الرياض لا تقع على نهر

سـعود الأحمد

TT

ما دمنا نتحدث عن نشر الوعي في مجال ترشيد استخدام المياه، فإن علينا أن نراعي أننا بحاجة إلى تشخيص دقيق لأسباب هذا الاستهلاك المفرط للمياه. وأين تذهب هذه الملايين من الأمتار المكعبة من المياه المحلاة يوميا، التي تكلفنا مليارات الريالات وعلى مر السنين (بل وفي تزايد). وبعض المسؤولين يفتخر في المحافل الدولية أننا أكبر دولة منتجة للمياه المحلاة!. وكأن الإسراف في سوء استخدام الموارد الاقتصادية، أمر يبعث على الفخر!.

وفي تقديري أن من أهم ما تغفل عنه برامج ترشيد استهلاك المياه، أن شريحة كبيرة من سكان الرياض هم من العمالة والأسر، الذين قدموا من دول تكثر فيها الفيضانات، وبعضها تقع على أنهار وقريبة من البحار والينابيع، ومناطق غنية بالمياه الجوفية. هؤلاء نحتاج أن نوصل لهم الرسالة بلغة مناسبة وبطريقة مناسبة، وعبر الوسيلة المناسبة. وحتى يدركوا الفرق بين المياه المحلاة والمياه التي تجري على الطبيعة.

فالبرامج التي تتبعها المؤسسة العامة للمياه (وقبلها مصلحة المياه)، سواء المطويات التي توزع مع الصحف المحلية، أو العبارات التي تكتب على سيارات المؤسسة العامة للمياه، أو البرامج والرسائل التي تبث من خلال القنوات الرسمية للتلفزيون السعودي، كلها (للأسف) تتحدث باللغة العربية. في وقت كلنا يعلم أن معظم العمالة من غير الناطقين باللغة العربية، ولذلك فأغلبهم لا يقرأ الصحف السعودية، ولا يدري عنها شيئا، ولا يشاهد قنوات التلفزيون العربية (بما فيها السعودية). بينما لو كانت مثل هذه الرسالة بلغة الأوردو لكان أثرها أكثر فعالية. وهذه بالمناسبة، ليست الرسالة الإعلامية الوحيدة التي نشرع في إيصالها عبر وسائل إعلامنا، ولا تصل!. لذلك فإنني أقترح أن تبدأ صحفنا في تخصيص صفحات بلغة الأوردو، تخصص لأخبار البلدان التي تتحدث هذه اللغة. ويمكن أن تكون هذه الصفحات إخبارية (فقط) تنشر مرتين إلى ثلاث أسبوعيا، أو تكون يومية تتناوب عليها الصحف المحلية. ولا بأس أن تتحمل الدولة جزءا من تكلفتها في البداية، حتى تحقق الجدوى الاقتصادية منها.

والأمر الأهم حول موضوع ترشيد المياه، اقترح أن يتوقف نظام الدفع الجماعي في استهلاك المياه للشقق السكنية بالعمائر المستأجرة، والفلل بالمجمعات السكنية، ويستعاض عن ذلك بعدادات استهلاك المياه لكل شقة أو وحدة سكنية (مهما صغرت)، بحيث تركب هذه العدادات على الأنابيب الموصلة من الخزان العلوي لكل وحدة سكنية. ولكي يصبح كل مستفيد من خدمات المياه عميلا مشتركا بالمؤسسة العامة للمياه، أسوة بالمشتركين بخدمات الكهرباء. فالذي يحصل اليوم أن صاحب العمارة يتقاضى من كل ساكن مبلغ مائة أو مائتي ريال سنويا. على أن يسدد نيابة عنهم فاتورة استهلاكهم للمياه جميعا. وإذا بلغت فاتورة استهلاك عمارته أو المجمع الذي يملكه آلاف أو عشرات آلاف الريالات، أخذ يشتكي ويعترض على مبلغ الفاتورة بحجة أن هناك تسرب أو أن الساكن هو الذي أفرط في الاستهلاك. في حين أن شخص المشكلة يتمثل في أن غالبية هذه الفئة من المستهلكين يسرفون في الاستهلاك، إما بقناعة أن المالك مهما دفع فلن يتعدى ما يدفعونه له، أو معتقدين أن الماء متوفر كما هو الحال في بلدانهم، أو ربما بمشاعر أخرى سلبية بأن البلد غنية ولن يضرها ما تدفع مهما بلغ.

وفي الختام، فقد جعلت هذا المقال على جزأين، وأنوي أن ينشر الجزء الثاني في فصل الصيف. لأنني على قناعة بأن مدينة الرياض على موعد مع معاناة شح المياه في فصل الصيف، وبالأخص في شهر رمضان المبارك. وأنه لم تتخذ التدابير لتلافي حدوث هذا الشح الذي يرقى لمستوى الأزمة. كاتب ومحلل مالي [email protected]