حسابات.. قنابل موقوتة في وجه السلام العالمي

سعود الأحمد

TT

الخبر نقلته جريدة الاقتصادية السعودية عن وكالة الأنباء السويسرية في فبراير الماضي، ومفاده أن المحكمة الإدارية السويسرية منعت سلطة مراقبة الأسواق المالية من نقل بيانات مصرفية لعملاء مصرف «يو بي إس»، لإدارة الضرائب الأميركية أو لأي جهة ثالثة، «وتحديدا السلطات الأميركية». وجاء قرار المحكمة بعد أن تم إجبار مصرف «يو بي إس» السويسري على كسر السرية المصرفية «المقدسة» في سويسرا، من أجل التوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة بشأن عمليات تهرب ضريبي واسعة، شملت ما بين 250 و300 عميل أميركي للبنك. وقد تم تسوية هذا الخلاف بشكل ودي، على أن يتم إبرام اتفاق بين «يو بي إس» والقضاء الأميركي، بأن يتعهد البنك بتسليم هويات العملاء الذين ساعدهم على التهرب الضريبي. كما نص الاتفاق على أن يدفع البنك السويسري 780 مليون دولار لغلق هذا الملف. كما أن هناك 52 ألف حساب سري تبلغ أرصدتها نحو 14.8 مليار دولار، حددت سلطة الضرائب الأميركية أنها تخص مواطنين أميركيين. وقد بدأت القصة عندما تقدم جهاز الضرائب في ميامي «فلوريدا ـ جنوب شرق» بشكوى لدى وزارة العدل بشأن عدد مهم من الحسابات السرية غير الشرعية وتتهرب من الضرائب بالبنوك السويسرية، لدرجة سميت معها هذه البنوك ببنوك «الملاذ الضريبي». حيث طلب القضاء الأميركي من البنك السويسري أن يكشف لجهاز الضرائب الأميركي عن هويات أصحاب هذه الحسابات السرية. وعلى الرغم من قرار مجموعة العشرين في اجتماعها الأخير في لندن، بإلغاء مفهوم «الحسابات السرية» التي تعود للشركات أو الأفراد ودمجها في بيانات البنوك. إلا أن القرار يفتقد للآلية الفاعلة لتطبيقه.

ولعلي أنوه أن خطورة هذا الأمر لا تتوقف عند كون هذه الملايين وربما البلايين لا يدفع عنها ضرائب، أو لكونها قد تضيع على الورثة بعد موت أصحابها، أو لكون هذه المبالغ من حق الدول التي ينتمي لها هؤلاء الأثرياء، وبالتالي يجب أن تعود لهم لأنهم الأولى. فهذه حقائق «ربما» لا خلاف عليها، خصوصا أن من بين أصحاب هذه الحسابات السرية شخصيات مشهورة ورسمية، لو تم التبصر في مصدر أموالهم المصدرة لهذه البنوك الأجنبية، لكان من السهولة التوصل إلى أن خزينة دولهم أولى باستعادتها.

لكن الأمر الأهم هنا أخطر بكثير، وهو أن هذه الأموال التي تقول عنها المحكمة الأميركية إنها غير شرعية، وتقول المحكمة السويسرية بأن الإفصاح عنها يعني كسرا للسرية المصرفية المقدسة «من وجهة نظر المحكمة». هذه الأموال في حقيقة الأمر تعني قنابل موقوتة، انفجر بعضها في منظومة الأمن القومي العالمي، وبعضها ينتظر الانفجار. لسبب بسيط وهو أنه يمكن للعصابات الدولية أن تتخذ من بعضها مصدرا لتمويل عمليات الإرهاب. ومن وجهة نظري أنه بالإفصاح عن هذه الأموال المجمدة بالبنوك العالمية «بعضها منذ عدة عقود»، يمكن المساهمة في الإجابة على سؤال هام وهو: من يمول العمليات الإرهابية الدولية.

وختاما فإن هذه القضية حلها ممكن، بأن يصدر معيار محاسبي دولي يقنن كيف يتم معالجة الحسابات المصرفية السرية، التي يتركها أصحابها لأي سبب. أو أن يصدر قرار من البنوك المركزية العالمية، مفاده أن أي حساب يتركه صاحبه، فإن من الواجب على المصرف التجاري أن يحيله للبنك المركزي في البلاد. وعلى أن تتم معالجة هذه الأموال من خلال الدوائر القضائية والمالية تحت مظلة هيئة الأمم المتحدة، أو من خلال بنك التسويات الدولي (ببازل) للعمل على أن تعود هذه الأموال لأصحابها أو للدول التي ينتمي إليها أصحابها. كاتب ومحلل مالي [email protected]