اللبنانيون العاملون في الخليج بدأوا الهجرة المعاكسة

عددهم يتراوح بين 15 و25 ألفا

TT

مشهد السيارات المركونة في بعض المطارات الخليجية والعائدة إلى لبنانيين صُرفوا من عملهم، واضطروا إلى مغادرة البلاد وفق القوانين المرعية الإجراء وتسديد ما عليهم من متوجبات، بات مشهداً مألوفاً بعدما توقف العديد من المشاريع، وخففت بعض الشركات من العاملين لديها نتيجة الأزمة المالية العالمية التي أصابت انعكاساتها كل اقتصادات العالم.

ويصف أحد الخبراء الواقع الاستخدامي في الخليج بأنه يشكل بدء الهجرة المعاكسة للبنانيين العاملين هناك، الذين تهافتوا في السنوات الأخيرة على تلك الدول، وبالأخص إمارة دبي تزامناً مع الطفرة العقارية التي شهدتها المنطقة، والفوائض النفطية التي حققها ارتفاع أسعار النفط بشكل لم يسبق له مثيل.

ويقول أحد المهندسين اللبنانيين المصروفين من إحدى شركات دبي العقارية والعائد الى لبنان:«حالتي ليست وحيدة، بل هي بين مئات الحالات المماثلة في الخليج. وفي الشركة التي كنت أعمل فيها وتضم 150 موظفاً صرف منهم 80 في ثلاثة أيام وجميعهم لبنانيون. وهكذا اعتبرنا أن المغامرة انتهت والحلم توقف بعد سبع سنوات أمضيتها شخصياً في الإمارات، وسبق لي أن أمضيت أربعاً في أفريقيا». ويوضح المهندس:«ان ما حصل في دبي يعني نهاية مرحلة الفورة. وخوفاً من انتظار الأسوأ، قررت التخلي قسراً عن راتب 11 ألف دولار شهرياً والعودة الى لبنان والعمل براتب 5 آلاف دولار شهرياً».

وفي غياب أي إحصاء رسمي أو موثوق به، يُقدرعدد الذين أُنهيت خدماتهم في الخليج إبان الأزمة الحالية بين 15 ألفاً و25 ألف موظف وعامل، معظمهم كان يعمل في قطاعات البناء والمال والسياحة.

«والحقيقة ان المصروفين لم يعودوا جميعاً الى لبنان، بل إن قسماً منهم قصد إلى مدن خليجية أخرى برواتب أقل من تلك التي كانوا يتقاضونها،إضافة إلى قسم آخر استمر في البحث عن عمل جديد في المنطقة، باعتبار ان التأثيرات تباينت بين دولة وأخرى. ففي الرياض مثلاً، حيث التأثير أقل مما هو في دبي، فإن العديد من الشركات لا تزال تستخدم موظفين جدداً»، كما يقول المدير العام لمؤسسة التوظيف «مانجمنت بلاس» وأستاذ الاقتصاد في الجامعة الأميركية في بيروت صباح الحاج، «إن عدد اللبنانيين المصروفين من عملهم في الخليج الذين عادوا الى لبنان، يناهز 4 آلاف ولذلك زادت طلبات التوظيف لدينا بنسبة 25 في المائة».

ويقول مديرمكتب استخدام آخر: إنه يتلقى يومياً نحو30 سيرة ذاتية لأشخاص عائدين من الخليج ويبحثون عن عمل في لبنان، مشيراً إلى أنه«منذ ديسمبر (كانون الأول) ، تلقينا أكثر من 1700 سيرة ذاتية من الخارج 80 في المائة منها من الإمارات العربية المتحدة. وبين هؤلاء مهندسون ومعماريون ومصرفيون».

والحقيقة ان هجرة العمالة من لبنان ظاهرة لافتة، وتتكرر في كل حقبة من حقبات التاريخ. تارة باتجاه الولايات المتحدة وكندا، وطوراً باتجاه أميركا اللاتينية، ومرة باتجاه أفريقيا وأخرى باتجاه أستراليا، ولكن السنوات الأخيرة شهدت هجرة العمالة الماهرة إلى الخليج، الذي كان بأمس الحاجة إلى هذه العمالة لتحقيق ازدهاره ونموه. وكانت آخر موجة من الهجرة قد حلت بعد حرب يوليو (تموز) عام 2006. ويقول فادي عيد، صاحب أحد مكاتب التوظيف:إن جميع الذين كانوا يمرون علينا كانوا يطلبون منا أن نؤمن لهم وظيفة في أي بلد إلا في لبنان هرباً من حالة عدم الاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي. ولكن الأمر انعكس اليوم، فصرنا نطالب بتأمين وظائف في السوق المحلية».

ويعتبر الخبير الاقتصادي الدكتور لويس حبيقة«أن عودة المهجرين يمكن أن تشكل ضغطاً على مستويات الأجور في الأشهر الأولى، ويمكن أيضاً إحلال بعض العائدين محل الموظفين العاملين، بالنظر إلى خبرتهم وتجربتهم، وهذا من شأنه أن يزيد نسبة العاطلين عن العمل في السوق المحلية. وفي المقابل، يمكن لخبرة هؤلاء اللبنانيين العائدين من الخليج أن تساعد في دعم النموعلى المدى المتوسط وتعزيز الاستهلاك، كما أنها تشكل قيمة مضافة للعنصر البشري.» ويضيف:«أن بعض القطاعات عانت من نقص في اليد العاملة الماهرة غداة حرب يوليو (تموز)، كقطاع الفنادق، يمكن أن يستفيد من الهجرة المعاكسة».

ويعتبرالمبالغون في التفاؤل أن هذه الظاهرة يمكن أن تطلق العجلة الاقتصادية من خلال إنشاء شركات جديدة، انطلاقاً من الخبرة التي اكتسبها العائدون، والأموال التي جنوها في زمن الطفرة الخليجية، وهم لا ينتظرون سوى توافر الاستقرار السياسي والأمني كي يتمكنوا من المساهمة في إعادة بناء اقتصاد بلدهم.