محللون: أسعار النفط ستعاود الارتفاع والاستثمار الخليجي سيكون محافظا أكثر

في قراءة لتداعيات الأزمة المالية العالمية

TT

سترسم الأزمة المالية العالمية معالم جديدة لحركة الاستثمارات في دول الخليج، وقد حدد مدير الدراسات الاقتصادية في مركز الخليج للأبحاث ايكهارت وارتز ابرز هذه المعالم بتحول الأموال والاستثمارات الخليجية من الخارج الأوروبي والأميركي وغيره إلى الداخل، ومن سوق السندات والأسهم إلى الاستثمار المباشر في شركات استراتيجية، كما ستصب نسبة أكبر من الاستثمارات في الذهب كوسيلة للتحوط. ويتوقع وارتز بأن يكون هناك توجه للاستثمار أكثر في شركات البتروكيماويات و المواد الخام مثل الألومنيا وفي قطاعات مثل السياحة والزراعة. ويقول وارتز: «سيكون الاستثمار الخليجي من الآن فصاعدا محافظا أكثر وسنشهد تراجعا لدور الصناديق السيادية وهذا بدوره سيفسح المجال أكثر أمام الشركات الاستراتيجية للتحرك داخل السوق». ويلفت إلى أن « خسائر الصناديق السيادية في أبوظبي وقطر والكويت كبيرة. فهي فقدت ما بين 30 إلى 40 بالمائة من أصولها خلال عامي 2007 و 2008 بينما كان ساما محافظا أكثر في استثماراته وكانت معظم الأصول موظفة في أسواق السندات». وقال: «لا بد من التنبه إلى وجود نقص في التمويل في هذه المرحلة نتيجة اعتماد البنوك الشديد في الفترة السابقة على المؤسسات المصرفية العالمية وذلك بنسبة وصلت إلى 70 بالمائة». وهو تحدث بالمقابل عن الحاجة الملحة اليوم لإيجاد سوق سندات فاعل ودعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة. وتوقع وارتز بأن نشهد على المدى المتوسط عودة لارتفاع أسعار النفط مدفوعا هذه المرة ليس بارتفاع حجم الطلب، بل بقلة الاستثمارات اللازمة لإنتاج البترول. وقال لـ«الشرق الأوسط:«إن تكلفة إنتاج النفط اليوم باتت أعلى من السابق، حيث إنها تحتاج إلى تكنولوجيات كثيرة تُعتبر مكلفة في نهاية الأمر. ولهذا قد نعود نشاهد مستويات 75 دولارا للبرميل من جديد». ويدعم وارتز فكرته هذه بأن حجم الإنتاج في بحر الشمال على سبيل المثال ما زال يسير في خط متراجع منذ مدة في حين انه وعلى الرغم من استمرار الصين في الإنتاج وفق المستويات المحددة، إلا أنه لا وجود لما يدل على العمل على رفع هذا الإنتاج مستقبلا. وباختصار يقول وارتز:«لا نجد اليوم الاستثمارات المطلوبة في هذا القطاع». ويعتبر ان منطقة الخليج سوف تزدهر مجددا في ظل تناقص إنتاج النفط في عدد من الحقول في العالم وان الطلب سيزداد شيئا فشيئا في الفترة القادمة تبعا لتحسن الظروف الاقتصادية. لكنه لفت في الوقت نفسه إلى ضرورة التفكير والبحث عن بدائل النفط على المدى البعيد. وقال: على الرغم من المساعي التي تبذلها دول الخليج لتنويع اقتصادها إلا أن النفط ما زال يشكل مصدر الدخل الأساسي ولو أخذنا دبي مثلا لناحية أن نسبة مساهمة النفط في الناتج المحلي قليل، مقارنة مع دول أخرى، إلا أن اقتصادها يعتمد على استثمارات مباشرة من الدول المنتجة للنفط  كما أنها تقوم على أسعار نفط رخيصة من جهة ثانية.

وفي المقابل يرى مدير إدارة التكامل الاقتصادي في الأمانة العامة لمجلس التعاون عبد العزيز العويشق أن دول المجلس تتمتع إلى حد كبير بظروف أفضل من أي منطقة في العالم للتعامل مع الأزمة المالية العالمية وذلك نظرا لما تحقق لهذه الدول من فوائض مالية خلال السنوات القليلة الماضية، بالإضافة إلى السياسات النقدية والمصرفية المتحفظة التي تم تبنيها قبل حلول الأزمة. ودعا العويشق دول المجلس إلى تبني سياسات تحفيز مالية مناسبة وعدم تخفيض الإنفاق الحكومي بشكل كبير وتبني سياسات مصرفية تحافظ على ملاءة البنوك. وقال: «يجب تخفيض أسعار الخصم والفائدة بهدف توفير السيولة التي يحتاجها القطاع الخاص للاستمرار في مشاريعه.  كما يجب ضخ الكميات اللازمة من السيولة في النظام المالي وتخفيض الاحتياطي النظامي المطلوب من البنوك بهدف زيادة السيولة لديها». ورفض العويشق الدعوات التي أُطلقت من أكثر من جهة لمساهمة الدول المنتجة للنفط ماليا لمواجهة تداعيات الأزمة. معتبرا في المقابل انه على دول العالم النامي بأن تطالب المؤسسات الدولية المختلفة مثل صندوق النقد بمراقبة أكبر لممارسات الدول المتقدمة بدلا من التركيز على الدول النامية كما كان حاصلا خلال السنوات الماضية.

ويتفق المراقبون على ضرورة تبني السياسات الاقتصادية التي تتناسب مع ظروف الدورة الاقتصادية التي يمر بها الاقتصاد العالمي. وفي الوقت نفسه على الحاجة الملحة لاعتماد السرعة في تبني هذه السياسات للتخفيف قدر المستطاع من الآثار السلبية التي جلبتها الأزمة المالية العالمية على مختلف الدول.