في الصيف وردة

علي المزيد

TT

نظن نحن أهل هذا الزمان، أننا أول من اخترع نظريات الاقتصاد وتعامل بها وأسس لفنون هذا العلم، لكن هذا العلم معروف قبلنا ونظرياته مؤسسة بقوالب شعرية أو أمثلة أو حتى نثرية يتداولها الجميع وتطبق أيضا في الأسواق.

ولأضرب لكم مثلا بسيطا انظروا ماذا قال الشاعر البحريني حينما أراد أن يصف مدى تلذذ محبوبته بتعجيزه عن تحقيق طلباتها، فقد قال:

حبيبي طلبني طلبة عسرة في الصيف وردة وبالشتاء بسرة والمحب البحريني قال إن محبوبته تريد تعجيزه في الحصول على طلباتها، وكأنها والد عبلة حينما طلب من عنترة أنوق العصافير مهرا لعبلة، فمحبوبة البحريني طلبت في الصيف وردة، ومعلوم أن شمس الجزيرة تقضي على الورود، فالورود في الجزيرة تنبت في الربيع، كما طلبت منه في الشتاء بسرة، ومن لا يعرف البسرة فهي مفردة من مفردات «المحكية الخليجية»، وتعني البلح، ولعل الجميع يعرف أن البلح لا يظهر إلا صيفا.

أتعرفون عن ماذا تحدث الشاعر البحريني اقتصاديا، لقد تحدث عن قانون الندرة، إذ يندر أن نجد وردة في الصيف أو بلحا في الشتاء، لذلك كانت طلبات محبوبته عزيزة ونادرة، وهذه المحبوبة يبدو أنها من الجيل الذي يريد أن يتدلل على عاشقه، لذلك أوقعته في قانون الندرة الاقتصادي من حيث تعلم أو لا تعلم.

ومن الأمثلة السائرة على ألسنة الناس، على الأقل في جزيرة العرب، بل دعني أقول في كل البلاد العربية، لكن كلا بطريقته ولهجته مثل المَثل المعروف «جود السوق ولا جود البضاعة» ويعني المثل، أنه إذا كان السوق جيدا فإن البضائع ستشترى بغض النظر عن جودتها، وهذا يعني اقتصاديا أن الطلب أكثر من العرض، فإذا كان الطلب أكثر فإن الناس يريدون قضاء حاجاتهم بشراء أي بضاعة تتوفر في السوق.

وهناك مثل آخر يقول «إذا أطاعك السوق وإلا فأطعه»، وهذا يعني أنه إذا كان الطلب قليلا فيجب على البائع أن يطيع السوق ويخفض في السعر ويسوق بضاعته بدلا من أن تظل عنده وتهبط أكثر، وهذا المثل يعني اقتصاديا أن العرض أكثر من الطلب.

ومن الأمثلة المتعلقة أيضا بالتسويق الاقتصادي، مثل يقوله الباعة المكاويون دائما، ويلقنونه أبناءهم، وهو أن البائع خادم الزبون، ويقصد بهذا المثل أن البائع يجب أن يتلطف مع الزبون حتى يرتاح له الزبون ويشتري منه، لأن خلق ثقة بين البائع والزبون، أيا كان هذا البائع فردا أو مؤسسة، مطلب اقتصادي، كما أنه نظرية من نظريات التسويق.

اخترت اليوم أن أكتب في موضوع الأمثلة، لأن الأزمة المالية العالمية قد ألقت بظلالها على الجميع ما يجعل الموضوع الاقتصادي الصرف ثقيلا على القلب.

ودمتم

* كاتب اقتصادي [email protected]