صناعة الرخام المصرية: الجميع يخشى فقدان عمله مع انخفاض كمية الغبار وتراجع هدير الآلات

الأزمة العالمية تدخل منطقة «شق الثعبان» جنوب القاهرة

تصدر منطقة «شق الثعبان» للخارج حوالي ‏1.2‏ مليون طن في السنة بما قيمته نحو ‏200‏ مليون دولار (رويترز)
TT

«انخفضت كمية الغبار الأبيض المنبعث من المصانع والورش هنا، وانخفضت الأجور كذلك، وتراجع عدد العمال.. إنها الأزمة المالية العالمية يا أخي».. كان أحمد محسن الذي يشغل موقع مساعد مشرف في مصنع للرخام بمنطقة «شق الثعبان» جنوب العاصمة المصرية يتقاضي أجرا شهريا يبلغ 3500 جنيه (نحو 600 دولار). كما كان يحصل على حوافز مرتين أو ثلاثا في السنة، حين تزيد كمية تصدير المصنع لألواح الرخام و«بلوكاته» لليبيا والجزائر والصين وتركيا وغيرها.

ومع تراجع قيمة العملات في أسوق التصدير، وتأثر بلدان كالصين وتركيا جراء الأزمة المالية العالمية في الشهور الأخيرة، وقيام بعضها بفرض رسوم إغراق على الصادرات المصرية، بدأ أجر «محسن» ينخفض تدريجيا، ما اضطره للانتقال لشقة أقل إيجارا، لكنه ما زال يعاني بعد أن تراكمت فواتير الكهرباء والمياه وأقساط أثاث غرفة نوم كان اشتراها لابنته، وعليه أن يسددها قبل نهاية هذا الشهر.

ويتوجه نحو 50 ألف عامل صباح كل يوم إلى مصانع الرخام في منطقة «شق الثعبان» الواقعة جنوب العاصمة المصرية على مساحة تقارب الألف فدان، إذ ينبعث من نحو ‏400‏ مصنع وحوالي ‏4‏ آلاف ورشة غبار أبيض.. كما تسمع أصوات آلات تقطيع الحجارة البيضاء الداكنة. ويقول عبد الله عبد الكريم، وهو عضو في تنظيم نقابي صغير يرعى مصالح عمال الرخام والجرانيت، إن هناك حوالي 23 ألف عامل مدرب يعملون في المصانع، أما الورش فهي بلا حصر، ويعمل فيها بشكل غير دائم ما لا يقل عن 27 ألف عامل..«الكل يشعر بالخوف من فقدان عمله، كل مجموعة تدرك أن أحدهم أصبح عاطلا.. نرجو من الله أن تمر هذه الأزمة على خير، لأن الناس لديها من المشاكل ما يكفي».

وتصدر منطقة «شق الثعبان» للخارج حوالي ‏1.2‏ مليون طن في السنة، بما قيمته نحو ‏200‏ مليون دولار، أي ما يساوي حوالي ‏70%‏ من صادرات مصر من الرخام‏.‏. «في هذا المصنع، كما في مصانع أخرى هنا، نقوم بتصنيع الرخام للسوق المحلي وللتصدير، لكن تم تسريح 150 من بين 433 عاملا في شهر فبراير (شباط) الماضي.. بالنسبة لمساعدي مشرف، مثلي، فإنهم لا يستغنون عنهم بسهولة، لكن يمكن خفض الأجر بحجة أن العملية كلها لم تعد تحقق مكاسب».

وبمتابعته لما يذاع وينشر عن إفلاس بنوك، وانتحار مضاربين في البورصة، وتسريح آلاف العمال في مئات المصانع المختلفة حول العالم، بما فيها المصانع العملاقة، أصبح «محسن» لا يدرك فقط حقيقة أن العالم «قرية صغيرة بالفعل»، بل يتساءل وهو يفكر في خفض نفقات أولاده المدرسية عما يمكن أن يحدث في الأيام المقبلة.

يقول رئيس غرفة صناعة مواد البناء بمصر، الدكتور وليد كمال الدين: «الرخام المصري والرخام التركي متشابهان في الصنعة والجودة، وكانت مصر تصدره لتركيا، وتنافسها في أسواق أخرى، بسبب ارتفاع أسعار الرخام التركي حتى داخل تركيا نفسها، ونتيجة للأزمة المالية العالمية بدأت قيمة العملة التركية بالانخفاض، مثلها مثل كثير من بلدان العالم، وبالتالي أصبح سعر الرخام التركي يساوي السعر المصري، بل أقل منه في بعض الأحيان.. ولم يترك منتجو الرخام الأتراك الفرصة، إذ بدأوا يسوقون بقوة، وينافسون الرخام المصري حتى داخل السوق المصرية نفسها».

وتابع الدكتور «كمال الدين» قائلا إنه منذ شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي إلى اليوم، وأسعار الرخام المصري تشهد هبوطا حادا و..«بعض المصانع هبط 50% وبعضها 70% مع أن السوق المحلي ما زال جيدا.. حتى تصدير بلوكات الرخام (الرخام قبل تقطيعه وتصنيعه) للسوق الصيني توقف بنسبة عالية بسبب معاناة الصينيين من الأزمة المالية العالمية.. كل مصدري بلوكات الرخام المصريين يعانون».

وبحسب مصادر المجلس التصديري لمواد البناء، كانت صادرات الرخام والجرانيت المصري قد زادت، لكن ضمن حزمة من تصدير مواد البناء في عام 2008 إلى 4.6 مليار دولار، بعد أن كانت في 2007 لا تزيد عن 4.4 مليار دولار، إلا أن الأزمة المالية العالمية التي بدأت في الربع الأخير من العام الماضي، جعلت المنتجين والمصدرين المصريين، ومعهم عشرات الآلاف من العمال، مثل «محسن»، يضربون أخماسا في أسداس، وهم غير قادرين على رسم صورة واضحة لمستقبل مصانعهم ووظائفهم، وأسرهم أيضاً.

ووافقت الحكومة المصرية على تخصيص 2.1 مليار جنيه كمساندة إضافية لقطاعات تصديرية مستهدفة، منها صناعة ألواح الرخام والجرانيت، بهدف تقليل الآثار السلبية لتداعيات الأزمة المالية العالمية ومساعدة هذه القطاعات على الحفاظ على العمالة لديها.

وقال وزير التجارة والصناعة رشيد محمد رشيد إنه من المقترح..«مساندة بعض صناعات قطاع مواد البناء بتكلفة قدرها 171 مليون جنيه خلال 6 أشهر الأولى من العام الحالي».

وعن مستقبل الأزمة المالية التي تهدد الملايين بفقدان وظائفهم حول العالم، قال رئيس اللجنة النقدية والمالية الدولية بصندوق النقد الدولي، الدكتور يوسف بطرس غالي، الذي يشغل أيضا موقع وزير المالية المصري: «البيانات الصادرة حديثاً عن صندوق النقد والبنك الدوليين تظهر انخفاضا حادا في رؤوس الأموال الخاصة الموجهة للاستثمار في الأسواق الناشئة بشكل عام.. لقد انخفضت من 530 مليار دولار تقريباً في عام 2007 إلى نحو 460 مليار دولار في 2008، ومتوقع ألا تزيد عن 165 مليار دولار في العام الحالي». وأضاف في بيان صدر من وزارته بالعاصمة المصرية أمس: هذا الأمر سوف يؤثر حتماً في الخطط التنموية لدى عدد من الدول.