البنوك تحذر من كارثية القوانين الجديدة

مخاوف على الصناعة التي باتت تحت رحمة «الكونغرس الغاضب»

تعرضت المصارف لضغوط ما بين قبول القيود التي تطالب بها الحكومة الأميركية وإعادة مليارات الدولارات من المساعدات الفيدرالية التي حصلت عليها والتي يمكن أن تحد من قدرتها على تقديم القروض (ا.ف.ب)
TT

حذر بعض المديرين التنفيذيين البنوك أمس من أن الحكومة تدفعهم باتجاه خيار كارثي بين قبول القيود على التعويضات التي يمكن أن تعيق قدرتهم على التنافس مع الخصوم، أو إعادة مليارات الدولارات من المساعدات الفيدرالية التي يمكن أن تعيق عملية الإقراض وتدمر الاقتصاد.

وقد أثارت إمكانية نشوء صناعة بنكية ضعيفة المخاوف بين الشركات العاملة في مجال الاقتصاد بشكل عام، والتي تناضل لإيجاد شركات مالية لديها الاستعداد لإقراضهم المال الذي يحتاجونه.

ويقول أحد المديرين التنفيذيين في بنك ضخم تلقى مساعدة فيدرالية: «سوف نخسر جميعا في هذا الأمر». وقد عبر المديرون التنفيذيون عن الصدمة من التقدم السريع في التشريع الذي يمكن أن يفرض انخفاضات كبيرة في رواتب آلاف العمال، وعن فزعهم من أن الصناعة باتت تحت رحمة الكونغرس الغاضب، بيد أن بعض أعضاء الكونغرس قالوا إن المخاوف مبالغ فيها، وإن القيود على خطط الأجور المرتبطة بالأرباح قصيرة المدى لم تدفع منذ مدة طويلة.

انطلقت موجة الغضب العام التي دفعت بالقوانين إلى مجلسي النواب والشيوخ خلال عطلة نهاية الأسبوع، عندما صدر تقرير يشير إلى أن مجموعة أميركان إنترناشيونال غروب دفعت 165 مليون دولار كمكافآت للموظفين في الوحدة التي أدت إلى إفلاس الشركة، ودفعت إلى ذلك التدخل الحكومي الضخم.

هناك إمكانية لأن يؤدي القرار التشريعي إلى حل اللغز بين الإنقاذ الفيدرالي الكبير للبنوك المضطربة، والتي لا تحظى بقبول كبير في الكونغرس وبين باقي البلاد.

المشكلة هي أن مسرحية المكافآت دور رئيسي في الطريقة التي يعوض بها البنك موظفيه، فمن المعروف أن كل موظف في «وول ستريت» يحصل على مكافآت في نهاية العام، في الوقت الذي يتم فيه تعويض غالبية العمال الأميركيين بصورة أساسية بمرتب سنوي ثابت أو عبر عمولات منتظمة، أما الأفراد الذين يعملون في سوق رأس المال فيحصل غالبيتهم على دخولهم بصورة إجمالية بناء على أدائهم ونجاح وحدتهم وأرباح الشركة.

ويسمح دفع المكافآت للشركة ربط تعويضات موظفيها في عام معين، وهو أمر اعتبره خبراء الإدارة على مدار وقت طويل تقليدا جيدا، لكن بعض الخبراء يعتقدون أن ربط المكافآت بالنتائج قصيرة الأجل يشجع الموظفين على المجازفة بالنتائج بعيدة الأمد.

ويشير خبراء التعويضات إلى أن القانون الذي أقره مجلس النواب بالأمس سيفرض اقتطاعات كبيرة على رواتب آلاف الموظفين في البنوك الأميركية الثمانية الكبرى، وأن النسخة الموجودة أمام مجلس الشيوخ ستجبر عشرات البنوك على خفض رواتب آلاف العمال الإضافيين.

وقال آلان جونسون، من شركة جونسون أشوتشيت المتخصصة في استشارات التعويضات: «لا يستهدف ذلك القانون المديرين التنفيذيين، فإذا ما كنت موظفا ذا خبرة فإن هناك احتمالا كبيرا بأن تتأثر بالقانون».

كان معدل المكافآت بالنسبة إلى موظفي «وول ستريت» في عام 2007 أكثر من 180 ألف دولار، لكن كبار الموظفين يحصلون على أكثر من ذلك، فقد تصدر ليود بلانكفين المدير التنفيذي لـ«غولدمان ساكس» الجداول براتب بلغ 600 ألف دولار ومكافآت تصل إلى 68 مليون.

يشير المؤرخون الماليون إلى أن تلك الرواتب تعود إلى الوقت الذي كانت فيه شركات «وول ستريت» عبارة عن شراكات، وكانت الأرباح توزع بين الشركاء، لكن الطريقة صمدت خلال تحول كل الشركات الكبرى إلى شركات مطروحة للتداول العام.

القلق الأكبر الذي يساور البنوك أن التشريع الجديد يلقي على عاتق متلقي الإعانات الفيدرالية بقيود جديدة، في الوقت الذي لا تتحمل فيه الشركات الأخرى نفس الأعباء. ويساور المديرين التنفيذيين في البنوك الأميركية القلق من إمكانية هروب الموظفين الأكفاء إلى وظائف أخرى، والتي من بينها الشركات المالية غير الخاضعة للقانون.

وحذر قادة الصناعة المالية من أن القانون الجديد الذي يستهدف المكافآت التي تدفع للموظفين في الشركات الأميركية سيخلق ميزة تنافسية للبنوك الأجنبية مثل «دويتشه بنك» الذي يتخذ من ألمانيا مقرا له، والذي يدير واحدا من أكبر البنوك الاستثمارية في نيويورك.

وقال بات ويزر، المدير المشارك للخدمات المالية في «رودس أسوشياتس» في مانهاتن: «أعتقد أن البنوك المتعثرة مقدمة على مجازفة كبرى تتعرض فيها لخسارة الأفراد الذين تحتاجهم للاستمرار في مساعدتها في الخروج من هذا المأزق».

وقد استثمرت الحكومة الأميركية أكثر من 200 مليار دولار في 500 شركة مالية، في محاولة ضخمة لتضميد جراحها وإحياء الإقراض مرة أخرى.

طلبت العديد من البنوك من وزارة الخزانة السماح بعودة الاستثمار الحكومي في فبراير (شباط) من العام الجاري، بعد موافقة الكونغرس على فرض قيود على تعويضات كبار المديرين التنفيذيين في الشركات التي قبلت المساعدات الحكومية، أما القيود الأكبر حجما، التي يدرسها الكونغرس الآن، فيمكن أن تضيف زخما إلى تلك الهجرة الجماعية. وقد قال أحد مسؤولي الصناعة المالية إن التشريع الجديد سيدفع بالمزيد من المغادرات حتى وإن لم يتم إقرار القانون، لأن البنوك قلقة مما قد يفعله الكونغرس بعد ذلك.

وبعض البنوك التي تلقت المعونات الحكومية ليست في حاجة إليها، بينما البعض الآخر غير قادر على سداد ما حصل عليه، غير أن الغالبية العظمى من الشركات التي حصلت على المساعدات الفيدرالية تقع في الفئة المتوسطة، وهم من سيتمكنون من إعادة المال الذي اقترضوه، لكنها ستتعرض للضعف بشكل بالغ وستحدّ من عمليات الإقراض.

وقد قامت الشركات المالية أمس باستعراض السبل الكفيلة بنزع فتيل الموقف، فقامت شركة «سكيوريتيز إنداستري آند فينانشيال ماركتس أوسيشن»، وهي مجموعة تجارية، باستشارة كحامي في القانون الدستوري لأن القانون يستهدف مجموعة محددة من الأفراد، وذو أثر رجعي في طبيعته. وقد رفضت الشركة التعليق على الخبر الليلة الماضية.

تنتاب الصناعة المالية الكثير من عوامل القلق بشأن رغبة الكونغرس في فرض قيود على البنوك التي تلقت المساعدات الفيدرالية، وقد حذر بعض العاملين في البنوك من أن التشريع الجديد، حتى وإن لم يتم إقراره، سيدمر قدرة الحكومة على الارتباط بالشركات الخاصة، التي تشمل خطتها الجديدة للشراكة مع مستثمري القطاع الخاص لشراء الأصول السامة من البنوك.

ومن المتوقع أن تأتي آثار التشريع الجديد على مدينة نيويورك، التي تضم أعلى العاملين في البنوك رواتب، بصورة متفاوتة، إذ إن اقتصاد المدينة تغذيه البنوك الرئيسة، وقد ساعدت المكافآت التي يحصل عليها العاملون في البنوك في ملء خزائن المدينة، وساعدت في تعويم سوق العقارات فيها، وأحدثت طفرة كبيرة في بيع السلع الترفيهية مثل الحلي والسيارات الرياضية عالية الأداء.

وقال غريغ مارتن، المتحدث باسم الشركة: «لقد حصلنا على المساعدات، ولقد بدأنا في اتخاذ بعض الخطوات، ونحن ندرك أننا بتلقينا المساعدات الحكومية يقع علينا مستوى من المسؤولية والمحاسبة».

وقد وقّع كبار التنفيذيين في كرايسلر الذين يبلغ عددهم 25 وثيقة تناول تقول إنهم لن يقبلوا أية مكافآت جديدة بعد الثاني من يونيو (حزيران)، وهو اليوم الذي ستتلقى فيه كرايسلر التمويل، لكن في عام 2007 عندما كانت كرايسلر جزءا من شركة دايملر الشركة الأم لمرسيدس، كانت الشركة تقدم 30 مليون دولار كمكافآت لكبار مديريها التنفيذيين.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ «الشرق الأوسط»