مديرو شركة رهون عقارية تسببوا في الأزمة ويستفيدون منها

خرجوا من الباب وعادوا من النافذة .. 10 مسؤولين بارزين سابقين من «كنتري وايد» اشتروا قروضا سيئة قيمتها 560 مليون دولار بـ 42 مليونا فقط

ستانفورد كورلاند الرئيس السابق لـ«كنتري وايد» (خدمة «نيويورك تايمز»)
TT

يحتمل أن تكون مؤسسة «كنتري وايد فاينانشال» وتنفيذيوها البارزون موجودين داخل معظم القوائم التي تحمل أسماء المسؤولين عن الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد. فقد قدم عملاق القطاع المصرفي قروضا محفوفة بالمخاطر إلى عشرات الآلاف من الأميركيين، مما ساعد على وقوع سلسلة من الأحداث أفضت إلى التردي الاقتصادي الحالي. ولذا، ربما يكون من المفاجئ أن أكثر من 10 مسؤولين بارزين سابقين في «كنتري وايد» يمكنهم تحقيق أرباح تصل إلى ملايين الدولارات من فوضى الرهون العقارية. وسيقوم ستانفورد كورلاند، الرئيس السابق لـ«كنتري وايد»، وفريقه بشراء رهون المنازل التي لم يتم الوفاء بمستحقاتها واستحوذت عليها الحكومة من المصارف الأخرى المتعثرة بسنتات مقابل الدولار. ويحصل هؤلاء على جزء مما يمكن أن يحصلوه. وقال جون لورانس، المسؤول عن خدمة الإقراض في الشركة، إلى كورلاند: «إنه شيء ناجح جدا، وقوي جدا». وقد قال ذلك أمام كورلاند في أحد الأيام القريبة داخل غرفة مجلس الإدارة في المقر الرحب لشركة «بني ماك». وقد افتتح هذا المقر العام الماضي في نفس ضاحية لوس أنجليس التي ازدهرت فيها مؤسسة «كنتري وايد». وأضاف كورلاند، الذي كان متكئا للخلف شاعرا بالراحة على كرسي جلدي داخل غرفة مجلس الإدارة، على الرغم من أن الأسواق المالية في نيويورك كانت في تراجع: «في الواقع، إنه شيء جيد بصورة غير متوقعة».

وفي الوقت الذي تتدفق فيه مئات المليارات من الدولارات من واشنطن لاستعادة النشاط في المصارف المتعثرة وصناعة السيارات وغيرها من الصناعات التي تشهد تراجعا، يبزغ نشاط اقتصادي جديد من بين هذه الأنشطة التجارية يأمل في أن يحقق الكثير من الأرباح من خلال العديد من البرامج الحكومية، فيما يمثل أكبر خطة إنقاذ اقتصادي في التاريخ. ويجري مستثمرون بارزون شراء حصص كبيرة من المصارف المتعثرة التي استحوذت عليها الحكومة الفيدرالية وجماعات الضغط. وهناك شركة «بني ماك»، التي يقودها كورلاند، الذي يقال عنه دوما إنه الرئيس التنفيذي السابق لـ«كنتري وايد» ووجهها العام.

حصل كورلاند، 56 عاما، على مئات الملايين من الدولارات من لاعبين بارزين أمثال «بلاك روك»، شركة إدارة استثمارات، من أجل تمويل شركته الجديدة. وبعد بيعه أسهما تبلغ قيمتها نحو 200 مليون دولار قبل أن يترك «كنتري وايد»، استخدم أيضا بعضا من أمواله الخاصة. وعلى الرغم من أن بعض المنتقدين يشعرون بالحزن من أن كورلاند والفريق التابع له عادوا إلى الأنشطة التجارية، يقول المسؤولون التنفيذيون، إن عمليات شركة «بني ماك» تمثل نموذجا لما يمكن للحكومة القيام به، مع المصارف، لتحقيق استقرار في سوق الإسكان ودفع البلاد خارج حالة الركود الحالي. وقد قال كورلاند، وهو واقف داخل مكتبه الذي يطل على جبال سانتا مونيكا: «من المهم أن يكون جميع الفريق الموجود هنا جزءا من الحل». ومن الواضح أن جهودهم ساعدت في الواقع الكثير من أصحاب المنازل المنكوبين. ويقول روبرت روبنسون، من فيلتون بولاية بنسلفانيا، الذي تم تخفيض معدل الفائدة على رهنه بمقدار أكثر من النصف وساعده ذلك على تحمّل الدفع من جديد: «بأمانة، لقد أنقذت مساعدتهم منزل عائلتي».

ولكن، بالنسبة للبعض، فإنه شيء مقلق أن يروا المسؤولين التنفيذيين السابقين في «كنتري وايد» في هذا القطاع من جديد. ويقول مارغوت سوندرز، المحامي في مركز قانون المستهلكين الوطني الذي سعى على مدى أعوام إلى وضع قيود على ما أسماه ممارسات الإقراض التعسفية التي يقوم بها «كنتري وايد» وشركات أخرى: «الأمر يشبه أن يقوم شخص بإضرام النيران في منزل وبعد ذلك يشتري البقايا المتفحمة ثم يعيد بيعها من جديد».

يذكر أن اسم «كنتري وايد» أصبح مرادفا للإفراط الذي أدى إلى فقاعة الإسكان، بدرجة أكبر من أي مؤسسة إقراض كبرى أخرى. وتلطخت سمعة الشركة لدرجة أن «بنك أوف أميركا»، الذي اشترى الشركة في العام الماضي بسعر منخفض، أعلن أن اسم وشعار مؤسسة «كنتري وايد»، التي كانت من كبرى مؤسسات الإقراض في الولايات المتحدة، سوف يختفي قريبا.

ويعترف كورلاند بأنه دفع بـ«كنتري وايد» إلى غمار القروض المحفوفة بقدر أعلى من المخاطر بأرقام كبيرة وأن ذلك تحول في النهاية إلى ديون متخلفة عن الدفع. ولكنه، قال إنه كان يصر دوما على ذهاب القروض إلى المقترضين الذين يمكنهم تحمل ردها. وقال أيضا إن عمليات الإقراض التي كان يحيط بها القدر الأكبر من المخاطر داخل «كنتري وايد» وقعت بعد أن غادر الشركة في أواخر 2006، بعدما قال عنه إنه كان نزاعا داخليا مع أنجيلو موزيلو، ومسؤولين تنفيذيين آخرين، يحملهم مسؤولية وضع معايير غير محكمة للقروض. مسترجعا الأحداث، يقول كورلاند إنه يشعر بالأسى على ما وقع في «كنتري وايد» وفي قطاع الرهون العقارية في مختلف أنحاء البلاد، لكنه لا يعتقد أنه يستحق اللوم. ويضيف: «ما حدث في القطاع يعد شيئا مريعا».

ولكن، تطرح الدعاوى القضائية المرفوعة ضد «كنتري وايد» الكثير من الأسئلة حول طريقة وصف كورلاند لدوره. تتهمه الدعاوى بأنه كان في بؤرة التحول الفكري داخل «كنتري وايد» عندما روجت الشركة لنوع من القروض التي كانت عليها معدلات فائدة منخفضة، لكنها «صعبة» ولم يتمكن البعض من تسديدها عندما انتهت فترة المعدلات المنخفضة. وتقول الدعاوى القضائية، ومن بينها دعوى رفعها مراقب الحسابات في ولاية نيويورك، إن كورلاند كان على وعي كامل بالمخاطر وأنه ضلل مستثمري «كنتري وايد» بشأن المخاطر التي تواجهها محفظة الشركة، التي وصلت إلى 463 مليار دولار في صورة قروض بعد أن كانت 62 مليار دولار خلال العام الأخير السادس من عمله في «كنتري وايد». ويقول بلير نيكولاس، وهو محام يمثل المدرسين المتقاعدين في ولاية أركنساو رفعوا دعاوى قضائية ضد كورلاند ومسؤولين تنفيذيين سابقين: «يسعى كورلاند إلى الاستفادة من وضع تسبب هو فيه، إنه أمر مأسوي ويدعو للسخرية. ولكن من جديد، الطمع صناعة نامية.» ويقول ديفيد ولينغام، وهو محام يمثل كورلاند في العديد من هذه القضايا، إن الإدعاءات المرتبطة بكورلاند لا يوجد ما يعضدها وتم رفع طلبات لرفض هذه الإدعاءات. وقال مسؤولون مصرفيون فيدراليون، دون ذكر اسم كورلاند تحديدا، إن كون أحد المسؤولين التنفيذيين عمل لدى مؤسسة مثل «كنتري وايد» فإن ذلك لا يعني أنه يستحق اللوم بسبب ممارسات الإقراض المشكوك فيها. وقالوا إنه من المهم ممارسة التجارة مع خبراء في الرهون العقارية من أمثال كورلاند، الذي يعرف كيف يمكنه إعادة التفاوض بشأن القروض التي لم يتم دفعها. وحصلت «بني ماك»، واسمها القانوني بالكامل هو« قبول الرهن العقاري القومية الخاصة» على دعم من «بلاك روك» و«هاي فيلدز كابيتال»، وهو صندوق تحوط في بوسطن. وتقوم الشركة بشراء القروض من المؤسسات المالية المتعثرة أو التي تواجهها مشاكل بخصم كبير، ويساعدها ذلك على تحقيق أرباح بصورة كبيرة حتى لو عرضت تقليل معدل الفائدة أو إجراء تعديلات على القروض الأخرى لحث المقترضين على استئناف عمليات الدفع. وكانت أكبر صفقة لها مع مؤسسة تأمين الودائع الفيدرالية، التي دفعت لها 43.2 مليون دولار مقابل 560 مليونا تمثل قيمة معظم القروض السكنية المتأخرة التي تركت بعد العام الماضي الفاشل للبنك القومي الأول في نيفادا. وتشبه الكثير من هذه القروض نفس نوع القروض التي كانت تعرضها «كنتري وايد» من قبل، بمعدلات فائدة يمكن أن تتضاعف فجأة. وطبقا للبنود الكاملة للاتفاقية، تحصل «بني ماك» على ما يماثل 38 سنتا على الدولار. وطبقا للبنود الأولية لصفقة مؤسسة تأمين الودائع الفيدرالية، تقرر حصول «بني ماك» على 20 سنتا من كل دولار يمكن تحصيلها، فيما تحصل الحكومة على الباقي. وفي النهاية سوف يرتفع ذلك إلى 40 سنتا. قضى موظفو الهاتف في «بني ماك»، الذين يعملون على فترات، 15 ساعة في اليوم في محاولة للوصول إلى المقترضين الذين استحوذت الشركة على قروضهم. وفي العشرات من الحالات، وبعد سيطرتها على القروض، بدأت في إجراءات نزع الملكية، أو دفع الملاك إلى بيع المنازل إذا لم يردوا على المكالمات. وفي الكثير من الحالات الأخرى، يعرض موظفو الهاتف تخفيضات كبيرة في معدلات الفائدة أو صفقات أخرى، يمكن أن تتحملها «بني ماك» على ضوء أنها تدفع مقابلا ضعيفا للقروض. وتأمل شركة «بني ماك» أن تحقق أرباحا نسبتها 20 في المائة على الأقل سنويا، وهي تشجع بصورة حثيثة المستثمرين الآخرين لتوسعة محفظتها، التي تتكون من 800 مليون دولار - في صورة قروض - إلى ما يصل إلى 15 مليار دولار خلال الثمانية عشر شهر المقبلة، حسب ما يقوله مسؤولون تنفيذيون. وبالنسبة للمقترضين الذين آلت قروضهم إلى شركة «بني ماك» يمكنهم عقد صفقة استثنائية. عجزت عائلة لافرد، من بورتر رانتش بولاية كاليفورنيا، منذ ثلاثة أشهر عن الوفاء بالرهن العقاري بعد تراجع مبيعات متجر للأثاث تمتلكه العائلة بصورة كبيرة خلال الأزمة المالية. وقد شعرت مارغاريتا لافرد وزوجها بالخوف من أنهما قد يضطران إلى نقل أطفالهما الأربعة وكلابهما الثلاثة وحوض أسماك يمتلكانه إلى شقة مزدحمة وأن يتركا من ورائهما المنزل الذي كانا يحلمان به. المنزل عبارة عن مزرعة بها مبنى يحتوي على خمس غرف نوم في شارع بإحدى الضواحي يطل على وادي سان فرناندو. ولكن، عرض مندوب «بني ماك» على العائلة تقليل سعر الفائدة على قرضهم الذي يبلغ 590.000 دولار من 7.25 في المائة إلى 3 في المائة مما يعني تقليل ما يدفعونه شهريا بمقدار النصف تقريبا، حسب ما تقول الزوجة، التي تضيف: «سألتهم مرة بعد أخرى هل أنتم متأكدون من أن ذلك صحيح؟ هل أنتم متأكدون». ويقول مسؤول بالشركة إنه حتى بعد هذا التخفيض فإن «بني ماك» تحقق أرباحا تصل إلى 50 في المائة على الأقل. لا تكترث الزوجة إلى أن المسؤولين التنفيذيين في «بني ماك» كانوا يعملون في «كنتري وايد»، وتقول: «المهم هو أن منزلنا مضن وائتماننا في أمان».

* خدمة «نيويورك تايمز»