دبي تتقدم خطوة مهمة في المحافظة على إمبراطوريتها الاقتصادية وتمول ديونها «ذاتيا»

مراقبون يعتبرون إصدار سندات بـ20 مليار دولار «خطوة جريئة»

جانب من مدينة دبي («الشرق الأوسط»)
TT

بعد شهور من الترقب والانتظار، مدت حكومة دبي يدها عمليا لتزيل قلق المستثمرين داخلها وخارجها، عندما تمكنت من توفير 20 مليار دولار أميركي، عبر برنامج لإصدار سندات، وهو ما عد خطوة مهمة أقدمت عليها الحكومة لإثبات قدرتها على مواجهة الأزمة المالية الأعنف التي تطرق أبواب الإمارة.

وباعت الحكومة 10 مليارات دولار أميركي على المصرف المركزي الاتحادي، بفائدة سنوية تبلغ 4 في المائة، على أن تستحق السندات بعد 5 سنوات.

ويبدد برنامج السندات الذي أطلقته دبي، ويساهم في توفير السيولة التي تحتاجها الإمارة باستخدام أدواتها الاقتصادية، ما تردد أخيرا حول توجه الإمارة إلى شقيقتها الكبرى أبوظبي لمساعدتها على تخطي الأزمة، وهو الأمر الذي نفاه أكثر من مرة مسؤولو دبي، مؤكدين دائما قدرة الإمارة الذاتية على توفير السيولة اللازمة. وأتت هذه الخطوة لتثبت صحة ما يؤكده المسؤولون في الحكومة المحلية، من عدم وجود مفاوضات مع حكومة أبوظبي.

غير أن اللافت في خطوة دبي هذه، هو إصدارها لسندات غير مضمونة، وهو ما يعني أن الحكومة أبدت ثقة كبرى بقدرتها على جمع عشرين مليار دولار، حتى بإصدارها سندات غير مضمونة.

ويقول الخبير الاقتصادي الدكتور جاسم حسين إن خطوة دبي هذه بإصدارها لسندات غير مضمونة «خطوة جريئة تعتمد فيها على سمعتها العالية، حتى إذا خرجت للأسواق العالمية راغبة في إصدار أدوات مالية جديدة لا تثقل بديون إضافية».

ووفقا لمصادر مالية فإن الخطوة الدبياوية تعكس «الثقة المطلقة باقتصاد الإمارة وسمعتها التي بنتها منذ سنين طويلة وبالتالي وجود الكثير من الحلول الفعالة التي تدخرها السلطات لمواجهة الأزمة المالية العالمية».

ومن المرجح أن تُقبل مؤسسات دولية وبنوك إقليمية على الاكتتاب في النصف الآخر من السندات، والمقدر بعشرة مليارات دولار، خلال الأسابيع القليلة المقبلة.

ويؤكد الخبير الاقتصادي الدكتور حسين أن دبي لن تسمح لهذه السندات أن تفقد قيمتها «حتى لو كانت غير مضمونة»، مضيفا «في نفس الوقت علينا أن ننتظر فربما تضطر دبي لتقديم نوع من الضمانات في حال طلب المؤسسات المستفيدة ذلك».

ويعتقد جاسم حسين أن هذه السيولة التي تلقتها الإمارة «وقت مناسب»، ستوفر الفرصة لحكومة الإمارة في تعزيز النفقات العامة «ومن شأن هذا الأمر الحد من تداعيات الأزمة المالية العالمية، وعدم السماح لها بالتحول لأزمة اقتصادية».

ومنذ إطلالة الأزمة المالية العالمية على دبي، كان الانتظار لما يمكن أن تفعله الحكومة لتبديد قلق المستثمرين، من كيفية قدرتها على سداد ديونها المقدرة رسميا بثمانين مليار دولار أميركي.

وانعكست هذه الأخبار الإيجابية على أسواق الأسهم المحلية التي حلقت أمس عاليا، بل أن كلفة التأمين على ديون دبي انخفضت في سوق عقود مبادلة العجز الائتماني بما يصل إلى نقطتين مائويتين لتصبح 7.50 نقطة مئوية أمس الاثنين، في تجاوب سريع على تعامل الحكومة مع الديون المستحقة عليها.

ويعني هذا الانخفاض في كلفة التأمين على ديون دبي، انخفاض تغطية دين قيمته 10 ملايين دولار لأجل خمس سنوات من 950 ألف دولار سنويا يوم أول من أمس الأحد، إلى 750 ألف دولار سنويا أمس الاثنين.

وأعطى تدخل الحكومة الاتحادية بشراء سندات بعشرة مليارات دولار، عبر المصرف المركزي، اطمئنانا بمضي السلطات الاتحادية قدما في تأكيداتها بدعم القطاع الاقتصادي للإمارات.

وهنا يعتقد تقرير للمجموعة المالية هيرميس أصدرته أمس، أن خطة حكومية مستقبلية لدعم دبي «في طريقها إلى التنفيذ»، بما في ذلك دعم قطاعات العقارات والإنشاءات وكذلك المصارف.    أما بنك «ستاندرد تشارترد» فيعتقد أن إطلاق وزارة المالية في دبي برنامج سندات سيادية بقيمة 20 مليار دولار سيساعد في تلبية احتياجات دبي خلال عام 2009.

كما يعتقد البنك أن إطلاق سندات دبي يشكل خطوة أخرى تتخذها الحكومة لطمأنة الأسواق بشأن تعاون الإمارات معاً. «كما يعطي الإصدار، الذي اشترى المصرف المركزي 10 مليارات دولار من قيمته، دبي القدرة على إعادة تمويل حاجاتها التي نقدِّرها بنحو 14 مليار دولار هذه السنة».

وعلى الرغم من عدم وجود أرقام رسمية عن ديون دبي المستحقة هذا العام، إلا أن تقارير لمؤسسات دولية تشير إلى أن قيمة الديون المترتبة على حكومة دبي تقدر بحوالي 15 مليار دولار.

وشككت تقارير صادرة من مؤسسات مالية غربية من قدرة دبي على الإيفاء بالديون المستحقة عليها، وعلى الرغم من أن دبي لم ترسب في أي من اختبارات الديون المستحقة عليها خلال الأشهر التي تبعت انطلاق الأزمة عالميا، إلا أن ذلك لم يمنع النظرة التشاؤمية من أن تصبح كالغيمة السوداء في شمس دبي. غير أن مفاجأة دبي في استخدام أدواتها الاقتصادية بمهارة فائقة، ربما تزيح الغيوم الداكنة في سماء الإمارة.

ويبدي مسؤولو دبي الرسميون ضيقهم مما يعتبرونه «هجوما شرسا» على الإمارة، ويؤكد المسؤولون باستمرار أنهم قادرون على تخطي هذه الأزمة المالية، مستشهدين بأزمات مالية وإقليمية سابقة كان لدبي سبق الصدارة فيها، وإن كانوا يقرون بصعوبتها وتأثيراتها السلبية المتعددة على قطاعات الإمارة الأكثر انطلاقا خلال السنوات الماضية، ولعل أبرز القطاعات المتضررة قطاعا العقار والسياحة.

ويرى خبراء أن قدرة دبي على إعادة تمويل دبي ، الذي جرى الأسبوع الماضي، لدين «بورصة دبي» البالغ قيمته 3.8 مليار دولار يؤكد قدرة الحكومة المحلية على السيطرة على ديونها المستحقة.

وينتظر دبي استحقاق مهم من خلال إعادة تمويل أو تسديد مبلغ 2.2 مليار دولار مستحق على «هيئة كهرباء ومياه دبي» في ابريل (نيسان) المقبل. قبل أن تأتي مهمة أخرى بتسديد دين بقيمة 3.5 مليار دولار أميركي مستحق على شركة «نخيل» للتطوير العقاري الحكومية.

ويقول الخبراء إن من شأن هذه الخطوة أن تبدد المخاوف حيال قدرة إمارة دبي على الإيفاء بموجبات الدين الخاصة بها في سنة 2009.