أوباما يعود للنبرة المتفائلة لمعالجة الاقتصاد ويؤكد على خفض عجز الميزانية إلى النصف

أكد على التعليم والطاقة والخدمات الصحية وخشي «ركودا بلا نهاية» دون المزيد من العمل > مجلس الشيوخ يوافق على مرشحته لتولي منصب وزير العمل

الرئيس الأميركي باراك أوباما أثناء إلقاء كلمته أمام الكونغرس أمس (رويترز)
TT

حذر الرئيس الأميركي باراك أوباما من ركود يمتد لعقد يشل الولايات المتحدة من دون المزيد من العمل الحكومي الجاد، لكنه أكد في خطاب له أمام جلسة مشتركة لمجلس الكونغرس في وقت مبكر من صباح أمس (مساء الثلاثاء بالتوقيت المحلي) أن الاقتصاد الأميركي سيتعافى.

وفي خطاب معتدل ومحفز، دعا أوباما في أول جلسة حالة اتحاد له أمام الكونغرس ، السياسيين والمواطنين على حد سواء إلى تحمل مسؤولية أخطاء البلاد الماضية والمساعدة في تجاوز حقبة دين غير مسبوق والرغبة في تحقيق أرباح سريعة ومكاسب قصيرة الأمد. وقال أوباما إنه يتعين على الديمقراطيين في حزبه والجمهوريين في المعارضة، العمل معا لحل مشكلات البلاد الخطيرة وإنه من المحتمل أن يكون بحاجة إلى مزيد من التمويل لتحقيق الاستقرار في النظام المالي الأميركي.

وقدّم الرئيس عرضا للأزمة التي تعاني منها البلاد في جلسة مشتركة للكونغرس، وتعهد بالقيام بعملية تجديد اقتصادية لتخرج البلاد من الأزمة الحالية دون الإضرار بمستقبلها. وقد استخدم الرئيس نبرة متفائلة غابت عن خطاباته خلال الأسابيع الأخيرة، وقال إن خطته للتحفيز الاقتصادي ومقترح خطة إنقاذ البنوك وبرامج الإسكان وإصلاح الرعاية الصحية سوف تعمل في تساوق، من أجل تغيير حال الاقتصاد الأميركي الذي يعاني بصورة كبيرة. وفي الوقت الذي تحدث فيه عن مواجهة البلاد لتحديات اقتصادية تاريخية وتهديدات مستمرة قادمة من الخارج، قال إن الحل يكمن في مواجهة هذه المشاكل بصورة مباشرة، وليس في تجاهلها. وقال: «ثقل هذه الأزمة لن يحدد مصير هذه البلاد، والحلول لمشاكلنا ليست خارج حدودنا، إنها موجودة في معاملنا وجامعاتنا، وفي حقولنا ومصانعنا، وفي أذهان رجال الأعمال وفخر الشعب الأكثر اجتهادا على ظهر الأرض».

وأضاف الرئيس الأميركي، بعد أسبوع فقط على توقيعه حزمة حوافز اقتصادية قياسية بقيمة 787 مليار دولار «إني أطلب من هذا الكونغرس الانضمام لي في القيام بأي ما يلزم، لأننا لا يمكن أن نترك أمتنا لركود بلا نهاية».

وأعرب أوباما عن تفاؤله بشأن مستقبل البلاد على المدى البعيد، متعهدا بأن «يوم الحساب قد جاء» وأن الولايات المتحدة قادرة على تحويل الأزمة إلى فرصة للتقدم.

وقال: «ربما يكون اقتصادنا قد ضعف واهتزت ثقتنا، ورغم أننا نمر بأوقات صعبة و(أوقات من) عدم اليقين، الليلة أريد أن يعلم كل أميركي أننا سنعيد البناء، وسنتعافى، وستخرج الولايات المتحدة الأميركية أقوى من ذي قبل».

كما تعهد اوباما بإنهاء الإعفاءات الضريبية للشركات التي ترسل الوظائف الأميركية إلى الخارج، قائلا «سنعيد قدرا من العدالة والتوازن إلى قانوننا الضريبي بإنهاء الإعفاءات الضريبية للشركات التي ترسل وظائفنا إلى الخارج».

وأضاف الرئيس أنه بدأ عملية تدقيق للميزانية الاتحادية وحدد نفقات قيمتها تريليونا دولار يمكن استقطاعها على مدى السنوات العشر القادمة.

وأضاف أنه يعتزم أيضا القضاء على الهدر والغش وسوء استخدام الأموال في برامج الرعاية الصحية.

وتعهد اوباما بخفض عجز الميزانية إلى النصف بحلول نهاية ولايته الأولى، التي من المقرر أن يقدمها للسنة المالية 2010 إلى الكونغرس في وقت لاحق من هذا الأسبوع.

وجاء ذلك في الوقت الذي وافق فيه مجلس الشيوخ الأميركي على تعيين مرشحة الرئيس باراك أوباما لتولي منصب وزارة العمل.

وأقر مجلس الشيوخ تعيين هيلدا سوليس، عضو الكونغرس السابق عن ولاية كاليفورنيا، لتولي المنصب بأغلبية 80 صوتا مقابل معارضة 17 فقط، لتكون في المركز الأول بين الأعضاء الذين تم اختيارهم مؤخرا ضمن فريق أوباما الاقتصادي.

وبذلك تصبح سوليس البالغة من العمر (51 عاما) أول وزيرة للعمل من أصل إسباني، وستكون مسؤولة عن العمل على خفض نسبة البطالة التي وصلت إلى معدل قياسي في وقت تكافح فيه الولايات المتحدة من أجل الخروج من أسوأ أزمة اقتصادية تواجهها منذ عقود.

يذكر أن أكثر من 3.6 مليون وظيفة ألغيت منذ دخول أكبر اقتصاد في العالم حالة الركود في ديسمبر (كانون الأول) عام 2007، وهو أكبر فقدٍ للوظائف خلال 50 عاما.

وأضاف في كلمته، التي ركزت على الوضع الاقتصادي بصورة أكبر من السياسة الخارجية: «هذا هو الوقت لبدء عملية خلق الوظائف وإعادة بدء الإقراض والاستثمار في مجالات مثل الطاقة والرعاية الصحية والتعليم، هذه المجالات التي سوف تساعد على نمو اقتصادنا، في الوقت الذي نواجه فيه اختيارات صعبة لتقليل عجز الميزانية».

استغرقت الكلمة 52 دقيقة، وصحبها موجة من التصفيق الشديد بصورة مستمرة. ووقف المشرعون الديمقراطيون والجمهوريون على السواء أكثر من مرة للتعبير عن استحسانهم لخطاب الرئيس ووعوده بمعالجة الوضع الاقتصادي. وحظي أوباما بالكثير من الاحتفاء عندما تعهد بعدم السماح بسفر الرؤساء التنفيذيين في المؤسسات بالسفر على طائرات خاصة، في الوقت الذي يقومون فيه بتسريح الآلاف من العمال. قال الرئيس الأميركي «لقد ولت هذه الأيام». وقف المشرعون مرة أخرى للتصفيق للرئيس عندما قال إن «إصلاح الرعاية الصحية لا يمكن له أن ينتظر، ولا يجب أن ينتظر ولن ينتظر إلى عام جديد».

تجنب أوباما أي كلام حزبي، ولم يلوح بإصبع الاتهام إلى سلفه جورج بوش، ولكنه تحدث عن «حقبة» الطمع والأرباح قصيرة الأمد التي قال عنها إن البلاد تتركها وراءها في الوقت الحالي، وأكد على أنه لم يكن سببا في عجز قدره تريليون دولار ولكنه «ورث» ذلك، بالإضافة إلى ما سماه «أزمة مالية وركود مكلف». ولكنه، أوضح أنه غير مستعد للتراجع عن أجندته الطموحة. ودعا الكونغرس إلى تمرير حظر للتلوث الكربوني. وتعهد بجهد متجدد لتقديم الرعاية الصحية لكافة الأميركيين ودعا شعبه إلى حضور عام واحد على الأقل في الكلية أو التدريب المهني، ووعد بأن البلاد سوف تقود العالم من جديد بحلول 2020 في نسبة خريجي الجامعة. لم يرغب أوباما في تخفيض سقف التوقعات خلال كلمته، معترفا أنه لا يستطيع «حل كل مشكلة ومعالجة كل قضية». ولكنه تعهد بتسليم الميزانية وأنها سوف تكون «رؤية جديدة لأميركا، وإطارا لمستقبلنا». وسادت خلال الأسابيع الأخيرة الكثير من التساؤلات عما إذا كان أوباما يقدم صورة متشائمة بخصوص الأزمة الاقتصادية للشعب الأميركي، وقال مسؤولو البيت الأبيض عن ذلك إن أوباما كان يحاول تحقيق التوازن المناسب بين الأمل، وهي النبرة التي سادت خلال حملته الانتخابية، والواقعية في هذه الفترة التي تعاني فيها البلاد من مشاكل خطيرة. حاول أوباما أن يقدم هذه الأفكار مع بعضها بعضا بصورة متكررة، قائلا: «مع أنه يمكن أن يكون اقتصادنا قد ضعف واهتزت ثقتنا، ومع أننا نعيش في أوقات صعبة تكتنفها الكثير من الشكوك، أريد من أي أميركي هذه الليلة أن يعلم الآتي: سوف نعيد البناء ونعالج، وسوف تظهر الولايات المتحدة الأميركية أقوى من أي وقت مضى».

وعلى نهج سابقيه، استشهد أوباما بحكايات ضيوف دعاهم البيت الأبيض إلى حضور الكلمة لعكس «طبيعة المواطنين الذين دفعوا بنا إلى هناك». وكان من بين هؤلاء، طالبة في مدرسة عليا بكارولينا الشمالية تدعى تي شيوما بيثي. سعت الطالبة للحصول على مساعدة لمدرستها المتردية الأوضاع بأن كتبت خطابا إلى أعضاء الكونغرس. قال أوباما، مستشهدا بخطابها: «نحن لا نستسلم. هذا ما قالته. نحن لا نستسلم».

وتمثل هذه الكلمة الخطاب الكبير الأول لأوباما منذ تنصيبه رئيسا للبلاد قبل خمسة أسابيع. كما كانت هي الفرصة الأولى له كي يقدم سردا مترابطا بصورة منطقية للأسابيع الأولى من رئاسته، في الوقت الذي لم تظهر فيه على الوضع الاقتصادي أي أمارات لتحقيق الاستقرار. ويذكر أنه، خلال الأسبوع الماضي، انتقد الرئيس السابق بيل كلينتون أوباما لعدم تقديمه خطابات حماسية كما كان المعتاد خلال حملته الانتخابية. وقال كلينتون في برنامج «صباح الخير أميركا» على قناة «إيه بي سي»: «أحب العمل على تعريف الشعب الأميركي بأبعاد ونطاق الأزمة الاقتصادية الحالية، وأود منه أن يقول في نهاية ذلك أنه يحدوه الأمل ومقتنع كليا أننا سوف نتمكن من اجتياز هذا الوضع».

ويعد ذلك أمرا صعبا وسط إشارات بأن التباطؤ الاقتصادي الذي بدأ في سبتمبر (أيلول) قد تعاظم واستشرى. وتوشك أكبر المصارف في البلاد على الانهيار دون استثمار حكومي يمكن أن يؤدي إلى تأميم الصناعة المصرفية. وما زالت عمليات نزع الملكية تطارد الأميركيين وقد وصل ذلك لمعدلات قياسية، وتعاني صناعة السيارات بصورة كبيرة مع تدفق مليارات الدولارات من الخزانة الفيدرالية. وبسبب الضغوط من أجل توضيح ضرورة برنامج إنقاذ مصرفي يراه الكثيرون بمثابة مكافأة لوول ستريت، تحدث أوباما بالتفصيل عن السبب في استمرار دفع الأموال الحكومية في القطاع المصرفي. وقال أوباما: «لن يكون هناك علاج حقيقي إذا لم نقم بعلاج أزمة الائتمان التي أضعفت نظامنا المالي بصورة خطيرة».

وسعى الرئيس إلى تهدئة المستثمرين الذين يشعرون بالقلق بتأكيد أن الودائع المصرفية آمنة، ولكنه قال إن مساعدة القطاع المصرفي ليست مجرد فكرة مجردة دون عواقب بعيدة، ولكن مبعث قلق مباشر للمواطنين العاديين. وقال أوباما: «إذا لم نقم بإعادة بدء الإقراض في هذه البلاد، سوف تفشل عملية العلاج قبل حتى أن تبدأ، كما ترون فإن تدفق الائتمان هو بمثابة شريان الحياة لاقتصادنا، عندما لا يكون هناك إقراض، لن تستطيع العائلات شراء منازل ولا سيارات، ولذا سوف تضطر الأنشطة التجارية إلى تسريح العمالة. سيعاني اقتصادنا أكثر وسوف ينفد الائتمان بصورة أكبر».

وقد حذر مستشارون من أن أوباما سوف يواجه «خيارات صعبة» في أول ميزانية له، التي من المقرر أن يسلمها اليوم. وتعهد الرئيس بتقليل العجز في ميزانية الولايات المتحدة بمقدار النصف بحلول نهاية عام 2012، وإنهاء الخصومات الضريبية للأثرياء وتقليل الإنفاق على الحرب، بينما يقوم الجيش الأميركي بسحب قواته من العراق خلال العام ونصف العام المقبلين. ومن المحتمل أن يتسبب ذلك في شقاق بينه وبين المشرعين الجمهوريين، الذين يشككون في الحكمة مما يقترحه أوباما من تقليل الإنفاق وزيادة الضرائب. وحتى قبل أن يتحدث أوباما، أظهر الحزب الجمهوري بصورة واضحة عدم رغبته في الانحناء لرغبة الرئيس. وفي رد رسمي جمهوري، سخر حاكم لويزيانا بوبي جندال من أجندة أوباما التشريعية قائلا إنها بالكامل أفكار للحكومة التي تعوزها الكفاءة سوف تعجز عن الإصلاح الاقتصادي في الولايات المتحدة. وقال جندال، الذي يخوض الانتخابات من أجل إعادة انتخابه ويحتمل أن ينافس في عام 2012 على منصب الرئيس: «ما سيقوم به هو حكومة أكبر وزيادة الضرائب وإرهاق للأجيال المقبلة بالديون. من بيننا سوف يطلب من أطفاله قرضا، وعليه قد ننفق أموالا لا نمتلكها على أشياء لا نحتاجها؟ هذا بالضبط ما قام به الديمقراطيون في الكونغرس. إنه أمر غير مسؤول».

وانفعلت أسواق المال الأميركية إزاء الأنباء التي ترددت في الأيام الأخيرة الماضية، بالإضافة إلى خطبة الرئيس أمس. وانتظر المستثمرون متلهفين لأنباء عن الميزانية التي من المقرر أن يعلنها الرئيس الأميركي أوباما غدا، وخطط الحكومة لإعادة التوازن في الاقتصاد المحلي من جديد. وكان قد ارتفع مؤشر داو جونز الرئيسي في بورصة نيويورك أول من أمس 230 نقطة، بعد أن هدأ بن برنانكي، رئيس الاحتياطي الفيدرالي من روع المستثمرين من أن الحكومة الأميركية بصدد تأميم البنوك الكبيرة، وتمحو حاملي الأسهم من الواجهة. أما عن تداولات أمس، فعاود داو جونز مرة أخرى إلى هبوط قيمته 100 نقطة، ومني ستاندرد أند بورز 500 بخسارة قدرها 2 في المائة، في الوقت الذي واجه المستثمرون مخاوف من خسائر طاحنة. وبحسب صحيفة «نيويورك تايمز» أفاد بعض المستثمرين بأنه كان هناك بعض الأمل تعلق به المستثمرون، ولكن اليوم عادوا لأرض الواقع، وإعادة مكاسب الأيام الماضية.