المؤتمر الـ10 للبترول في باريس: إجماع على التحذير من مخاطر انخفاض الأسعار على مستقبل استقرار السوق النفطية

وسط نقاش حول السعر العادل والمقبول للبرميل

TT

ما هو السعر العادل والمقبول للنفط؟ وما هي النتائج المترتبة على انخفاضه الحاد؟ وما هي العوامل التي يمكن تفعيلها للوصول إلى مزيد من الشفافية بخصوص السوق النفطية وتحاشي الصعود الحاد والهبوط الحاد للأسعار؟ هذه بعض الأسئلة المحورية التي طرحت أمس في باريس بمناسبة انعقاد المؤتمر العاشر للنفط الذي دعت إليه المؤسسة الفرنسية للبترول ومجلة «بترو ـ استراتيجي» بحضور وزيري النفط في قطر والإمارات العربية المتحدة والأمين العام لمنظمة الأوبيك والمدير التنفيذي للوكالة الدولية للطاقة، ومسؤولين وممثلين لشركات نفطية كبرى مثل «توتال» التي حضر رئيسها كريستوف دو مارجوري، ولكن مع غياب ملحوظ للشركات الأميركية أو الروسية. غير أن هذا الغياب لم ينزع عن المؤتمر أهميته، خصوصا أنه انعقد في الوقت عينه الذي التأمت فيه قمة العشرين في لندن بالنظر إلى العلاقة الوثيقة التي شدد عليها المتدخلون بين النمو الاقتصادي والطلب على النفط، وبالتالي تأثير كل ذلك على الأسعار.

الرسالة الأولى التي ركز عليها عبد الله البدري، أمين عام الأوبيك، وعبد الله العطية ومحمد بن دهان الحملي (الإمارات) تقوم على ما يلي: الأسعار المنخفضة قد تكون مفيدة على المدى القصير للدول المستهلكة، غير أنها تؤسس لأزمات نفطية مستقبلية باعتبار أن الأسعار الحالية لا تشجع الدول المنتجة على الاستثمار لزيادة طاقاتها الإنتاجية، وبالتالي فإنها ستكون عاجزة، في المستقبل عندما يعود الطلب إلى الارتفاع، عن تلبية حاجات السوق.

وقارن أمين عام الأوبيك بين تراجع أسعار النفط (من 147 دولارا للبرميل في يوليو (تموز) الماضي، إلى نحو خمسين دولارا في الوقت الحاضر) وبين تراجع كلفة الأبحاث والتنقيب والإنتاج التي لم تهبط إلا بنسبة هبطت 5 بالمائة، ليخلص إلى أنها ما زالت مرتفعة، وبالتالي فإن الأسعار الراهنة «لا تمكن دول الأوبيك والدول المنتجة من رصد الأموال الضرورية للاستثمار».

وأفاض الوزير القطري في هذا الاتجاه مشيرا إلى أنه في زمن «ندرة القروض بسبب الأزمة المالية وتراجع الأسعار، فإن الدول المنتجة والشركات النفطية أجلت مشاريعها الاستثمارية». وفي هذا السياق تساءل كريستوف دو مارجوري عما إذا كانت شركة «توتال» التي حققت العام الماضي أرباحا وصلت إلى 14 مليار يورو، والتي قررت استثمار 19 مليار دولار هذا العام، «ستلتزم بهذا المستوى مع نهاية العام؟». واستطرد دو مارجوري قائلا: «شعوري أنه لأسباب عديدة سيحصل تأخير» في تنفيذ المشاريع الاستثمارية.

وبحسب رئيس شركة «توتال» فإن أسعارا تتراوح ما بين 40 و50 دولارا للبرميل «لا تبرر استثمار مبالغ هائلة» لزيادة القدرات الإنتاجية لـ«توتال». وفي الإطار عينه أكد الوزير الإماراتي أن الأسعار المتدنية جدا «لا تناسب لا المنتج ولا المستهلك». ويضيف الوزير الإماراتي أن من نتائجها السلبية أيضا التخلي عن المساعي لإيجاد مصادر طاقة بديلة، مما سيضر بمصلحة الدول الصناعية المستهلكة التي تبحث عن خفض اعتمادها على النفط والغاز.

ولكن ما هو السعر العادل والممكن؟ يعتبر الوزير العطية أن خمسين دولار للبرميل هو اليوم «السعر الواقعي»، ولكنه يسارع فيضيف أنه «ليس السعر الذي أريده وأحلم به». ويعزو العطية هذا الرقم إلى «براغماتيته» المتأتية من قراءة أوضاع السوق وأثر الأزمة الاقتصادية على الطلب من الدول الصناعية، متوقعا أن تبقى الأسعار منخفضة حتى نهاية عام 2009. وما يقوله العطية يتقبله سكرتير عام الأوبيك الذي أعلن أن دول المنظمة «يمكن أن تتعايش مع أسعار تتأرجح ما بين 40 و50 دولارا».

أما كلود مانديل، المدير التنفيذي السابق لوكالة الطاقة، فاعتبر أن السعر المقبول يقع ما بين 50 و80 دولارا للبرميل. ولاحظ مانديل أنه «للمرة الأولى» هناك نوع من الإجماع بين كل المعنيين بالنفط حول ضرورة ألا تبقى الأسعار منخفضة. لكن الوزير الإماراتي نبه من استغلال الدول الصناعية للأسعار المنخفضة لفرض رسوم جدية على المشتقات النفطية.

أما النقطة الأخرى التي أجمع حولها المشاركون فتتمثل في حاجة السوق إلى الشفافية حول الإنتاج والمخزون والحاجات، بحثا عن الحد من المضاربة التي تلعب على الغموض وغياب المعلومات المؤكدة. ويعتبر العطية أن الخروج من الأزمة الاقتصادية لن يتحقق قبل نهاية عام 2011.