المستهلكون الأميركيون ذوو الدخول المرتفعة قلصوا نفقاتهم اليومية من 185 إلى 101 دولار

العامل النفسي يدفع البعض إلى خفض نفقاته دون أن يكون متأثرا بالأزمة المالية

الانفاق العائلي يخضع لتأثير الأزمة الاقتصادية الحالية («الشرق الأوسط»)
TT

تعمل دنيس كيمبرلين وزوجها كريغ من وودبريدج متعهدين حكوميين ويتمتعان بمستوى معيشة جيد، وقد حصلا على زيادات في أجورهما مؤخرا، ولا يخشيان من فقد وظيفتيهما. بيد أن أمرا آخر دفعهما إلى تغيير عاداتهما في الإنفاق، فقد قررا خفض 250 دولار أسبوعيا من نفقاتهما كانت تذهب إلى شراء الملابس وسهرات العشاء وأمور أخرى.

مثلهما في ذلك، بوب سكانلون، وهو مسؤول تنفيذي من بروكفيل، يعمل في إدارة أمن النقل، ويشعر هو الآخر أن وظيفته آمنة، لكنه قرر خفض 50 دولار شهريا من فاتورة نفقات العائلة. وعندما تخرج العائلة لتناول طعام العشاء في مطعمهم المفضل يذهبون يوم الثلاثاء حيث يوجد عرض بتخفيض 50% في الوجبات.

ويعود ذلك الاقتصاد في الإنفاق الذي تتبعه عائلتا كيمبرلين وسكانلون وملايين من العائلات الأميركية الأخرى إلى الوضع الاقتصادي وتوقف عجلة النمو، وهو ما شجع عمالا آخرين يشعرون بالقلق على خفض إنفاقهم.

ويقول الاقتصاديون إن العديد من المستهلكين الذين يمتلكون المال مكبلون بقيود نفسية تجعلهم يحجمون عن الإنفاق، على الرغم من أن المصاعب الاقتصادية ليست واقعا بالنسبة لهم. وللتأكيد على الدور المحوري الذي ستلعبه نفسية المستهلكين في تحويل الاقتصاد، قام الرئيس أوباما ورئيس البنك الاحتياطي الفيدرالي بين بيرنانكي بالإعراب عن تفاؤلهم.

وقال توماس غيلوفيتش، عالم النفس في جامعة كورنل والمدير المشارك بمركز الجامعة في أبحاث القرارات والاقتصاديات السلوكية: «تفترض الإدارة التقليدية أننا جميعا عقلانيون، وأننا نستخدم تلك الأشياء بصورة عقلانية، ونستوعب كل المعلومات ومن ثم نتخذ القرار، لكن ذلك بالنسبة إلى الاقتصادي المختص في علم الاقتصاد السلوكي يبدو غير صحيح».

وقالت دنيس كيمبرلين إنها بدأت في عملية التوفير تلك بعد فترة الإجازات، عندما سمعت في الاجتماعات الأسرية وحفلات العمل روايات عن أفراد فقدوا وظائفهم وأفراد يوفرون المال، وقد جعلتها تلك الحكايات تتساءل، ماذا لو أنها فقدت عملها؟

وقد عزز تلك الافتراضات ما تطرحه وسائل الإعلام، عندما طرح مذيعا شبكة الأنباء الإخبارية بريان ويليامز وتشارلي غيبسون أنباء كئيبة عن الاقتصاد وتناقص أعداد المستهلكين، الذين لا يحتاجون بالضرورة إلى خفض إنفاقهم على أية حال.

وقال تقرير مؤسسة «تيندال ريبورت»، التي تراقب المحتوى الإخباري في وسائل الإعلام، إن ثلاثا من كبار الشبكات التليفزيونية الرئيسة في الولايات المتحدة قدمت تغطية في شهر أغسطس (آب) لمدة 85 دقيقة عن أنباء الاقتصاد، وعندما بدأت الأزمة الاقتصادية في شهر سبتمبر (أيلول) وصل مجموع عدد دقائق التغطية إلى 403 دقيقة. وفي نفس الشهر أظهر استطلاع الرأي الذي أجرته مؤسسة غالوب أن المستهلكين ذوي الدخول العالية خفضوا معدل إنفاقهم اليومي إلى نحو 160 دولارا، بعد أن وصل في مايو (أيار) إلى 185 دولارا.

وخلال الشهر الماضي، ومع القصص المستمرة التي تتناول الطرق المبتكرة للأفراد الذين يدخرون المال، خفضوا من إنفاقهم بصورة أكبر تصل إلى 101 دولار يوميا.

وقال تقرير مؤسسة كونفرانس بورد إن الأُسر التي يزيد دخلها عن 100 ألف دولار كانت تسيطر على ما يقرب من 80% من الدخول الإضافية خلال عام 2006، الذي شهد ازدهارا اقتصاديا. لكن مؤسسة غالوب أصدرت مؤخرا استطلاعا للرأي أظهر أن الأفراد الذين يجنون أكثر من 90 ألف دولار انخفض معدل إنفاقهم بما يقرب من 40% منذ سبتمبر (أيلول). وتزعزعت ثقة الأفراد الأثرياء الذين يعتبرون أنفسهم مستثمرين أذكياء بعد انهيار الاستثمارات الآمنة، فلقد شاهدوا شخصيات كانت تحظى من قبل بسمعة محترمة، مثل برنارد مادوف، تتحول إلى فضيحة، وبورصات البنوك المالية تتهاوى.

وقال دنيس جاكوب، كبير الاقتصاديين في مؤسسة غالوب: «لدينا ضعف في الإنفاق في الوقت الحالي، لكن هذا الإحجام عن الإنفاق يأتي من جانب المستهلكين ذوي الدخول العالية، الذين كان لهم أثر كبير على ما يحدث».

حتى إن الأفراد الأثرياء بدأوا في اتباع ذلك النهج أيضا، حيث قال رابر آيس تي، نجم المسلسل التليفزيوني «لو آند أوردر: سبشيل فيكتيم يونيت»، لمجلة «نيويورك» مؤخرا في حفل تدشين شركة لويس فيتون للإنتاج: «هذا العام نحن متشابهون، دعونا نخفض من إنفاقنا ولا نكون مبذرين».

ويفسر علماء النفس وقوع بعض الأفراد فريسة لما يعرف بالدليل الاجتماعي، قد وكانت أشهر الدراسات التي أشارت إلى هذا التأثير هي الدراسة التي أجريت في الستينات، والتي قام بها ستانلي ميلغرام. وقد قام بجعل رجل أو اثنين يقفان أعلى مبنى سكني مزدحم في مدينة نيويورك ليحملقا في نافذة الطابق السادس، وقد تجاهلهم غالبية المارة، لكن عندما قام بجعل 15 شخصا يقفون يحملقون في النافذة كان كل فرد يمر في الشارع ينظر إليها أيضا.

وقال روبرت سيالديني، عالم النفس والخبير في الإقناع بجامعة ولاية أريزونا، إن الظاهرة تعمل الآن: «عندما يتشكك الناس يحدث شيء مضحك، وهو أنهم لا يبحثون عن إجابات بداخلهم، لأن كل ما يرونه اضطراب، ولذا فإنهم ينظرون حولهم ليروا ما يقوم به الآخرون في هذا الموقف، وتلك صورة لخفض شكوكي حول ما يجب أن أقوم به».

وهناك أمر آخر يعيق أولئك الذي لا يزالون قادرين على الإنفاق، إذ يرى الكثيرون من هؤلاء المستهلكين أن الاستثمارات في منازلهم أو المحافظ المالية ارتفعت في أوقات الانتعاش الاقتصادية دون مجهود كبير، وقد تضخمت حساباتهم بصورة كبيرة جدا، وهو أسهل من عملية الإنفاق. ونظريا فإنه من السهل المقامرة أو إنفاق الأموال عندما تكون قد جاءت دون عناء.

ويقول جورج لويوينستين ـ أستاذ الاقتصاد وعلم النفس في جامعة كارنيجي ميلون: «إنها ليست الأموال الأساسية التي لديك، ولكن التاريخ المجمل لكيفية حصولك عليها».

ويجد المستهلكون الذين لديهم القدرة على الإنفاق إذا أرادوا ذلك أنفسهم محصورين داخل حلقة استرجاع سلبية. وفي تقرير أخير أعدته منظمة غالوب عن طباع المستهلكين، خلص التقرير إلى أن الأميركيين ذوي الدخول المرتفعة كانوا أكثر تفاؤلا من ذوي الدخول المنخفضة، أما الآن فقد تغيرات الدفة. ولكن كيف ومتى سيتمرس هؤلاء المستهلكون على التحرر؟

وأفاد لويوينستين: «إن ما يحدث حاليا بالفعل أن حلقات الاسترجاع هذه هبطت بالأسعار إلى ما دون الأساسي»، مشيرا إلى أن الصفقات والفرص التجارية تصبح جيدة للغاية ويصعب مقاومتها. وأضاف: «فجأة ستكون هذه القيم المذهلة، مثل قيم العقارات، وقيم الأسهم». ولكن في هذه البيئة من القيم المنخفضة من الصعب للغاية تحديد ما هو سعر المقايضة الأساسي، ومتى سيتوقف هذا الهبوط.

وأوضح كيالديني ـ العالم النفسي من ولاية أريزونا ـ أن المستهلكين الذين «ينظرون إلى النافذة العليا» غالبا ما ينظرون إلى ما ينصح الخبراء بالقيام به. ومثالا على ذلك، إذا قالت غالبية الخبراء بأن الاقتصاد تبدلت حاله وأنه من الجيد الإنفاق حاليا، «فمن شأن هذا أن يكسر هذه الدورة».

ولا تعتقد دنيس كيمبرلين ـ المتعهدة الحكومية ـ أنها ستنظر إلى ما يقول به الخبراء، بل إنها تنظر إلى ما تشير به دلالات نفس الأفراد الذين تسببت تجاربهم في تثبيتها لمواردها المالية للبدء بها، وقالت: «عندما يعثر شخص أعرفه على عمل فعليا ـ وأنا لم أرَ هذا، بل إنني لم أرَه منذ شهور- فستكون هذه الإشارة الجيدة».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ «الشرق الأوسط»