«جنرال إلكتريك» الأميركية تتفاوض مع «السعودية للاستثمار» في الطاقة النووية والشمسية

رئيس مجلس الإدارة إيمليت لـ «الشرق الأوسط»: رصدنا 10 مليارات دولار لتمويل مشاريع الشركة في 2009

جيفري إيمليت رئيس مجلس إدارة «جنرال إلكتريك» أثناء الحوار («الشرق الأوسط»)
TT

كشف جيفري إيمليت رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لمجموعة «جنرال إلكتريك» الأميركية أن شركته تبحث مع الحكومة السعودية إمكانية الاستثمار في الطاقة الشمسية والطاقة النووية، مشيرا إلى أن ذلك الاستثمار سيكون طويل المدى خلال العشرين سنة المقبلة.

وقال إيمليت إنه من الممكن مشاهدة استثمارات في مجال الطاقة النووية والشمسية خلال تلك المدة بالتعاون مع السعودية. ولكنها بالطبع لن تكون خلال الفترة قصيرة بل تحتاج إلى وقت وفقا لطبيعة هذه المشروعات العملاقة.

وأفصح إيمليت خلال حوار خص به «الشرق الأوسط» عند زيارته للسعودية خلال الأسبوع المنصرم أن شركته تملك 10 مليارات دولار لتمويل المشاريع في حال احتاجت الشركة إلى ضخها، مشيرا إلى تأثر الخدمات المالية -ذراع الاستثمار للشركة- وتمويل مشاريع الطاقة وسوق الوساطة، والإقراض، إضافة إلى الجانب الصناعي، إلا أنه طالب بالإيمان بضرورة الاستثمار في بعض القطاعات كالبنية التحتية والخدمات الإعلامية.

وشدد إيمليت على أن السعودية ملتزمة بتعزيز قطاعات الطاقة والمياه والسكك الحديدية والطرق والطائرات والمطارات والأعمال الإنشائية، لافتا إلى أن ذلك سيدعم من عدم تأثر المشاريع القائمة بأزمة الاقتصاد العالمية. وألمح إيمليت إلى توجه شركته نحو زيادة التعاون مع السعوديين إذ كشف أن العمل جار حاليا مع حكومة السعودية للتعاون في مجالات التدريب والتعليم، مفصحا عن نوايا إطلاق مبادرة مع أحد عملائها -غير ربحية- في السعودية لإعداد مسابقة علمية تهدف إلى تشجيع التفكير الإبداعي لدى الطلبة. إلى تفاصيل أخرى في نص الحوار التالي: > كيف تعاملت «جنرال إلكتريك» –الشركة الأميركية العالمية- مع الأزمة المالية التي تجتاح العالم؟

- يمر العالم اليوم بعملية إعادة تنظيم أوضاعه، مما أثر على قطاع الخدمات المالية بشكل كبير. وشركة «جنرال إلكتريك» هي جزء من العالم، ولدينا «جنرال إلكتريك كابيتال» (GE Capital)، الذراع المالية للمجموعة، منذ زمن بعيد، وكنا لاعبين رئيسيين على هذا الصعيد. ولكن جاءت هذه الأزمة لتعيدنا إلى مزيد من التفكير حيث نحن في إطار عملية تعديل نموذج أعمالنا وترتيب أوضاعنا من جديد. ولا نخفي أن للأزمة وقعا على الاقتصاد العالمي كافة، ولكن رغم ذلك تمكنّا من تحقيق نحو 9 مليارات دولار أرباحا من الخدمات المالية خلال العام الماضي 2008. لقد عملنا على التخلي عن بعض خطوط الإنتاج وتحسين حجم السيولة، ونخطط للبقاء والحفاظ على الخدمات المالية على المدى البعيد، لكن علينا أن نقوم بتعديل طريقة عملنا للحفاظ على الشركة.

> ولكن كيف تفاعلتم عمليا مع التطورات الجديدة التي أحدثتها الأزمة وألقت بآثارها على الاقتصاد؟

- نحن نعمل في قطاع الخدمات المالية في وقت أصبحت فيه الصناعة غير مرغوب بها، ما نستطيع أن نحافظ عليه هو حجم السيولة وإدارة المخاطر، الطريقة التي نتعامل بها مع عملائنا، والطريقة التي نتفاعل بها مع البرامج الحكومية. أتوقع أن تحقق الخدمات المالية أرباحا خلال الربع الأول من العام الحالي، ونخطط للبقاء في الخدمات المالية.

> وماذا عن القطاعات الأخرى من «جنرال إلكتريك»؟ كيف أصابها التأثير؟ وما رؤيتكم حول هذا الأمر؟ - القطاعات التي تأثرت بالخدمات المالية هي القطاعات المرتبطة بأعمال الشركة، وهذه ستبقى بالتأكيد. فنحن في «جنرال إلكتريك» نعتني بنشاط تأجير الطائرات وتمويل مشاريع الطاقة وسوق الوساطة المالية والإقراض والتأجير، حيث نعتبرها هامَّة جدًّا. أما في الجانب الصناعي من الشركة فعلى الرغم من الركود الاقتصادي فإننا لا نزال نؤمن بضرورة الاستمرار بالاستثمار في بعض القطاعات، مثل البنية التحتية والخدمات الإعلامية.

> من أبرز مساوئ الأزمة المالية العالمية الحالية خلقها لفجوة في التمويل، فكيف تواجهون مشكلة إيجاد التمويل اللازم لمشاريع الشركة؟

- لقد قمنا بمراجعة جميع مشاريعنا، بعضها يملك التمويل اللازم، على سبيل المثال مشروع توليد الطاقة في المملكة العربية السعودية مستمر حيث يحتاج الناس إلى الطاقة، وهناك عدد من المشاريع في الولايات المتحدة وألمانيا واليابان ستحصل على التمويل لكونها مشاريع لقطاع الطاقة ولعلاقتها المباشرة بالحكومة. ولعلّي أكشف لكم هنا أن لدى الشركة مبلغا ضخما قوامه 10 مليارات دولار وضعت للضرورة، فعند الحاجة إلى تمويل مشاريع فإنه يمكننا الاستفادة منها.

> هل تأثرت المشاريع المشتركة بين الحكومة السعودية و«جنرال إلكتريك» بالأزمة المالية العالمية؟

- في الحقيقة لم تتأثر على الإطلاق، حيث تمتلك حكومة المملكة العربية السعودية رؤية بعيدة المدى أثبتها بوضوح تخطي بعض المراحل الحساسة من عمر الأزمة الحالية، وما نحتاجه هو بناء البنية التحتية. ندرك أن السعودية ملتزمة بتعزيز قطاعات الطاقة والمياه والسكك الحديدية والطرق والطائرات والمطارات والأعمال الإنشائية. وبفضل هذا الالتزام فنحن نؤمن أن عملنا في المملكة لن يتأثر، وفي الحقيقة من الممكن أن تصبح وتيرته أسرع. نستمر في العمل مع المملكة في مجالات التدريب والتعليم، وأعتقد أن السعودية تعد ميناء آمنا في ظل الأزمة الحالية.

> هل من الممكن أن تفصحوا لنا عن مشاريع «جنرال إلكتريك» التوسعية المقبلة في السعودية؟

- نسعى لعقد عدد من الشراكات مع القطاع الخاص، لكن «جنرال إلكتريك» كبيرة ومشاريعها كبيرة عادة في مجال الطيران أو الطاقة أو المياه، لذا فحتى مشاريع القطاع الخاص ترتبط بالحكومة بشكل مباشر أو غير مباشر. ولكن دعني أركز على توجهنا العلمي حيث لدينا شراكة مع إحدى كبريات الجامعات في السعودية، وأعتقد أن هناك المزيد مما يمكن إنجازه في قطاع الرعاية الصحية من حيث التجارة والتعليم والتصنيع.

> لعبت «جنرال إلكتريك» دورا رئيسيا في قطاع الطاقة في السعودية، إلا أنه مع انخفاض أسعار النفط عالميا فإن صناعة النفط تواجه تحديات جديدة اليوم، ما الدور الذي من الممكن أن تلعبه «جنرال إلكتريك» في ظل هذا السيناريو؟

- نعمل مع عدد من شركات النفط في المنطقة، مثل «أرامكو» السعودية وغيرها من الشركات، والاستثمار في قطاع الطاقة يعد من الاستثمارات طويلة الأمد، يصل أمدها إلى 50 عاما. لذا دعونا نسأل أنفسنا: إلى متى ستستمر فترة الركود الاقتصادي الحالية؟ وهل ستستمر إلى الأبد؟ أم أن الاقتصاد سيستعيد عافيته مجددا بين عامَي 2011 و2012؟

وبغضّ النظر عن أسعار النفط، فإن «جنرال إلكتريك» والحكومة السعودية يستمران بالاستثمار في قطاع النفط، حيث قمنا بعقد عدد من المباحثات مع عدد من المسؤولين هنا، وتم التباحث حول إمكانية الاستثمار في الطاقة الشمسية والطاقة النووية. وهنا لا أقول إن هذا الأمر من الممكن أن يحدث في السنوات الخمس أو العشر المقبلة، بل في السنوات العشرين المقبلة من الممكن أن نشاهد استثمارات في مجال الطاقة النووية والشمسية، وبغضّ النظر عن أسعار النفط فإن الفرص عديدة لقطاعَي النفط والغاز.

> ماذا بالنسبة إلى المشاريع الكبيرة مثل مشروع «النانو» ومشاريع الطاقة الشمسية في المملكة؟ هل هناك تحرك من قبل «جنرال إلكتريك»؟

- لدينا الإمكانيات اللازمة، ولا شك أن المستقبل مشرق لهذه المشاريع. > هل من الممكن الكشف عن حجم استثمارات «جنرال إلكتريك» في السعودية أو المنطقة؟

- بدأت «جنرال إلكتريك» بالاستثمار في عام 1970، ومقارنة مع الشركات الأخرى فإن حجم استثماراتنا أكبر من مرتين إلى ثلاث مرات من أي شركة أخرى، ولعلها فرصة هنا للتأكيد على أن الشركة ستستمر في الاستثمار في التعليم والتدريب.

> فتحتم لنا مسارا للتساؤل عن المسؤولية الاجتماعية، فما الدور الذي تلعبه «جنرال إلكتريك» في المملكة حاليا؟

- لدينا إسهامات هامة في مجال التعليم، وسنقوم قريبا بإعلان مبادرة مع أحد أكبر عملائنا في السعودية وإحدى المنظمات غير الربحية، لإطلاق مسابقة علمية تهدف إلى تشجيع التفكير الإبداعي لدى الطلبة.

> تزورون العاصمة السعودية الرياض، فهل تطلعنا على جدول أعمال زيارتكم هذه؟

- أنا أقوم بزيارة المنطقة من مرتين إلى ثلاث مرات في السنة، بالطبع أهدف إلى زيارة عملائنا وشركائنا والتأكد من سير العمل بالشكل الصحيح وتحقيق النمو الذي نرغبه، كما أنه من الضروري أن يكون هناك وجود فعلي وخلق علاقات قوية مع العملاء والشركاء والمسؤولين الحكوميين في هذا الجزء الاستراتيجي الهام من العالم.

> ولكن ما المناقشات التي تمت بينكم وبين المسؤولين الحكوميين خلال زيارتكم الحالية؟

- يقع جُل اهتمام المسؤولين الحكوميين في المملكة على الحصول على بنية تحتية تنافسية، وهو ما نعمل على تحقيقه، ونستطيع أن نسهم في تطوير وتحسين نظام الرعاية الصحية في البلاد، حيث نملك العديد من المنتجات الجيدة التي تساعد على تحسين إنتاجية هذه القطاعات.

> أعود مجددا إلى شركتكم الأم، ماذا تتوقعون لنتائجكم المالية خلال الربع الأول من العام الجاري على الأقل؟

- (ضحك) الأمور جيدة. > دائما ما يتردد هنا في السعودية أن «جنرال إلكتريك» نجحت في تسويق قطاع البلاستيك لديها على «سابك»، وكأنها تعلم مصير هذا القطاع والوجهة العامة التي سيذهب إليها.

- دعني أوضح شيئا مهما، وهو أن «جنرال إلكتريك» تتبنى معايير عالية من النزاهة في عملها، كما أن الشركة السعودية للصناعات الأساسية «سابك» من الشركات الممتازة التي تدرك وتدرس خطواتها بدقة. وربما كان عامل التوقيت ودخول العالم في مرحلة ركود اقتصادي حاليا تعد الأكبر على المستوى العالمي منذ قرون، أثر على بيئة الأعمال والخدمات المالية وحتى صناعة البلاستيك. وأنا أؤمن أن «سابك» التي باتت الأولى في صناعة البلاستيك في العالم حاليا جيدة، ولكن عليها أن تتبنى رؤية طويلة الأمد للحفاظ على أعمالها.

> كيف تسهم «جنرال إلكتريك» في تعزيز وتنمية القوى العاملة الوطنية في السعودية؟

- إن قطاع البنوك من القطاعات الهامة في أي دولة. وعلى الحكومات أن تتخذ إجراءات قوية لإعادة الثقة بهذا القطاع.

> أسألك كخبير اقتصادي واستثماري دولي، ما توقعاتك للأزمة المالية في المستقبل القريب؟

- الأكيد أن الحكومات حول العالم تعمل في الوقت الراهن على إيجاد الحلول وخلق المحفزات للخروج من هذه الأزمة. ونأمل أنه مع نهاية العام الحالي 2009 تستطيع الأسواق استعادة استقرارها، وأن تبدأ مع بداية العام المقبل 2010 تحقيق النمو مجددا. هذا ما أراه، لكن من واجبي العمل على جعل «جنرال إلكتريك» جاهزة لأي مستجدات تطرأ.

> ماذا بالنسبة إلى صناعة البتروكيماويات والسيارات على المستوى العالمي بشكل خاص؟

- شهد عام 2009 تحقيق أسوأ معدلات في الناتج المحلي الإجمالي منذ الأربعينيات، لكن في النهاية لا يزال هناك طلب على هذه السلع، ومن المتوقع أن تشهد اقتصاديات العالم تحولا نحو الأفضل في الأعوام 2011 ـ 2012.