تزايد الضغوط الأميركية على «يو بي إس» للإفصاح عن بيانات العملاء

غيثنر يتعهد بجهد طموح للتعامل مع الملاذات الضريبية الآمنة

TT

أعلن رئيس أكبر بنك سويسري عن تنحيه من منصبه، بعد مرور أقل من أسبوعين على إقرار يو بي إس- عملاق المعاملات المصرفية السويسري - بأنه احتال على الحكومة الأميركية عن طريق مساعدة العملاء الأميركيين على التهرب من الضرائب. وفي واشنطن زادت لجنة تحقيقيه بمجلس الشيوخ من الضغوط المبذولة على «يو بي إس» للكشف عن أسرار العملاء، كما تعهدت قيادات أخرى بممارسة جهود جديدة لمحاربة السرية في المصارف. ولدى شهادته التي أدلى بها في الكونغرس، تعهد تيموثي غيثنر وزير الخزانة الأميركي على نفسه بالقيام «بجهد طموح أكبر بكثير للتعامل مع الملاذات الآمنة للتهرب من الضرائب خارج البلاد». ولدى توجيهه خطاباً أمام جلسة مشتركة للكونغرس، دعا رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون للقيام بحظر عالمي على «أنظمة الظل البنكية». وحث براون دول مجموعة العشرين على التعامل مع هذه القضية في قمة المجموعة المزمع عقدها بلندن في شهر أبريل (نيسان). ومكنت التسوية التي توصل إليها بنك «يو بي إس» مع الحكومة الأميركية الشهر الماضي وقدرها 780 مليون دولار من تفادي مغبة إقامة دعوى قضائية جنائية تعطله، ولو لفترة مؤقتة على الأقل. إلا أن ثمة تطورات حدثت بالأمس أكدت على أن هذه التسوية لم تحل إلا القليل نسبيًا، بل بدت إلى حد كبير على أنها مهدت للمزيد من المعارك. وبدت أن المخاطر محدقة في كل مكان، فبالنسبة للولايات المتحدة وبريطانيا وباقي الدول السائرة على نفس نهجهما، يعود الأمر إلى تحصيل العوائد الضريبية التي توجد حاجة كبيرة لها، وخضوع المتهربين من الضرائب والمحتالين إلى المساءلة. أما الأمر بالنسبة لسويسرا، فيتمثل في الحفاظ على حجر الزاوية بالنسبة لاقتصادها، وهو النظام المصرفي، الذي جذب الودائع من جميع أنحاء العالم. وأفاد رئيس سويسرا أنه بموجب هذه التسوية، منحت سويسرا للحكومة الأميركية معلومات تتعلق بحوالي 250-300 عميل أميركي. وأثار هذا التنازل احتجاجات أصحاب البنوك في سويسرا، الذين يخشون من تبدد ثقة العملاء في بنوك البلاد. ومن جانبه، لم يورد بنك «يو بي إس» أي ذكر صريح لتلك التسوية مع الحكومة الأميركية في بيانه بالأمس، الذي أعلن فيه أن بيتر كورير لن يسعى لإعادة انتخابه مرة أخرى رئيساً للبنك الشهر المقبل. وأشاد البيان بكورير في مواجهته للأزمة البنكية العالمية. جدير بالذكر أن «يو بي إس» تكبد قدرا كبيرا من الخسائر جراء الاستثمارات المتعلقة بالرهون العقارية. وأعقب تنحي كورير استبدال المدير التنفيذي للبنك الأسبوع الماضي. وعلى خلفية هذه الأزمة، سحب عملاء «يو بي إس» قدرًا كبيرًا من ودائعهم بالبنك، إما لحاجتهم إليها، أو لأنهم لم يعودوا بحاجة إلى الاحتفاظ بها لدى البنك. وخلال جلسة الاستماع التي عقدها مجلس الشيوخ أمس، كان التركيز على الأسرار التي ما زال «يو بي إس» يرفض الكشف عنها حتى الآن؛ وتتمثل في تفاصيل عشرات آلاف الحسابات التي تتخفى فيها أموال الأميركيين من هيئة العوائد الداخلية. وقد أقامت الحكومة الأميركية دعوى قضائية أمام المحكمة الفيدرالية بفلوريدا للكشف عن هذه المعلومات. وإذا خسر بنك «يو بي إس» القضية في النهاية واستمر في رفضه الكشف عن تلك الأسماء، يمكن لوزارة العدل حينذاك رفع دعوى قضائية جنائية، علقتها عملية التسوية، كما انها من الممكن أن تستغل إقرار «يو بي إس» بارتكابه خطأ كدليل. ولدى مثوله أمام اللجنة الفرعية الدائمة التابعة لمجلس الشيوخ والمنوطة بالتحقيقات، قال مارك برانسون- المسؤول التنفيذي ببنك «يو بي إس» إن البنك كشف عن جميع المعلومات التي يمكنه الكشف عنها إزاء العملاء محل الارتياب «دون خضوع موظفيه للمحاكمة الجنائية في سويسرا». إلا أن هذا لم يسفر إلا عن القليل لاسترضاء كارل ليفن- رئيس اللجنة الفرعية، والديمقراطي عن ولاية ميتشيغان، حيث قال بدوره إن إدارة وتصرفات البنك «ترتقي إلى أن تكون إعلاناً بالحرب على.. دافعي الضرائب الأمناء الجادين في العمل».

وأوضح دي سيكو- النائب العام المساعد بقسم الضرائب التابع لوزارة العدل- أن «يو بي إس» أخفق بدءًا من عام 2000 وحتى 2007 في الاحتفاظ بـ220 مليون دولار كضرائب على الدخل بالولايات المتحدة على أصول بحوالي 20 مليار موجودة كودائع بالبنك. وبموجب التسوية الأخيرة، أقر «يو بي إس» أنه ساعد دافعي الضرائب الأميركيين على إخفاء ملكيتهم لحسابات مالية في سويسرا. وأنه أحال العملاء إلى شركات قامت بدورها بتأسيس شركات وهمية تحتفظ لنفسها اسمياً بتلك الحسابات.

قال عميل بهيئة العوائد الداخلية في دعوى قضائية أخيرة، مستشهدًا بمذكرة قانونية داخلية خاصة بالبنك، إنه مع بداية عام 1999 اعترف «يو بي إس» بأن أنشطته في الولايات المتحدة انتهكت القانون الأميركي. وأوردت المذكرة القانونية أن هذه الأنشطة «ينجم عنها مخاطر جمة على البنك، وهذا مرده إلى أن البنك يفتقر إلى الترخيص اللازم لتقديم هذه الخدمات». وخلصت المذكرة إلى أن هناك خطوات يمكن لـ «يو بي إس» اتخاذها «على الأقل لتقليل مغبة أن تعرف لجنة الأوراق المالية والصرف جذرياً عن أنشطة البنك في السوق الأميركية».

وطبقاً لما أوردته المذكرة الداخلية، ففي عام 2000، أطلعت شركة للاستشارات القانونية «يو بي إس» أن تقديم النصح للعملاء بالتخفي وراء شركاء في الخارج «يمكن أن يتم النظر إليه على أنه مساعدة فعلية لعملائنا بالتهرب من دفع الضرائب الأميركية، وهو ما يعتبر جريمة جنائية في الولايات المتحدة». وأظهرت وثائق البنك، التي ألقي الضوء عليها في العديد من التحقيقات أن «يو بي إس» استخدم العديد من الحيل للعمل بصورة سرية في الولايات المتحدة. وطبقاً للدعوى القضائية، فقد صنع مستشار عميل في «يو بي إس» «شيفرة جديدة لتسهيل اتصالات البريد الإلكتروني السرية»، التي يكتب خلالها العميل رمزاً معيناً لطلب مبلغ قوامه 625.000 يورو.

ولتفادي أن تكشف السلطات الأميركية أمرها، تم تدريب أصحاب المصارف السويسرية المسافرين للولايات المتحدة في مهمات عمل لأحد العملاء على استخدام التدابير الوقائية مثل تغيير الفنادق التي يقيمون فيها.

وطبقاً لبيان عميل هيئة العوائد الداخلية، أن وثائق البنك الداخلية أوضحت أنه «في حالة الطوارئ»- أو إذا ما ألقت السلطات الأميركية القبض على المسؤول- يتم إخبار المصرفيين التابعين لـ «يو بي إس» الاتصال بالخط الساخن «لإدارة الأزمات الأمنية» والمزود بفريق عمل طيلة اليوم على مدار 24 ساعة، طوال أيام الأسبوع. وأفادت وثيقة تدريب بتاريخ سبتمبر (أيلول) 2006 أنه «في حالة إجراء تحقيق من قبل أي سلطة.. فلتحافظ على سرية (المعلومات) البنكية».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»