عملاقا الرهون العقارية الأميركية يعانيان من نزيف المديرين

مناصب رئيسية شاغرة بالشركتين اللتين تضمان 5 تريليونات دولار

مقر شركة فريدي ماك في واشنطن (رويترز)
TT

حتى عام مضى، كانت أكثر أماكن العمل التي تشهد إقبالا في هذه المدينة هي «فاني ماي» و«فريدي ماك»، عملاقي تمويل الرهون العقارية في الولايات المتحدة. وقدمت الشركتان العديد من المناصب للمسؤولين الحكوميين السابقين، ومساعدي الكونغرس المهتمين بالاستمرار في صياغة السياسات. وفي الوقت الحالي، تعاني كلتا الشركتين من نزوح المديرين في المستويات العليا والمتوسطة، وباتت الشركتان تعوزهما القدرة على جذب بدلاء للمسؤولين التنفيذيين، الذين تم التخلص منهم في عملية الاستحواذ الحكومية، التي تمت في العام الماضي، أو الذين هربوا إلى شركات أخرى تعطي رواتب أفضل، ولها مستقبل أكثر إشراقا. وتظهر مشكلات العاملين في الشركتين، في الوقت الذي تستثمر فيه الحكومة مئات المليارات من الدولارات فيهما، وتقوم بتوسيع مهمتهما لتكونا بمثابة الرافعتين الأساسيتين اللتين تستخدمان لانتشال سوق الإسكان من مستنقع الركود. وبالإضافة للعب دور رئيسي في برنامج تخفيف وتيرة عمليات حبس الرهون العقارية، الذي تتبناه إدارة أوباما، تضمن الشركتان أكثر من 5 تريليونات دولار، أو أكثر من نصف الرهون العقارية في الولايات المتحدة، كما تستأنفان تمويل أكثر من 70 في المائة من قروض المساكن الجديدة. وتوجد وظائف شاغرة في «فريدي ماك» لشغل المناصب الآتية: رئيس تنفيذي، ومسؤول العمليات الرئيسي، ومسؤول التمويل الرئيسي. وفي «فاني» ثمة فرصة لشغل منصب مستشار عام ومسؤول أول عن المخاطرة، ومسؤول تقنية أول. وتحتاج الشركتان إلى نواب رؤساء بارزين، ومسؤولين لشغل مناصب رفيعة المستوى. وتمتد مشكلات العمالة إلى جوانب أخرى في خطة الإنقاذ المالي، فمنذ أسابيع وإدارة أوباما مترددة في تعين هربرت أليسون، المسؤول التنفيذي الرئيسي في «فاني» الذي عينه الرئيس جورج دبليو بوش، الخريف الماضي، في منصب الرئيس الجديد لبرنامج الإنقاذ التابع لوزارة الخزانة، ويعود ذلك بصورة جزئية إلى العدد المتنامي من الوظائف الشاغرة. وما زال أليسون منافسا لشغل المنصب. وإذا ما رشحه الرئيس أوباما، وصدق عليه مجلس الشيوخ، سوف يخلف أليسون، نيل كاشكاري، الذي تنحى عن منصبه كمساعد لوزير الخزانة، مختص بالاستقرار المالي، وهو المنصب الذي أنشئ العام الماضي في إطار جهود الإنقاذ المالي. ويذكر أن أليسون عمل مع «ميريل لينتش» لقرابة 30 عاما، وترقى ليشغل منصب الرئيس ومنصب مسؤول العمليات الرئيسي. وبعد ذلك أدار اللجنة المالية مع السيناتور جون ماكين، خلال حملته الرئاسية لانتخابات عام 2000 وأصبح رئيس مجلس إدارة والرئيس التنفيذي لشركة « TIAA-CREF»، وهي شركة إدارة أموال كبرى. ويطلب من المسؤولين التنفيذيين الباقيين في «فاني» و«فريدي» أداء مهمتين: الإشراف على استعادة الأداء الجيد للشركتين، والمساعدة في جهود الإنقاذ المالي التي تنفذها الحكومة. ويقول جيمس بلوكهارت، مدير الهيئة الفيدرالية لتمويل الإسكان، وهي الهيئة المسؤولة عن مراقبة الشركتين: «لقد استنفذت طاقات الجميع، ربما يبلغ ما تستثمره الحكومة الأميركية في هاتين الشركتين 400 مليار دولار، وإذا ما خسرت هؤلاء الأشخاص، فإنك تضع هذا الاستثمار في وضع خطر».

وحتى الوقت الحالي، تمكنت الشركتان احتواء المناصب الشاغرة، على الرغم من أن هناك قلقا من الخسائر التي قد تترتب على ذلك، خاصة وأن الكثير من الأموال في موقف خطر. ويقول لوكهارت: «نشعر بالقلق الشديد، بسبب المناصب الشاغرة والفجوات المستقبلية»، مشيرا إلى الخوف من أن المناصب التي لن يتم شغلها يمكن أن تفضي إلى قصور في وحدات التقنية وإدارة المخاطر وتعديل القروض في الشركتين. ويهرب المسؤولون التنفيذيون من الشركة لعدة أسباب. فعلى سبيل المثال، تنحى المسؤول التنفيذي لـ«فريدي» ديفيد موفيت، الذي عين قبل ستة أشهر، من منصبه ويرجع ذلك بصورة جزئية بسبب الإرهاق التي تسببت فيه الرقابة الحكومة الصارمة، ومهمة الشركة التي تحفوها الكثير من التناقضات. وأخيرا، رحل آخرون، على غرار غاري كين، نائب الرئيس الأول السابق للاستثمارات وأسواق المال، والمسؤول التنفيذي الأعلى الذي يشرف على محفظة استثمارية قيمتها 700 مليار دولار، ليصبح مسؤول الاستثمارات الرئيسي في هيئة «أميركان كابيتال»، وهي مؤسسة استثمار عقاري. وقد ساعدت الشكوك التي تحدق بمستقبل الشركتين، كشركتين تابعتين للقطاع الخاص، على تراجع الروح المعنوية لدى الموظفين، وجعلت عملية استقدام موظفين جدد أكثر صعوبة. وعلى عكس الوضع في «فاني» و«فريدي»، فإن البنوك الكبرى التي حصلت على مساعدات مالية من الحكومة يمكنها أن تقدم لمسؤوليها التنفيذيين مكافآت في صورة أسهم، بالإضافة إلى راتب سنوية، في إطار حد معين، ويعلم المسؤولون التنفيذيون أنه في النهاية ستتمكن هذه البنوك من الاستغناء عن المساعدات المالية. وبعد أن كان شرف للمرء أن يعمل لدى «فاني» أو «فريدي»، بات ينظر إلى الشركتين بنوع من الازدراء والغضب، حيث تتحمل الشركتان مسؤولية المساهمة في الأزمة الاقتصادية الراهنة. ومع أن الشركتين قامتا بتقليل حجم مكافآتهما بدرجة كبيرة، واستغنتا عن الكثير من الخدمات التي كانت تقدم بالإضافة إلى راتب الموظفين، ما زالت ثمة انتقادات توجه للشركة من الأعضاء القدامى في الكونغرس للاستمرار في تقديم مكافآت من الأساس. وانعكس ذلك في خطاب أرسله مؤخرا النائب الديمقراطي عن ولاية ماساتشوسيتس بارني فرانك، رئيس لجنة الخدمات المالية في مجلس النواب، إلى لوكهارت. وقال فرانك في خطابه: «أكتب إليك لأحثك بشدة على إبطال استمرار برامج المكافآت في فاني ماي وفريدريك ماك، ولحظر أي عمليات دفع أخرى للمكافآت للمسؤولين في إطار هذا البرنامج وتتبع إعادة الدفع لأي من المكافآت التي دفعت بالفعل».

ويقول لوكهارت: إن الشركتين تدفعان الثمن السياسي للدفع بصورة كبيرة لبعض المسؤولين التنفيذيين في السنوات التي سبقت عملية الاستحواذ، التي قامت بها الحكومة. تعد المكافآت الحالية أكثر تواضعا، ولكن حيث أن الشركتين تحصلان على مساعدات من الأموال العامة، فإن هذه المكافآت تثير الكثير من الجدل. وقبل أسبوعين، ذكر لوكهارت، أن 7600 موظفا في «فاني» و«فريدي» سيحصلون على مكافآت تمديد خلال العام الجاري تصل في مجملها إلى 210 مليون دولار. وقال إن 213 موظفا سوف يحصلون على مكافآت تبلغ أكثر من 100.000 دولار، وأن مسؤولا تنفيذيا في «فريدي ماك» سوف يحصل على 1.3 مليون دولار. ويقوم لوكهارت، ومسؤولون آخرون حاليا بوضع إرشادات التعويض التي سوف تشكل الأساس لتوظيف مسؤولين تنفيذيين.

*خدمة «نيويورك تايمز»