الإدارة الأميركية تقترح نظاما لمراقبة مخاطر صناديق التحوط والمشتقات المالية

هيئة خاصة جديدة واحتياطيات مالية أكبر واستخدام إجباري لغرف المقاصة

يخطط وزير الخزانة الأميركي تيموثي غايتنر لاقتراح لتوسيع نطاق سيطرة السلطة الفيدرالية على النظام المالي (أ. ف. ب)
TT

يخطط وزير الخزانة الأميركي تيموثي غايتنر لاقتراح لتوسيع نطاق سيطرة السلطة الفيدرالية على النظام المالي، لينهي عهداً كانت الحكومة تقف فيه بعيداً عن الأسواق المالية وتسمح للمشاركين باتخاذ القرارات بشأن قدر المخاطر التي يخوضونها سعياً وراء الربح.

وتمد خطة إدارة أوباما، كما تصفها عدة مصادر، من نطاق التنظيم الفيدرالي لأول مرة ليشمل جميع التداولات في المشتقات المالية وجميع الشركات من بينها صناديق التحوط الكبرى وكبريات شركات التأمين. وستسعى الإدارة أيضاً إلى فرض معايير ثابتة على جميع المؤسسات المالية الكبرى، ومن بينها المصارف، في خطوة غير مسبوقة ستضع قيوداً كبيرة على نطاق أنشطتها ومدى خطورتها.

وستتطلب معظم هذه المبادرات إصدار تشريع.

ومن المتوقع أن يقدم اقتراحات بتنظيم أكبر المؤسسات المالية. وفي الأشهر المقبلة، تخطط الإدارة لوضع تفاصيل استراتيجيتها في ثلاثة مجالات أخرى: حماية المستهلكين والتخلص من مساوئ اللوائح التنظيمية القائمة وتعزيز التنسيق الدولي. ولن تدعو شهادة وزير الخزانة إلى إلغاء أي هيئات فيدرالية قائمة أو إلى دمجها، وفقاً لما ذكرته المصادر، التي اشترطت عدم ذكر اسمها. وتركز الخطة على وضع المعايير أولا، مؤجلة أية إعادة تشكيل للهيكل الإداري الحكومي.

وتعد لوائح التنظيم المالي في البلاد تراكماً لردود الأفعال حيال الأزمات المالية. فقد كان تنظيم المصرف الفيدرالي نتيجة للحرب الأهلية. وأسس الاحتياطي الفيدرالي في بداية القرن العشرين من أجل التخفيف من حدة سلسلة طويلة من الأزمات النقدية. ونتج عن الكساد الكبير تأمين على الودائع وسوق رهن عقاري تحت رعاية فيدرالية. وفي وسط الاضطرابات الاقتصادية الحديثة، تقدم إدارة أوباما أكبر توسعة تنظيمية منذ ذلك الحين.

وصرح مسؤول في الإدارة بأن الهدف هو وضع قواعد جديدة لاستعادة الثقة في النظام المالي. وتعد الخطة في جوهرها نقداً للرأسمالية وإعادة تأكيد على أن التنظيم مهم حتى تؤدي الأسواق المالية وظيفتها بصورة سليمة وتتدفق الأموال باستمرار إلى المقترضين.

وتخطط الحكومة أيضاً إلى إجبار الشركات على دفع رواتب الموظفين وفقاً لأدائهم على المدى الطويل، وتقليص المكافآت الكبيرة على الإنجازات قصيرة المدى. وقد سادت حالة من الغضب بسبب ممارسات منح المكافآت في وول ستريت في الأسبوع الماضي، عندما كشفت إدارة أوباما أن شركة أميركان إنترناشونال غروب دفعت 165 مليون دولار مكافآت لموظفي أكثر أقسامها تعثراً، على الرغم من خسارة الكثير من الأموال لدرجة أن الحكومة تدخلت لإنقاذها بما يزيد على 170 مليار دولار في صورة مساعدات طارئة. ويعهد الاقتراح الذي يحمل توقيع الحكومة إلى هيئة فيدرالية سلطة مراقبة المخاطر في النظام المالي بأسره. وستنظم الهيئة أكبر الشركات المالية، ومن بينها صناديق التحوط وشركات التأمين التي لا تخضع حالياً للتنظيم الفيدرالي. وستراقب أيضاً الأسواق المالية تحسباً لظهور مخاطر طارئة.

ويعتزم غايتنر الدعوة إلى وضع تشريع يُعرّف الشركات المالية الكبيرة والمهمة التي من المهم أن تخضع لهذا التنظيم الموسع. ويشترط أن تملك هذه الشركات المزيد من رأس المال في احتياطيها ضد الخسائر ويكون أكبر من الشركات الصغيرة، للتأكيد على أن لديها مالا كافياً لدعم عملياتها، وأن تحافظ على إجراء تقييمات محدّثة باستمرار لمدى تعرضها للمخاطر المالية.

ولن تحل الهيئة المكلفة محل أي من جهات التنظيم القائمة، ولكنها ستمنح السلطة لإجبار الشركات على الالتزام بتوجيهاتها. ولن تحدد شهادة غايتنر هوية الهيئة التي يجب أن تحصل على هذه السلطات، ولكن صرحت مصادر مطلعة بأن مصرف الاحتياطي الفيدرالي، الذي يعتبر أوضح خيار بالنسبة للكثيرين، هو المرشح المفضل لدى الإدارة. وقد صرح غايتنر ومسؤولون آخرون في الأسابيع الماضية بأن مثل هذه السلطات كانت لتحد من مبالغات أميركان إنترناشونال غروب والشركات المالية الكبرى الأخرى.

وكان غايتنر قد ذكر يوم الأربعاء في خطاب له أمام مجلس العلاقات الخارجية في نيويورك: «سيرفع إطار العمل من المتطلبات الحذرة، بمجرد أن نتجاوز الأزمة، التي يجب أن تفي بها أكبر وأكثر الشركات المالية ترابطاً من أجل ضمان أنها لا تشكل خطراً على النظام». وتسعى الحكومة أيضاً، مع تعاملها بحذر مع هذا الإشراف الموسع، إلى الحصول على سلطة مصادرة هذه الشركات الكبرى إذا كانت تترنح في طريقها إلى الانهيار. وفي ظل القانون الحالي، يمكن أن تصادر الحكومة المصارف فقط. وقد أوردت الإدارة يوم الأربعاء تفاصيل عمليتها المقترحة، التي يوصي بموجبها مجلس الاحتياطي الفيدرالي، بالإضافة إلى أية جهة أخرى تشرف على الشركة المتعثرة، بالحاجة إلى الاستحواذ على الشركة. ثم يجيز وزير الخزانة، بالتشاور مع الرئيس، اتخاذ هذه الخطوة. وتوضع الشركة تحت سيطرة هيئة التأمين على الودائع. ويصبح لدى الحكومة أيضاً السلطة في اتخاذ خطوات فورية من أجل تحقيق الاستقرار في شركة ما، مثل الحصول على حصة ملكية أو تقديم قروض.

وصرح غايتنر يوم الأربعاء: «من الممكن أن تأتي المخاطر المزعزعة للاستقرار من المؤسسات المالية بالإضافة إلى المصارف، ولكن يقدم نظامنا التنظيمي الحالي وسائل محدودة للتعامل مع هذه المخاطر. وتعطي خطتنا للحكومة الوسائل التي تمكنها من الحد من المخاطر في الشركات التي قد تسبب أضراراً متتالية». وشبهة الإدارة العملية المقترحة بالنظام الحالي الذي يمكّن جهات التنظيم المصرفية من الاستحواذ على المصارف المتعثرة ووضعها تحت سيطرة هيئة التأمين على الودائع الفيدرالية.

أحد الاختلافات المهمة هو أن قرار مصادرة أحد المصارف تصدره الهيئات التي تتمتع باستقلال كبير وتبتعد عمداً عن العملية السياسية. وقد أثار بعض المشرعين المخاوف من منح مثل تلك السلطات لوزير الخزانة، العضو في مجلس وزراء الرئيس. وتتكبد تكاليف إفلاس المصارف الصناعة، التي تسدد ضريبتها لهيئة التأمين على الودائع الفيدرالية. وقد ذكرت وزارة الخزانة أنها لم تحدد كم ستدفع مقابل عمليات الاستحواذ بموجب النظام المقترح. وتتضمن الاحتمالات مطالبة دافعي الضرائب أو جمع أموال من جميع المؤسسات التي تعتبر الحكومة أنها مرشحة ممكنة لعمليات المصادرة. وقد أصدرت رئيسة مجلس إدارة هيئة التأمين على الودائع الفيدرالية شيلا باير بياناً تعرب فيه عن تأييدها لتوسعة نطاق مسؤوليات شركتها.

وذكرت شيلا: «إنه بسبب خبرة هيئة التأمين على الودائع الفيدرالية الكبيرة مع حل أزمات المؤسسات المفلسة والطبيعة الدورية لأعمال الحل، من المعقول على العديد من المستويات أن تتولى الهيئة هذه المهمة بالعمل في تعاون وثيق مع وزارة الخزانة ومجلس محافظي الاحتياطي الفيدرالي».

وتريد الإدارة أيضاً توسعة نطاق إشرافها على مجموعة كبيرة من الشركات الاستثمارية غير الخاضعة للتنظيم، من بينها صناديق التحوط وصناديق الأسهم الخاصة وصناديق رأس مال المشروعات، بأن تطلب من الشركات الكبرى التسجيل في لجنة الأوراق المالية والصرف. وسيكون أيضاً على الشركات أن تقدم معلومات مالية للمساعدة على تحديد ما إذا كانت كبيرة بما يكفي لتخضع لتنظيم إضافي.

وكانت صناديق التحوط مقامة من أجل تقديم استراتيجيات عالية الخطورة للمستثمرين الأثرياء، ولكن تطور دورها سريعاً من كونها على حافة النظام لتحتل مكانة بالقرب من المركز. وقد سعى بعض المسؤولين الحكوميين إلى زيادة تنظيم الصناعة منذ أن هدد انهيار صندوق إدارة رأس المال طويل الأجل عام 1998 استقرار النظام المالي. وينوي غايتنر أيضاً أن يدعو لجنة الأوراق المالية والصرف إلى فرض معايير أشد على صناديق الاستثمار في الأسواق المالية، والحسابات الاستثمارية التي تجذب المستثمرين بتقليد مميزات حسابات الشيكات مع تقديم نسبة فائدة أعلى. ولكنه لن يقدم اقتراحات مفصلة. ويشمل تصميم الإدارة على تنظيم جميع الأسواق المالية أيضاً خطة لتنظيم تبادل المشتقات المالية والأدوات المالية المعقدة التي تستمد قيمتها من أداء أصول أخرى. وقد أصبحت المشتقات أداة أساسية في أسواق المال، ولكن لا يخضع تداولها في صورها المختلفة للتنظيم. وقد لعبت عمليات تبادل العجز عن سداد القروض، التي تشكل مجموعة كبيرة من المشتقات غير المنظمة، دوراً كبيراً في تعثر أميركان إنترناشونال غروب.

ويخطط غايتنر لدعوة الصناعة ككل إلى الخضوع لتنظيم صارم، يشمل إشرافاً على المتعاملين في المشتقات والاستخدام الإجباري لغرف المقاصة في إجراء المعاملات وتوحيد قواعد المعاملات التجارية لضمان تنظيم السوق.

ويتجه مصرف الاحتياطي الفيدرالي إلى تحسين أعمال النظام المالي، ومن بينها المعاملات التجارية المتعلقة بالمشتقات. وتريد الإدارة أن توسع من هذه الجهود وأن تضفي عليها صبغة رسمية. ويرى مسؤولون رفيعو المستوى في الحكومة أن هذه الترتيبات عالية التقنية مهمة من أجل استعادة قوة النظام المالي.

* خدمة «واشنطن بوست» (خاص بـ «الشرق الأوسط»)