مهنة المحاسبة ليست مجرد معايير

سعود الاحمد

TT

خلال عقود مضت، كنا في بيئة المال والأعمال السعودية نتابع مراحل تطور مهنة المحاسبة والمراجعة. ونعتقد أن مهنة المحاسبة والمراجعة تحتاج فقط إلى معايير... حتى نعتبرها صمام أمان للاقتصاد الوطني. ولا زلت أتذكر أول مطالبة للمعايير المحاسبية، وقتها كنّا على أبواب التخرج، بالندوة الأولى لسبل تطوير مهنة المحاسبة قبل نحو الثلاثين عاما، التي نظمها قسم المحاسبة بكلية العلوم الإدارية بجامعة الملك سعود بالرياض. وللأمانة والتاريخ لا أنسى مجهودات مكتب عبد العزيز الراشد ممثلا في شخصه الفاضل... وكيف تفاعل الطلبة بالحضور والمشاركة في معظم فعاليات الندوة، استجابة لتوجيه أساتذة القسم. إلا أننا اكتشفنا (فيما بعد) أن الاعتماد على المعايير خطأ شائع حتى على مستوى العالم، ودفعت ثمنه معظم الدول المتقدمة غاليا. وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية. حيث عانت من آثار العديد من الأزمات الاقتصادية، على الرغم من وجود معايير مهنية مصدرة، وهناك تحديث وتعديلات مستمرة للمعايير القديمة وإصدارات لمعايير جديدة... ومع ذلك حصلت أزمة الرهن العقاري، وقبلها حصلت عمليات إفلاس لبنك الاعتماد وشركة الوورلد كوم... فما هو السبب في حدوث ذلك؟ وأين الخلل؟ هل هو في المهنة أم في المعايير؟! ولذلك أقول... إنه وحتى تبقى مهنة المحاسبة صمام أمان للاقتصاد، فإن من الواجب تغيير مفهوم معايير المحاسبة إلى مقومات مهنة المحاسبة. لأن لمهنة المحاسبة مقومات أساسية من بينها معايير المحاسبة ومعايير المراجعة. وهذا المفهوم الفلسفي سبق وأن شرعت (بالفعل) في تبنيه وتطبيقه بعض المؤسسات المهنية. وأخص منها «هيئة المحاسبة والمراجعة لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية». التي منذ بداية عملها وعند بناء خطتها الإستراتيجية، ركزت على تحديد وبناء المقومات الأساسية للمهنة.

وأذكر أنني حضرت محاضرة لرئيس مجلس إدارة هيئة المحاسبة والمراجعة لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، الأستاذ عبد العزيز بن راشد الراشد ألقاها في جامعة قطر بمدينة الدوحة (في سبتمبر 2004)، قام الأستاذ الراشد بتغيير فهمنا عن دور المعايير في تنظيم مهنة المحاسبة، وعرض مقومات المهنة على أنها: الأهداف والمفاهيم (الإطار الفكري للمحاسبة)، معايير المحاسبة المالية، معايير المراجعة، قواعد سلوك وآداب المهنة، معايير الرقابة المهنية لمكاتب المحاسبة، القواعد العامة للتعليم المهني المستمر، القواعد العامة لاختبارات زمالة الهيئة. وأرجو أن يعذرني الأستاذ الراشد أن أستعير الطريقة التي استعرض بها هذه المقومات. حيث عرضها في شكل تروس يحرك كل منها الآخر.

والذي ينبغي التأكيد عليه... أنه وبدون تحديد واضح لأهداف المهنة لا يمكن إعداد المعايير، وبدون تحديد مفاهيم المهنة لا يمكن صياغة نصوص المعايير. وأنه وحتى لو وجدت الأهداف والمفاهيم وأعدت المعايير، فإنه وبدون قواعد سلوك وآداب للمهنة يتأكد من تطبيقها من خلال معايير للرقابة النوعية على المكاتب المحاسبية للتأكد من سلامة التطبيق. ومع وجود شروط فنية لمن يريد مزاولة المهنة تفحص من خلال اختبار للزمالة المهنية، وحتى بالنسبة للممارسين فإن التعليم المستمر أمر ضروري للمحافظة على مستوى الأداء.

كل هذه المقومات الأساسية أوحت إلى الأستاذ الراشد أن هذه المقومات تشبه تروس المحرك التي يحرك كل منها الآخر... بمعنى أنه وبدون أي منها لا تقوم المهنة.

وبالمناسبة فإنه وعند الدراسة العليا للمحاسبة المالية والتبحر في الإطار الفكري لمهنة المحاسبة، يبدو جلياً أن عبارة المعايير (فلسفياً) لا يقصد بها المعايير بمعناها الحرفي، وإنما يقصد بها كل ما يتعلق بالتنظيم المقوم لبناء المهنة بما فيها المفاهيم.

وفي الختام... فإن مفهوم المقومات الأساسية لمهنة المحاسبة والمراجعة، يجب أن يتغير في أذهان كافة الممارسين للأعمال المالية ورجال الأعمال ليدركوا ماذا يحتاج له العمل المحاسبي حتى تتحقق الأهداف المرجوة منه.

* كاتب ومحلل مالي [email protected]