واشنطن تخطط لإفلاس خاضع للسيطرة لشركة جنرال موتورز

ضغوط للإبقاء على المصانع والحفاظ على مستويات التوظيف في المجتمعات المحلية

تمهيد حكومي لشركة جنرال موتورز لإعلان إفلاسها (أ.ف.ب)
TT

أشارت مصادر مطلعة إلى أن الحكومة ربما تسعى لتمهيد الطريق أمام شركة جنرال موتورز نحو ما وصفته بإشهار الإفلاس «الخاضع للسيطرة»، الذي يشكل مرحلة وسطى بين الإفلاس المعدلة سلفا والفوضى المترتبة على اللجوء إلى المحاكم، وذلك عبر إقناع بعض الدائنين، على الأقل، بالاتفاق على خطة يجري تقسيم الشركة بمقتضاها إلى جزأين. وبدلا من التعامل مع كل دائن مثلما الحال مع إجراءات إشهار الإفلاس التقليدية، يعمد مسؤولو الإدارة إلى استغلال الوعود بتوفير تمويل من أموال دافعي الضرائب كأداة تمنحهم النفوذ في تناول القضية. وينظر الكثيرون إلى الحكومة باعتبارها جهة الإقراض الوحيدة القادرة على التدخل بتقديم أموال في الإفلاس أو للخروج منه. في هذا الصدد، قالت لين إم. لوبوكي، أستاذة القانون بجامعة كاليفورنيا بلوس أنجليس: «إنهم سيحظون بسلة هائلة، فبإمكانهم إصدار أمر بوقف الأموال، ما يصيب الأمر برمته بالفشل». من جانبه، قال فريتز هندرسون، الرئيس الجديد لجنرال موتورز، إن الضغوط التي تمارسها الحكومة دفعت صانعي السيارات بدرجة أكبر نحو إشهار الإفلاس. وأضاف خلال مؤتمر صحافي عقده في ديترويت يوم الثلاثاء أنه: «بحلول ما لا يتجاوز الأول من يونيو (حزيران)، إذا لم نتمكن من إنجاز هذا الأمر خارج إطار الإفلاس، فسوف نسقط فيه. إن الأمر واضح تماما. لقد كانت الحكومة صريحة على نحو لا لبس فيه».

وتعد هذه الجهود بمثابة دور جديد للحكومة، التي لم تعمل فيما مضى على دفع الشركات نحو إشهار إفلاسها، وإنما حرصت على التدخل عندما كانت كافة المحاولات تمنى بالفشل. في هذا الصدد، أعرب جويل بي. زويبيل، الرئيس المتقاعد لشؤون إعادة الهيكلة داخل شركة أوميلفيني آند ميرز للمحاماة، عن اعتقاده بأنه: «مثلما يقول المحامون، فإن تلك تعد حالة فريدة من نوعها، على الأقل فيما يتعلق بخبرتي». يذكر أن زويبيل عمل في قضايا إشهار إفلاس كبرى، مثل تلك الخاصة بإيسترن إيرلاينز وإل تي في ستيل. ويبدو أن الإدارة تعتمد في تحركاتها بصورة جزئية على الإرشادات التقليدية المرتبطة بالتعامل مع المصارف المتعثرة، بهدف خلق جنرال مورتورز جديدة أكثر قوة، وفي الوقت ذاته نبذ التزاماتها وأصولها الأدنى قيمة، ربما من أجل تنفيذ تصفية. وفي الغالب، تجري الإشارة إلى هذا النموذج باسم «المصرف الجيد ـ المصرف السيئ». ومن الممكن أن يثير هذا التوجه غضب دائني المصرف السيئ. وطبقا لخطة تعكف الإدارة على صياغتها، فمن المقرر أن تتقدم جنرال موتورز بطلب لإشهار الإفلاس المعد له مسبقا، تبعا لما أشارت إليه المصادر سالفة الذكر. بعد ذلك، سوف تلجأ إلى استغلال صفقة بيع مصرح بها في ظل القسم 363 من قانون الإفلاس من أجل بيع الأصول المرغوبة سريعا إلى شركة جديدة تمولها الحكومة. وربما تتضمن هذه الأصول الجيدة طرازي كاديلاك وشيفروليه، إلى جانب الأصول التي تحتاجها الشركة لإدارة نشاطاتها التجارية. أما الأصول الأدنى قيمة فتتضمن طرزا مثل هامر والمصانع المتسمة بتدني مستوى أدائها. ومن المقرر ترك هذه الأصول بحوزة الشركة القديمة. وسيتم منح أرباح المبيعات، بما في ذلك أسهم في الشركة الجديدة، إلى جنرال موتورز القديمة لمساعدتها على تسوية مديونياتها. جدير بالذكر أن جنرال موتورز قد انضمت إلى قائمة طويلة من الشركات العاملة بصناعات خطوط الطيران والسكك الحديدية وصناعة الصلب التي جابهت إمكانية إعادة هيكلتها من أجل إشهار إفلاسها. في العادة، تسعى الشركات المتعثرة لحشد تأييد الدائنين والموظفين والجهات المعنية لخطة إعادة تنظيم قبل التقدم بطلب لإشهار الإفلاس. ويمكن أن يخلق الفشل في تحقيق هذا الاتفاق عملية طويلة وفوضوية داخل المحاكم مع دخول الشركة في صراع مع الدائنين في وقت تتردى نشاطاتها التجارية والمالية بسرعة. والملاحظ أن بعض عناصر الخطط الحكومية المتعلقة بجنرال موتورز تشبه في بعض جوانبها ما شهده انهيار مؤسسة ليمان براذرز الخريف الماضي. وبعد يوم من التقدم بطلب للحصول على الحماية تحت مظلة الفصل الحادي عشر، وافقت شركة الأوراق المالية على بيع الحصة الأكبر من نشاطاتها التجارية بأميركا الشمالية إلى المصرف البريطاني، باركليز كابيتال. وأنجزت صفقة البيع في غضون ما يزيد قليلا على ثلاثة أيام. من ناحيتها، تأمل الإدارة في الفوز بتأييد بعض دائني جنرال موتورز، خاصة اتحاد العاملين بصناعة السيارات، الذي تم إجباره على تقليص إعانات الرعاية الصحية الخاصة به، وربما تظل التزامات المعاش المرتبطة به تحت مسؤولية الشركة القديمة. إلا أن قوانين إشهار الإفلاس تسمح للقاضي بالموافقة على صفقة البيع حتى حال وجود اعتراضات من قبل الدائن في حالات الطوارئ، تبعا للفصل 363، حسبما أوضح الخبراء القانونيون. وهذا هو النهج الذي تم اتباعه في بيع ليمان براذرز. وبينما لن تمثل جنرال مورتورز أكبر شركة تتقدم بطلب الحماية الخاصة بإشهار الإفلاس، فإنها جزء من شبكة دولية معقدة من جهات التوريد والشركات الفرعية. ومن المعتقد أن أحد الأهداف لأي خطة لإعادة التنظيم سيتركز في تقليص الضرر الذي سيلحق بالشركات التجارية الأخرى إلى أدنى مستوى ممكن. من ناحيته، قال ستيفن إف. كوبر، مؤسس ورئيس سابق لشركة زولفو كوبر: «ستعد تلك واحدة من أكثر ـ إن لم يكن بالفعل أكثر ـ حالات الإفلاس تعقيدا في التاريخ». وأضاف كوبر، الذي تولى إدارة شركة إنرون خلال إفلاسها، أن الاعتبارات السياسية ستؤثر على أي خطة يتم وضعها.

واستطرد موضحا أنه ستجري ممارسة ضغوط من أجل الإبقاء على المصانع مفتوحة والحفاظ على مستويات توظيف مرتفعة داخل المجتمعات المحلية، خاصة أن: «جنرال موتورز وفورد وكرايسلر تعد من الجهات التي تسهم بقدر بالغ في تدفق العائدات الضريبية المحلية». ويمكن القول بأن التاريخ لم يشهد مسبقا تقريبا أية سوابق لتقدم شركة بحجم جنرال مورتوز لإشهار إفلاسها. من ناحيتها، استغلت شركات مثل كونتننتال إيرلاينز وديلفي كوربوريشن، المصنعة لقطع غيار السيارات، قاعات المحاكم لإحداث تحول بنشاطاتها التجارية وتقليص تكاليفها. لكن لم يكن أي منها بحجم ومستوى تعقيد صلات جنرال موتورز. من ناحيته، أشار غاري إن. تشيسون، بروفسور العلاقات الصناعية بجامعة كلارك في ورسستر، إلى أن ديلفي استغلت تهديدا وجهه إليها أحد القضاة في إلغاء عقود النقابات وإكراه عمالها على تقديم تنازلات. واستطرد تشيسون بأن: «هذا تهديد قوي للغاية، بسحب الموافقة الجماعية على الإفلاس». علاوة على ذلك، استغلت كثير من شركات خطوط الطيران إجراءات الإفلاس لإجبار النقابات العمالية التي تتعامل معها على تعديل الاتفاقات المبرمة. وقد اتخذت كونتننتال إيرلاينز هذه الخطوة لتحقيق مصالحها، حسبما قال لوبوكي. إلا أن الكثير من الأعمال التي قامت بها كونتننتال قبل إدخال تغييرات على قوانين الإفلاس جعلت من الصعب إلغاء عقود العمال. إلا أن هناك اختلافات جوهرية بين شركات خطوط الطيران وجنرال موتورز، فبينما لم تكن هناك شكوك حول الطلب على السفر جوا داخل الولايات المتحدة، أثار منتقدو صانعي السيارات الأميركيين الشكوك حول ما إذا كان هناك طلب على منتجات هذه الشركات، وما إذا كان تقليص التكاليف سيثمر شركات تجارية قادرة على البقاء. من ناحية أخرى، تنطوي خطة الحكومة لإملاء الشروط باعتبارها جهة تمويل إفلاس جنرال موتورز، على مخاطر. في هذا السياق، قال ديفيد إيه. سكيل، بروفسير القانون بجامعة بنسلفانيا إن الخطة: «تقحم اعتبارات سياسية في العملية». وربما تجابه الإدارة مفاجآت في جهودها، حسبما حذر سكيل. وأضاف: «يتركز الأمل في أنه إذا كنا سنطلق عليه (إفلاس تحت السيطرة)، فإنه سيصبح كذلك بالفعل».

* خدمة «نيويورك تايمز»