقات أخرى في حالة غضب شديد (وقال موظف سابق إنه ألقى مرة بصينية زجاجية في الحائط في نوبة من الغضب)، يرى ذاته في صورة متكلفة. وتوصل إلى شعار جديد لامع لشركته، النسر الذهبي، الذي وصفه بدرع الفارس وطلب من جميع الموظفين ارتداءه.

وفي بداية التسعينات، اتخذت حكومة مونتسرات إجراءات صارمة ضد عدد من المصارف الخارجية. وأغلق مصرف غارديان.

وسريعا ما وضع ستانفورد بصره على أرض أطلق عليها فيما بعد وطن: وهي أنتيغوا. وبدأ وجوده في هذه الجزيرة الصغيرة، التي يبلغ عدد سكانها 85 ألف شخص، في التبلور عندما رأى ليستر بيرد، رئيس الوزراء في ذلك الوقت، أنه أميركي لديه مال وفير يمكنه فعل أي شيء ويمكنه حل مشاكل أنتيغوا التي لا تعد ولا تحصى. فعلى سبيل المثال، عندما تعثر مصرف أنتيغوا المحلي تدخل ستانفورد عام 1990 لشرائه. وعندما بدأت الولايات المتحدة في الضغط على حكومة بيرد في نهاية التسعينات من أجل إحكام السيطرة على عمليات غسيل الأموال المزعومة، طلب رئيس الوزراء بيرد المساعدة مجددا من ستانفورد.

وكونت الحكومة مجلسا استشاريا مصرفيا ووضعت ستانفورد على رأسه، وهي الخطوة التي أزعجت السلطات الأميركية التي تتولى التدقيق في أنتيغوا، التي رأت صراعا متأصلا في المصالح لأن المجلس أيضا يراقب مصرف ستانفورد. وكان المشروع يتلقى الأموال من الحكومة التي يقرضها أو يمنحها لها ستانفورد.

وكان عديد من المنظمين والهيئات في الولايات المتحدة يشعرون بالقلق بالفعل من ستانفورد. وفي عام 1998 تقريبا، أرسل خطابا إلى جانيت هايد، سفيرة الولايات المتحدة إلى أنتيغوا في ذلك الوقت، الذي كتب فيه إنه تم التحقيق معه من قبل هيئات عديدة على مدار أعوام. وادعى أنه لم يرد شيئا من أي هيئة منها، مما يثبت، على حد قوله، انه مواطن ملتزم بالقانون.

وزادت المخاوف بشأن أنتيغوا ووجود ستانفورد هناك. وفي عام 1999، أعطى وكالة مكافحة المخدرات شيكا بقيمة 3.1 مليون دولار من مجموعة ستانفورد المالية بعد أن اكتشف المصرف أن أحد أباطرة المخدرات السابقين قد اختبأ أو غسل أمواله هناك. لكن في العام ذاته، وضعت وزارة الخزانة الأميركية أنتيغوا على قائمتها لمراقبة غسيل الأموال. وفي الوقت نفسه تقريبا، دخل ستانفورد وشركته التي تتخذ هوستون مقرا لها، مجموعة ستانفورد المالية، في الصورة كلاعبين في مجال السياسة الفيدرالية. وكان البيت الأبيض يضغط من أجل إصدار تشريع يجعل المصارف تتخذ إجراءات صارمة ضد غسيل الأموال، لذا استعانت ستانفورد المالية بشركة من جماعات الضغط في واشنطن وبدأت في التبرع بمئات الآلاف من الدولارات للجمهوريين والديمقراطيين على حد سواء. تنامي الشكوك: بدأ التدفق المفاجئ للأموال في جذب انتباه مؤسسة بابلك سيتزن، التي أفردت قضية ستانفورد لدراسة لتأثير حملات التبرعات على تشكيل التشريع. وخلصت المؤسسة إلى أن إسهامات ستانفورد كانت تهدف إلى وأد مشروع القانون، على الرغم من التأكد من عدم الحاجة إلى مساعدة أكبر لأن جمهوريي تكساس أعاقوا التصويت عليه في كل من مجلس النواب ومجلس الشيوخ. (بعد هجمات 2001 قام الكونغرس بإحياء وتمرير مقترحات تبييض الأموال وقامت حكومة باربادوس بإعادة تشكيل هيئة الإصلاح وأعادت كتابة الصياغة البنكية لإرضاء واشنطن وسمحت لاسمها بألا يكون بين قائمة الأسماء المراقبة في نفس العام). وأشار مركز رسبونسيف بوليتكس إلى أن ستانفورد لا يزال يحتفظ بنفوذه في واشنطن، فبداية من عام 1999 وحتى عام 2008 أنفق ما يقرب من 4.8 مليار دولار على أنشطة الضغط ـ من بينها 2.4 مليار في عام 2008 فقط ـ وقدم موظفوها ولجنة النشاط السياسي بها 2.4 مليار دولار للمرشحين الفيدراليين من عام 2000. كما قام ستانفورد بالتودّد للبرلمانيين والعاملين لديهم برحلات جوية ورحلات استكشافية إلى أماكن الإجازات، تم دفع تكاليف كل هذه الرحلات من قبل إنتر أميركان إكونوميك كاونسل المؤسسة غير الربحية التي يمولها هو.

وخلال الأيام الأخيرة سعى بعض البرلمانيين إلى النأي بأنفسهم بعيدًا عن ستانفورد، ومن بين هؤلاء بيل نيلسون النائب الديمقراطي عن ولاية فلوريدا الذي تلقى أموالا من ستانفورد وموظفيه أكثر من أي برلماني آخر حيث حصل على 45.900 دولار، وذلك بحسب نتائج مركز رسبونسيف بوليتكس، لكن مكتب نيلسون قال إنه تبرع بتلك الأموال لأعمال الخيرية.

وأوضحت مؤسسة ليجستورم التي تتعقب استمارات سفر البرلمانيين أن من بين النواب الآخرين النائب الجمهوري عن ولاية تكساس بيتي سيشنز، الذي تلقى 41.375 كتبرعات، كما قام برحلتين على نفقة المجلس تكلفتا 10.000 دولار. وقد قالت إميلي ديفيز المتحدثة باسم سيشنز لقناة بلومبيرج الإخبارية هذا الأسبوع إن سيشنز لا يعرف ستانفورد بصورة شخصية، لكن تلك الرواية تستدعي التساؤل بعدما نشر موقع توكينج بوينتنس ميمو صورة تظهر الرجلين وهما يتحدثان خلال رحلة في باربادوس (رفضت ديفيز التعليق على الخبر يوم الجمعة).

بيد أن علاقات ستانفورد بالبرلمانيين لم تحمه كلية من الأعين الغاضبة، أعين الأجهزة الرقابية المتيقظة، حيث كشف الفحص الروتيني الذي قامت به مفوضية البورصة والسندات، لعمليات شركاته للأوراق المالية في هيوستن عن مشكلة كبيرة، وهي أن الشركة انتهكت متطلبات رأس المال الصافي وهو ما نتج عنه دفع الشركة لغرامة بلغت حوالي 20.000 دولار في 2007.

وفي عام 2006 فتحت الوكالة تحقيقا لكنها أوقفته بصورة مفاجئة بناء على طلب إحدى الهيئات الأخرى التي لم يذكر اسمها، وقد أعيد فتح التحقيق مرة أخرى العام الماضي بعد ظهور خطة بونزي المتورط فيها برناد مادوف بسرقة 50 مليار دولار، إلى العلن. ولم يتبين إلى الآن سبب توقف التحقيقات التي قام بها العديد من هيئات ووكالات تطبيق القانون في السنوات الماضية. في هذه الأثناء، لا تزال تجذب شركات ستانفورد الكثير من الأموال إلى بنكها في باربادوس خاصة من فنزويلا ودول أميركا اللاتينية، وتقدر الجهات الرقابية في فنزويلا أن المستثمرين ربما يكونون قد وضعوا 2.5 مليار دولار في صورة شهادات إيداع يصدرها مقر البنك في باربادوس. يقوم ستانفورد بتقديم رحلات جوية للمستثمرين المتوقعين إلى باربادوس على متن طائراته الخاصة أو ربما رحلات استجمام عبر خلجان باربادوس الهادئة على متن يخته الخاص.

كما يتمتع المستثمرون الأثرياء بقضاء بضعة أيام في جامبي باي وهي جزيرة خاصة تقع على مساحة 300 فدان وتحتوي على كوخ ضيافة ومحمية طبيعية.

ويقول وينستون ديريك مقدم البرنامج الإذاعي وناشر صحيفة ذا إنتاجيو أوبزرفر ومنافس صحيفة ستانفورد الخاصة «إنه يمثل كل ما هو رائع في شخصية أهل تكساس، فكل ما يفعله هو من الطراز الأول».

أما الآن وقد بدأت باربادوس في الترنح رفض المسؤولون الحكوميون التعليق على علاقتهم بستانفورد، واجتمع كثيرون منهم خلف الأبواب المغلقة يوم الجمعة مع المديرين التنفيذيين للعديد من شركات ستانفورد المحلية لبيان كم التأثر الذي سيلحق بإمبراطورية ستانفورد. ويقول المدعي العام جاستن سايمون «كلنا قلقون من السقوط، فعلى الرغم من أنه بنك واحد إلا أننا بحاجة إلى ضمان أن تكون الأصول المحلية محمية للمودعين». ساهم في إعداد التقرير كليفورد كرايوس من صحيفة سان جون، وجولي كريسويل من نيويورك، وتشارلي سافادج من واشنطن، وسايمون روميرو من كاراكاس.

* خدمة نيويورك تايمز